العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ

بوش يناضل من أجل طلقة نظيفة أخرى

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

كان الوصف المقزز للنفس الذي استخدمته صحيفة «واشنطن بوست» لاغتيال زعماء القاعدة في اليمن بواسطة طائرة أميركية ضارية هو انها «طلقة نظيفة». وقد استخدمت الصحف الأميركية متذللة الوصف الإسرائيلي الكذوب الخاص بها في مثل هذه الاغتيالات بأنه «قتل موجه» - وكان عارا على إذاعة «بي بي سي» أن تردد كالببغاء الكلمات نفسها الأسبوع الماضي.

والسؤال المهم الآن هو: لماذا لم يعتقل مثل هذا الزعيم المهم في القاعدة؟ أو يقدم أمام محكمة علنية؟ أو على الأقل، يؤخذ إلى غوانتنامو للتحقيق معه؟

وبدلا من ذلك، أطلق الأميركيون أحد «المشتبه بهم» في غوانتنامو كان قد تم اعتقاله منذ أحد عشر شهرا في سجن منفرد، ويبدو انه يناهز المئة عام، فهو مسنّ إلى درجة انه لا يستطيع ان ينطق بجملة واحدة مفيدة. هل هذه هي الحرب ضد الارهاب؟ ولكن يظهر ان «طلقة نظيفة» هي ما يرغب في ان يحصل عليه جورج بوش في الأمم المتحدة!

أولا: يريد اجبار الأمم المتحدة على اعتماد قرار يبقي بموجبه مجلس الأمن على احتياطات سيئة. كما يرغب في تدمير تماسك الأمم المتحدة وذلك بتجاهلها كليا. ألم يدرك جورج بوش ان الولايات المتحدة هي المؤسس الرئيسي لهذه المؤسسة، عندما كانت عصبة الأمم تحت قيادة الرئيس الاميركي ودرو ويلسون؟

يستطيع أرييل شارون الآن - بعد موافقة إدارة بوش - ان يسمي «قتله الموجه» بأنه «حرب مشروعة». وأيضا فلاديمير بوتين، إذ يتحدث الروس الآن عن «قتل موجه» في حربهم المنتعشة ضد الشيشان. وتلقى بوتين، بعد «الانقاذ» المأسوي لرهائن مسرح موسكو على يد ما يسمى بقوات «النخبة» الروسية الخاصة، الدعم من بوش وبلير في هجومه الجديد ضد شعب الشيشان المسلم الممزق.

إنني ناقد شديد لوسائل الإعلام الأميركية، لكن في الشهر الماضي نشرت «نيوزويك» تقريرا مروعا عن حرب الشيشان.

وفي وصف دقيق لوحشية الروس في الشيشان، قالت المجلة أثناء غارة للقوات الروسية على قرية مسلمة غير محمية، ارتدى الجنود الروس زيا محليا مدنيا وأطلقوا النار على الجميع. كانت إحدى الضحايا فتاة شيشانية. وبينما هي تحتضر متأثرة بجراحها، أخذ جندي روسي في اغتصابها. فناداه صديقه: «أسرع كوليا». فرد عليه «لحظة، إنها مازالت...».

الآن لديّ سؤال: إذا كنتَ أنت أو أنا زوجا أو حبيبا أو أخا أو أبا لتلك الفتاة، ألن نعد العدة لحجز رهائن في مسرح موسكو؟ حتى لو يعني ذلك - كما حدث - خنق المكان بالغاز الروسي؟

لا يهم، بل سنقبل بإعدامنا بطلقة في الرأس. وتعني «الحرب ضد الارهاب» ان كوليا وأصدقاءه سيعودون مرة أخرى إلى هذه الأعمال حالا، وبموافقة السادة بوتين وبوش وبلير.

دعونا نستشهد بذلك الجندي الإسرائيلي الجريء، مورديخاي فانونو، الذي حاول تحذير الغرب من تكنولوجيا الحرب النووية الضخمة لإسرائيل، والذي حكم عليه بالسجن 12 عاما من الحبس الانفرادي والخيانة، كما يظهر ذلك في إحدى قصائد روبرت ماكسويل التي كتبها عن الحبس، يقول فانونو «أنا الموظف، الفني، الميكانيكي، السائق. قالوا: فعل هذا، فعل ذلك، لا تنظر يمينا أو يسارا. لا تقرأ النص، لا تنظر من حول الماكنة كلها. أنت مسئول فقط عن هذا البرغي الوحيد، وهذا الختم الوحيد».

طبعا سيفهم كوليا ذلك. وكذلك سيفهم ضابط القوات الجوية الأميركية «الذي أطلق» الطائرة التي اغتالت رجال القاعدة في اليمن. وكذلك الطيار الإسرائيلي الذي قذف المبنى السكني في غزة حيث قتل تسعة من الأطفال الصغار بالإضافة إلى هدفه من حماس في عملية وصفها شارون بأنها «نجاح عظيم».

في هذه الأيام نعتقد جميعا بـ «الطلقات النظيفة». آمل ان يقرأ جورج بوش التاريخ. ليس فقط التاريخ الاستعماري البريطاني، الذي قمنا فيه بتدشين استخدام الغاز ضد الثوار الأكراد في العراق في الثلاثينات، ولكن أيضا في دعم بلاده لصدام حسين خلال الحرب مع إيران.

أصدر الإيرانيون مرة كتابا مروّعا يشتمل على صور فوتوغرافية ملونة من نفط الغاز التي احتفظ بها جنودهم في تلك الحرب وراجعوها مرة أخرى هذا الأسبوع. إذا كنتم من هؤلاء الرجال ستتمنون الموت. وهذا ما فعلوه. أتمنى ان يذكر شخص ما جورج بوش بكلمات لورنس العرب بأن « إن شن حرب أو تمرد يتسم بالفوضى والمجازفة اشبه ما يكون بتناول الحساء من طرف السكين».

أتمنى ان يتذكر الأميركيون عجرفة القوة الاستعمارية. ففي الشهر الماضي كان يتباهى آخر «منفذ إعدامات» فرنسي في الجزائر أثناء حرب الاستقلال ما بين عامي 1956 و1962، وهو فريناند ميوسنير، ببراعته الفائقة في المقصلة. يقول الرجل: «يجب ألا تعطي الشخص وقتا ليفكر. لأنك إذا فعلت ذلك سيبدأ في تحريك رأسه ومن ثم ستخطئ.

وستأتي الشفرة على فكّه ومن ثم تستعمل مدية الجزار لتنهي العملية، هنا تحتاج إلى قوة فادحة لتقتل أحد هؤلاء الرجال».

وهكذا مات المسلمون الجسورون في حرب التحرير الجزائرية. كلا، آمل ألا نرتكب جرائم في العراق - فهناك كثير من جرائم الحرب التي يمكن ان نتمعن فيها - ولكنني أعتقد ان على الأمم المتحدة كبح جماح جورج بوش وفلاديمير بوتين، وأيضا طوني بلير. ولكن المؤكد ان كوليا سينضم إليهم ايضا

العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً