العدد 5300 - السبت 11 مارس 2017م الموافق 12 جمادى الآخرة 1438هـ

وداوني بالتي كانت هي الداء

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

لاشك أن أوضاعنا لا تسر أحداً، وقد ازداد وضعنا سوءًا منذ بضع سنوات وهو وضع غير طبيعي. وتتجلى الوضعية غير الطبيعية في مظاهر وأشكال شتى، منها الشكل الحقوقي، ومنها الشكل الاقتصادي، ومنها الشكل السياسي، وغيرها من الأشكال.

ومن طبيعة الأمور أن يكون لكل شكل أو وجه من هذه الأوجه تعقيداته وخصوصياته التي تميّزه عمّا عداه. لكن كل هذه الأوجه هي في جميع الأحوال تعكس بهذا القدر أو ذاك تجليات الحالة السياسية التي تعيشها البلاد.

ومع ذلك يمكن معالجة الأزمة حسب تمظهراتها، أو تجلياتها. فالاقتصادي يرى أن الخروج من هذه الوضعية غير السوية من خلال المقاربة الاقتصادية، وذلك عن طريق سلة قرارات اقتصادية تخرج الوضع من ركوده. فيكفي حسب القائلين بهذا الرأي أن تحل القضايا الاقتصادية. في حين يرى الحقوقيون أن المدخل المناسب هو الحلول الحقوقية للمسائل العالقة، والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان هي الأهم، وهي المدخل الأنسب لحلحلة الأوضاع في البلاد، وذلك من خلال حزمة قرارات تاريخية يقوم بها المعنيون في هذا الشأن.

بينما يرى طرف ثالث أن المخرج من أوضاعنا هو مزيد من التنمية الاجتماعية الهادفة، والتي تشمل جميع المواطنين دون تمييز، والمتعلقة بالعمل والسكن والتعليم والصحة ومختلف الخدمات وعلى أساس نوعي، وضمن مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.

إلى جانب تلك المداخل الثلاث والرؤى في مقاربة أوضاعنا، نجد طرفا آخر – على رغم أهمية تلك المقاربات - يرى أن المدخل الأنسب للخروج مما نحن فيه من توهان هو المدخل السياسي. كيف؟

يقول أصحاب هذه الرؤية أن الأزمة مهما تنوعت أوجهها، هي في البداية والنهاية ذات طابع سياسي عميق حتى لو تجلت في شكل اقتصادي أو حقوقي أو خدماتي اجتماعي أو غير ذلك. ذلك أن السياسة تخترق كل هذه الأوجه، وتتحكّم في كل هذه المجالات. هي الجانب الحاكم في كل المجالات، وليس العكس.

ولإيضاح وجهة نظرهم يقول أصحاب المقاربة السياسية: بأنه لا يكفي أن يتم تأكيد أهمية البعد السياسي في الأوضاع المحلية، ولا يكفي مجرد قرارات أو إجراءات سريعة أو ترقيعية هنا أو هناك، بل لابد للخروج من هذه الوضعية من اعتماد خريطة طريق سياسية متكاملة وواضحة المعالم والأبعاد يتم الاتفاق بشأنها فيما بين الفاعلين في الشأن السياسي، مع دور محوري لأصحاب القرار في بناء الأرضية المناسبة، وتهيئة الأمور لإجراء ما هو مطلوب من أجل تنفيذ خريطة الطريق المقترحة والمتفق عليها بين الفرقاء.

إضافةً إلى ذلك ينطلق أصحاب هذه الرؤية من فكرة مفادها أن الإشكاليات السياسية المعقدة والمركبة لا يمكن معالجتها بأي حال من الأحوال إلا من خلال إجراءات وحلول من نفس الطينة، أي إجراءات سياسية جريئة وتاريخية قادرة على تبريد الساحة ووضع البحرين على المسار الصحيح، ومن ثم البدء في عمليه سياسية تاريخية وشاملة تحتوي الكل ولا تستثني أحداً من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والحقوقيين.

وأياً تكن الملاحظات أو المآخذ على هذا المدخل، فإنه يمثل المدخل الأنسب والسليم الذي باستطاعته أن يستغرق كل القضايا المرتبطة بالحالة البحرينية، وكل ما عداه لا يفضي إلى حلول حقيقية أو جدية. ومن هنا أهمية هذا المدخل في خلق الأجواء المناسبة والمؤاتية، وكذلك قدرته على اقتراح حلول شاملة وجامعة وعادلة بحيث يشعر الكل أنه مشمول بها وأنه غير مستبعد من نتائجها.

أخيراً إذا كان قد مضى وقت طويل نسبياً على الحالة البحرينية ودون حلول تاريخية، أظنّ أن الوقت لم يفت بعد لإيجاد الحلول المناسبة، بل إن الوقت أكثر من مناسب من أجل الدخول في عملية سياسية مبرمجة وشاملة لإيجاد حلول لحالتنا الراهنة والمزمنة.

وإذا كانت السياسة هي أحد الممنوعات أو تثير الهلع في بعض النفوس، فإنه لا يوجد وسيلة – رغم مساوئها - أفضل منها في الخروج ما نحن فيه. إن حالتنا البحرينية لهي أشبه بالحالة التي ينطبق عليها الكلام المأثور «وداوني بالتي كانت هي الداء». فهل تجد هذه الدعوة آذاناً صاغية؟ نأمل ذلك والأيام بيننا.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5300 - السبت 11 مارس 2017م الموافق 12 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:17 ص

      في كلمة للدكتور علي فخرو لخّص فيها الحلّ وقال ان لا تنمية مستدامة طالما ان العدالة والمساواة غائبتان

    • زائر 2 | 12:06 ص

      التنمية لا تستطيع ان تكون حلا والوضع في البلد على ما هو عليه من غياب للعدالة والمساواة وصيانة كرامة الانسان البحريني بغض النظر عن عرقه ولونه

اقرأ ايضاً