العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ

تقيّيم الأثر البيئي... منهج للرقابة البيئية

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

يدرك الكثيرون وخصوصاً المختصين منهم ونشطاء العمل البيئي، القيمة العلمية والإنسانية والاجتماعي والبيئية والبحثية والقانونية والقضائية والإدارية أيضاً لنظام تقييم الأثر البيئي، بيد أنه يمكن أن تجد البعض من لا يعير ذلك المنهج الاهتمام اللازم ولا يضعه ضمن أولويات الخطط والمشاريع التنموية والعمرانية والصناعية والاقتصادية من منطلقات مختلفة في معاييرها وبعد أهدافها وتُمثل المصلحة الذاتية منطلقها الفعلي.

تقييم المردود البيئي منهج علمي دخل ضمن منظومة العمل الرقابي الحديث للإدارة البيئية، ويرتكز على المنهج العلمي في قراءة البعد البيئي للمشاريع التنموية على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع، وتشخيص الآثار المادية والاقتصادية والصحية على الإنسان والبيئية، ويجري بناءً على البيانات والمعلومات عن حالة البيئة والآثار المادية والصحية التي يجري رصدها، تحديد مستوى الأضرار البيئية والصحية والإجراءات العلمية والعملية لإعادة التأهيل البيئي، وإزالة الأضرار الصحية ومستوى التعويض المادي على الأضرار التي تصيب الإنسان والبيئة.

المؤشر الاجتماعي محور مهم في نظام تقييم الأثر البيئي، ويدخل في منظومة معاييره الآثار الصحية والبيئية لمشاريع التخطيط العمراني والحضري، والمشاريع التنموية والصناعية والاقتصادية على حياة المجتمعات المحلية، والموقف الاجتماعي من المشاريع المراد تنفيذها، إذ يؤخذ الرأي الاجتماعي كمعيار رئيسي في إقرار بناء وتنفيذ المشاريع التنموية، ومن الطبيعي عدم الأخذ في الاعتبار العامل الاجتماعي في برنامج تقييم الأثر الاجتماعي البيئي للمشاريع يتسبب في الإخلال بالأمن البيئي للمجتمع نتيجة إقامة المناطق السكنية بالقرب من المناطق الصناعية، وكذلك إقامة مكبات النفايات والمناطق الصناعية بالقرب من المناطق السكنية، وذلك يعد من عناصر القصور المهمة في سياسات الدول التنموية والبيئية.

الدلالات العلمية وفق ما يشخصها المدير التنفيذي لمركز دراسات المردود البيئي في جامعة كالرلتون - اتاووا - في كندا محمد حسين صدر الصادر عن رابطة الطب المهني والبيئي - الجمعية الطبية الكويتية تؤكد فوائد دراسات المردود البيئي في تحقيق مستوى أكبر من الكفاءة في استخدام الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة، وتقليل نفقات المشاريع الإنمائية على المدى البعيد (بتفادي التغييرات المكلفة في المستقبل) مع التقليل من احتمال حدوث كوارث بيئية، وإجراءات قضائية وعمليات تنظيف باهظة التكلفة، وتفادي الإجراءات التصحيحية التي يجري التخطيط لها أو تنفيذها مستقبلاً لتقليل التأثيرات السلبية على البيئة الطبيعية والاجتماعية، وتحسين مستوى التخطيط مستقبلاً للمشروعات الاقتصادية والإنمائية، ورفع مستوى الحماية للبيئة، والتقليل إلى الحد الأدنى من التأثيرات السلبية على الصحة، نتيجة التشاور بين الأطراف المعنية ما يؤدي إلى المحافظة على مستويات المعيشة أو رفعها.

الأهمية الاستراتيجية لنظام تقييم المردود البيئي في الحفاظ على معالم النظام البيئي وصون الأمن البيئي للمجتمع، جعلها تكون في مقدمة أولويات مبادئ المشروع الدولي البيئي ويمكن الإشارة في هذا السياق الى المبدأ «17» في مبادئ إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية - 1992، إذ يؤكد على أن «يضطلع بتقديم الأثر البيئي كأداة وطنية للأنشطة المقترحة التي يحتمل أن تكون لها آثار سلبية كبيرة على البيئة، والتي تكون مرهونة بقرار لإحدى السلطات الوطنية المختصة»، كما أن الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي تؤكد في المادة (14) أن «يقوم كل طرف متعاقد قدر الإمكان وبحسب الاقتضاء في إدخال إجراءات مناسبة تقتضي تقييم الآثار البيئية للمشاريع المقترحة المرجح أن تؤدي إلى آثار معاكسة كبيرة على التنوع البيولوجي، بغية تفادي أو تقليل هذه الآثار إلى الحد الأدنى لإفساح المجال للمشاركة الجماهيرية في هذه الإجراءات عند الاقتضاء، وإدخال إجراءات مناسبة لضمان أن الآثار البيئية للبرامج والسياسات المرجح أن تؤدي إلى آثار معاكسة كبيرة على التنوع البيولوجي ستؤخذ في الحسبان في حينها»، ويشدد المبدأ (12 - التقييم البيئي) في مبادئ منتريال التوجيهية لحماية البيئة البحرية من مصادر من البر على أنه «ينبغي للدول أن تقيم الآثار / المؤثرات الممكنة بما في ذلك الآثار / المؤثرات الممكنة عبر الحدود للمشاريع الرئيسية المقترحة الخاضعة لولايتها أو رقابتها ولاسيما في المناطق الساحلية التي يمكن أن تسبب تلوثاً من مصادر في البر كي يتسنى اتخاذ تدابير مناسبة».

النظام الاقليمي يأخذ في الاعتبار أيضاً نظام تقييم المردود البيئي، ويمكن تبين ذلك في تحديده قواعد الاتفاقية الكويتية الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث للعام 1978. إذ تؤكد في المادة الثامنة فقرة (1) أن «تلتزم الدول المتعاقدة على أساس الأولوية بإدراج تقييم للآثار البيئية المحتملة أثناء مراحل تخطيط وتنفيذ مشاريع إنمائية مختارة في أراضيها، وخاصة في المناطق الساحلية التي قد تسبب مخاطر جسيمه للتلوث من مصادر في البر لمنطقة البروتوكول، وذلك ضمان لاتخاذ تدابير مناسبة لمنع أو تخفيف مثل هذه المخاطر».

المشرع البحريني أخذاً في الاعتبار نظام التقييم البيئي في صون الأمن البيئي ضمن قانون رقم (21) لسنة 1996 بشأن البيئة بالقواعد القانونية الدالة على ذلك ويؤكد في المادة (21) «يتعين على من يطلب منهم التقدم بدراسات الجدوى الخاصة بالمشروعات المختلفة التي يحتمل أن يكون لها تأثيرات على البيئة، أن تتضمن هذه الدراسات وصفاً تفصيلياً صادراً من جهة متخصصة عن الاحتياطات والاعتبارات التي روعيت بشأن التأثير البيئي المحتمل لهذه المشروعات وفقاً للمعايير التي يحددها جهاز البيئة».

الثوابت العلمية والمهنية والقانونية تؤكد الاعتبارات الاستراتيجية لنظام تقييم الأثر البيئي في بناء نظام مؤسس للأمن البيئي، بيد أن ذلك في حاجة إلى توافر الإرادة المسئولة في العمل على جعلها واقعاً ملموساً في جوهر منهج التخطيط للمشاريع التنموية والبيئية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً