إلهام حسن، من أبرز سيدات الأعمال البحرينيات وأم لثلاث بنات، صنفتها مجلة «فوربس» كأقوى سيدة أعمال بحرينية للعام 2005، وفي المرتبة 14 على مستوى الوطن العربي. وفي العام 2014 ضمن قائمة أقوى 200 سيدة عربية.

وكانت أول امرأة عربية تشغل منصب الشريك المسئول في إحدى شركات التدقيق، وهي شركة برايس ووترهاوس كوبرز العالمية - واحدة من كبريات شركات تدقيق حسابات واستشارات أعمال في العالم.

وتعتبر إلهام أصغر بحرينية حصلت على الثانوية العامة (14 عاماً) ودرجة البكالوريوس في التجارة (18 عاماً).

«الوسط» كان لها لقاء حميمي مع إلهام في منزلها بمدينة حمد، فتحت فيه أبواب ذاكرتها وقلبها، لترينا وجها آخر، غير سيدة الأعمال القوية والصارمة، وجه إلهام الإنسانة المنامية البسيطة والمتواضعة على رغم ما حققته من إنجازات، إلهام الأم والزوجة والعاشقة.

وفيما يلي نص الحوار:

حدثيني عن نفسك، من هي إلهام حسن؟

- من الصعب أن يتحدث الإنسان عن نفسه، ولكن بشكل عام، أنا إنسانة بحرينية، جذوري ضاربة في عمق المنامة، ترعرعت في الفترة الذهبية للبحرين، حيث التعليم مستقر والخدمات متوافرة، وبداية ظهور السيارات والشوارع السريعة.

تربيت في هذه البيئة وأصبحت ما أنا عليه اليوم، حسن هو اسم جدي الأكبر، لكن اسمي الهام إبراهيم عبدالله حسن.

ما هو الدافع الذي يحملك نحو النجاح دائما؟

- اختياري مجال الأعمال كان صدفة، لكن الاصرار على النجاح هو ما انغرس في شخصيتي منذ طفولتي. البيئة المحيطة بي كانت طموحة، لأني كنت أرى أصدقاء العائلة والأهل يؤمنون بأن الإنسان الناجح هو المتميز، وبطبعي منذ الطفولة اهتممت بأن يكون لي بصمة في أي مجال أدخله.

كيف استطعت النجاح في الصعيد المهني، وفي المنزل أنجبت 3 بنات ناجحات وربيتيهن بشكل جيد أيضا؟

- أعتقد بأنه هاجس داخلي، بأني أستطيع عمل هذا الشيء، وأنا أتكلم مع نفسي كل يوم حتى الآن، وأقنع نفسي بأني أستطيع عمل هذا الشيء وأرتب طريقة العمل للوصل لهذا الهدف. كما أنني لم أكن وحدي، أمي كانت معي دائما.

لكن هناك أشياء كثيرة ضحيت بها في فترة معينة من حياتي، منها الجانب الاجتماعي، مررت بفترة طويلة في حياتي انعدم فيها الجانب الاجتماعي.

كيف تقبلت بناتك غيابك عنهن؟

- مثلا كان هناك حضور اليوم المفتوح للمدارس، وكان يسبب لي أزمة، فقد يتزامن مع اجتماع مهم ومصيري للعمل، كنت أوازن وبأسلوب معين أقنع ابنتي، بأن هذا الأمر مهم بالنسبة لي كثيرا وليس بالنسبة للعمل.

والنجاح الحقيقي بالنسبة لي هو هذا، هن تفهمن، وأوصلت لهن بشكل صحيح فكرة انشغالاتي وغيابي، وبأن العمل ليس أهم منهن جميعا.

حدثيني عن العائلة…

- كنت الابنة الأولى وبعدي أختان وأخوان، وكنت وحيدة والداي لثماني سنوات، حظيت فيها بدلال وعناية شديدة.

بعد أن تزوجت محمد العنزور، أنجبت 3 بنات، هن إنجازي في الحياة، وليس العمل هو الانجاز.

السيرة المهنية تعطي الانسان مردودا ونجاحا وقتيا ومحدودا بسنوات العمل، لكن الابن هو انجاز طول العمر، وأنا راضية لأقصى حد عن انجازي في تربية بناتي، كبرن وأصبحن أفضل مما كنت أتمنى.

مثلا بناتي بالرغم من أنهن عشن فترات طويلة في الخارج، لكن انتمائهن قوي جدا للجذور وللوطن وللعائلة.

هل تمنيت أن يرزقك الله بولد بدلا من البنات؟

- لم أشعر بهذا الأمر إطلاقا طول عمري، ربما لأني تربيت في منزل يعتبر الابن وأعني بالابن البنت والولد، يعتبر مفضلا بنجاحه وليس بالجنس. الابن الصالح هو الأهم.

زواجك لم يكن تقليديا، حدثينا عن الحكاية…

- تضحك بصوت مرتفع وتحمرّ وجنتاها وتقول: كيف لم يكن تقليديا؟ ما معنى تقليدي أساسا؟

تعرفت على زوجي في الجامعة، وأظن أن هذا تقليدي لأن كل الناس يتعرفون على أزواجهم في الجامعة.

كان أكبر مني سنا وقبلي في الجامعة، كلية مختلفة طبعا لأن تخصصه الدراسي في الطب والعلاج الطبيعي، وكنت أنا في التجارة والاقتصاد، كنا نعيش الزمن الجميل الذي كثيرا ما يتحدثون عنه.

التقيت به في المرة الأولى في الطائرة حيث كنا نتوجه للقاهرة، ربما كان حبا من أول نظرة. تخرج قبلي وعاد للبحرين، وانتظر عودتي ثم تزوجنا.

محمد هو شريكي في الحياة وليس زوجا فقط، تربينا معا وكبرنا معا لأننا كنا في سن صغير جدا، كان عمري 14 سنة فقط حين بدأت حكايتي معه، هو أكثر إنسان عشت معه في حياتي، عشت مع والداي 14 سنة فقط ثم بدأت السفر والانشغال، واخوتي ولد اثنان منهم وأنا كنت خارج البحرين أساسا.

قضينا أنا ومحمد كل حياتنا معا، كنا نشجع بعضنا بعضا في التقدم الدراسي والمهني، كان هو طموحا جدا حيث اخترق مجالا تقليديا وصنع منه تميزا، كانت له تطلعات كبيرة جدا.

عادة بين الأزواج يكون هناك طرف أقوى ومتقدم أكثر، نحن لم نعش هذا، وكنا دائما نتخذ خطواتنا معا.

بعد أكثر من 30 عاما من الزواج… هل مازال هناك متسع للحب؟

- تحمر وجنتاها: أعتقد نعم، والحب درجات، من مرحلة المراهقة ثم أولى فترات الزواج، وتربية الاولاد وهي الفترة الصعبة.

كنا نتفق كثيرا في معاييرنا المهنية ونختلف كثيرا في تنشئة البنات، ربما لأني كنت ليبرالية أكثر أو منفتحة في بعض الأمور، وكنا بحاجة لإيجاد حلول وسطية دائما. كنت عاطفية جدا في تربية بناتي، وهو جدا واقعي وصارم نوعا ما.

حدثيني عن الطفولة في المنامة...

- عشت طفولة سعيدة، بين أم وأب متفهمين جدا وواقعيين جدا في الحياة، حاولوا توفير كل متطلبات الحياة بشكل راق جدا، وكان انتماؤنا للبيت الكبير قويا جدا، كنا نزور البيت العود بشكل يومي.

في منزلنا في القضيبية كان لدينا مكيف، ولكن في البيت العود كانوا ينامون على سطح المنزل لبرودة الهواء والرطوبة، وكنت أستغرب لماذا تحرمني أمي من هذا الامتياز، كنت أرجوها لتسمح لي بالنوم في السطح معهم، لأن ذلك كان يمثل لي رحلة.

اتذكر شاي الحليب والكماج كان له طعم لذيذ، لا يمكن أن نجده اليوم.

كيف نظر لك اقرانك حين حصلت على الثانوية العامة بعمر الرابعة عشر؟

- لم يكن لأحد علم بعمري، طالبات كنت معهم في فصل دراسي لماذا يسألون عن عمري؟ البديهي أن يعتقدن أنني مساوية لهن في العمر. كنت طالبة متفوقة والأولى دائما.

في ذلك الزمن، كان التسجيل للمدرسة يعتمد على الوزن والطول واكتمال الأسنان إذا لم يكن لديك شهادة ميلاد، عائلتي قررت ألا تسجلني بشهادة الميلاد لأحظى بفرصة الدخول للمدرسة في عمر الثلاث سنوات.

أتذكر أن المدرسات كن يشعرن بأني لطيفة وحجمي الصغير كان يقربني إليهم.

التحقت بالجامعة وكنت في الرابعة عشر من عمري، ولم يكن أقراني يشككن بأني أصغر منهم سنا.

أنت عاطفية جدا، لماذا اخترت قطاع الأعمال والتجارة؟

- لم يكن مجال التخصص لي، كنت أريد الطب، ولكن لم أحصل على بعثة طب في القاهرة، بل في مناطق أخرى كان الذهاب لها صعبا بالنسبة لي.

وكان هناك خطأ فأخذوا أوراقي لكلية التجارة بدلا من العلوم، وكنت صغيرة جدا ولا أعرف ماذا يعني تجارة، فسألت سفارة البحرين في القاهرة، وأخبرني الشخص العامل هناك معرفاً تخصص التجارة «التجارة يروحون ليها اللي يبون يصيرون تجار»، تضحك وتضيف «لا أعتقد أنه تعريف صحيح». وشعرت أنه لا بأس في التخصص. دخولي لهذه الكلية كان صدفة بحتة.

تطلبت مسيرتك العمل لفترات طويلة والسفر، كيف تحملت ذلك؟

- خلال فترة عملي التي امتدت إلى 28 سنة، لاحظت أن كمية الجهد الذي بذلته خلال تلك السنوات مقارنة بأقراني، كان خارقا.

الآن تغير الوضع عن الثمانينات وأصبح الكل يسافر ويترك بلده وعائلته، لكن في الثمانينات كان شيئا مختلفا.

أنا عملت في دول مثل اليمن وليبيا ومهمات في كل دول مجلس التعاون والاردن، وفترات اطول في اميركا وبريطانيا، في تلك السنوات لم يكن من المعتاد أن تعمل امرأة بهذه الطريقة.

أحببت عملي وأخلصت له، وكل تعب كنت أبذله قابله مردود جيد.

هل مررت بإحباطات؟

- الإحباط الوحيد الذي كان يصيبني هو أن ينظر الى جنسي كامرأة أكثر من الانجاز، هذا حدث معي كثيرا، كان هناك تردد بأنها امرأة متزوجة ولديها أطفال مثلا أو حامل، أحيانا دون النظر إلى الكفاءة والجهد المبذول.

مثلا في احدى الفترات كنت في بريطانيا وحامل بابنتي روان وكان هناك تردد لأن أعطى مهمة جديدة، ما يثبت أن هذه النظرة لم تكن محصورة في الوطن العربي فقط، بل حتى لدى الغرب.

أين تكمن نقطة القوة لديك؟

- ربما لأنني انسانة لدي تسامح كبير مع نفسي، من ناحية معرفة قدراتي وحدودها، ولا أحاول القفز على قدراتي بتاتا.

التسامح الداخلي يشعرني بأن الأمور التي تحدث هي ايجابية.

مررت بمطبات كثيرة، بعضها يكسر الانسان، لكني نظرت لها بإيجابية وتجاوزتها.

أهم انجاز حققته الهام حسن؟

- على الصعيد المهني، ربما كوني أول امرأة في الوطن العربي تستلم قيادة شركة بحجم التي كنت فيها.

حصلت على الكثير من الجوائز والأوسمة، حصلت على وسام من الملك قبل سنوات، وحصلت على وسام من صاحبة السمو الشيخة سبيكة تقديرا لأعمالي في مجالي، وحصلت على جوائز من مؤتمرات عالمية حضرت فيها عن طريق شركة برايس ووترهاوس كوبرز.

هذه كلها انجازات وقتية، نفرح بها في وقتها وتنتهي، الانجاز الأكبر هو الأبناء.

حدثيني عن سيرتك المهنية.

- تخرجت بتفوق من المدرسة، وحصلت على بعثة للسفر الى القاهرة، ووالداي ترددا قليلا بأن يسمحوا لي بالسفر في سن الأربعة عشر عاما (تضحك وتضيف) أعتقد أنهم كانوا شجعانا ليتركوني أسافر وحدي في هذا العمر.

بعد العودة من القاهرة، عملت في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، ثم تزوجت، وسافرنا بعد ذلك، هو كان يدرس الماجستير، وأنا كنت أريد التخصص والحصول على الزمالة والعمل مع الشركة فرع اميركا.

بعد العودة من اميركا في العام 1986، طلبت مني الشركة العمل معهم في فرع بريطانيا وسافرت مجددا، وسافر معي زوجي الذي كان يدرس الدكتوراه هناك ايضا، واصطحبت معي أمي وابنتي وأخي الصغير أيضا. ثم عدت للبحرين مجددا في نهاية العام 1990، واستمررت أسافر كثيرا ولكن لفترات أقصر، وأعود لعائلتي في البحرين.

في 2010 تفاهمت مع الشركة العالمية وتوقفت عن العمل معهم، وفتحت شركتي الخاصة في البحرين، لأن بناتي قد كبرن وصرن يعشن في الخارج وأصبحت لا ألتقي بهن كثيرا، سابقا كنت أعود للمنزل وأجدهن في غرفهن ينتظرنني، أما الآن أعود ولا أراهن لذا تركت العمل مع الشركة العالمية، لأتمكن من الالتقاء بهن أكثر. فهن أولويتي.