العدد 5304 - الأربعاء 15 مارس 2017م الموافق 16 جمادى الآخرة 1438هـ

جلجامش بداخلنا

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«100 سنة» فيلم مُرتقب من سيناريو وبطولة جون مالكوفيتش وإخراج روبرت رودريغيز، وسمي بهذا الاسم لأنه سيعرض بعد 100 سنة من إنتاجه؛ أي في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2115.

ففي شهر نوفمبر 2015 أعلن مالكوفيتش ورودريغيز تعاونهما مع شركة كونياك لويس الثالث عشر لإنشاء فيلم بعنوان 100 سنة، وقد أصدرا 3 اعلانات لا تظهر أي لقطة من الفيلم، ولكن يظهر فيها محاولات تخيلية لتبيان الفرق بين الواقع التكنولوجي الحالي والواقع المستقبلي بوصفه جنة التكنولوجيا.

الفيلم محفوظ في تكنولوجيا فائقة الأمان في زجاج مضاد للرصاص، وسيفتح تلقائياً في 18 نوفمبر2115، وقد طبعت دعوات لنحو ألف شخص من بينهم أحفاد مالكوفيتش ورودريغيز لحضور العرض الأول للفيلم. فيما ستبقى قصة الفيلم سرية بشكل كامل لحين موعد عرضه.

هذه واحدة من محاولات الانسان المستمرة في الخلود، وهي امتداد للمحاولات السابقة التي طالما حلمت بها البشرية. فأن تنتج فيلما يعرض بعد موتك لأول مرة لهو رغبة أكيدة في تخليد اسمك، وجعله حاضراً حتى بعد وفاتك، وكل هذه الكتب التي اعتبرناها من أمهات الكتب، وتلك التي أثبتت جمالها وروعة أسلوبها وما تحتويه من فكر هي أساليب خلدت أسماء مؤلفيها، وجعلتها حاضرة على رغم مرور السنوات على وفاة أصحابها. إضافة إلى أي عمل إبداعي وعلمي كالاختراعات والاكتشافات والفنون البصرية والسمعية والحسية والأدبية التي مازالت تُدرَس وتُحَلل ويُسْتَمتع بها حتى اليوم.

ورغبة الانسان في الخلود ليست وليدة هذا العصر الذي مازال يبحث عن وسيلة لذلك، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال ما ينتج من أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية وكتب وتجارب يقوم بها العلماء والباحثون لإطالة عمر الإنسان. لكنها تمتد منذ الحضارة الفرعونية التي سعت لتحنيط موتاها وبنت الاهرامات ونحتت التماثيل، لتجد المومياء محتفظة بشكلها وملامحها على رغم مرور كل هذا الزمن عليها، فخلدت أسماء وآلهة باتت تعرف بكل تفاصيلها حتى يومنا هذا، من خلال هذه الجثث المحنطة، وما رسم على الجدران وفوق التوابيت وغيرها. وهو ما فعله الرومان واليونانيون وغيرهم حين سعوا لتخليد بعض الشخصيات من خلال الرسومات الفنية والمنحوتات، وأكبر مثال عليها هو تماثيل داود الشهيرة لمايكل أنجلو التي نالت شهرتها بما ضمتها من تفاصيل ليست غريبة على فنان درس التشريح، وسعى لإبراز فنه في منحوتة تقارب في شكلها الإنسان الحقيقي، فنحت أكثر من صخرة ليصل إلى التمثال الأخير الذي يبهر مشاهديه بكل تفاصيله، حتى يكاد الواحد يقف أمامه في انتظار أن يصدر أية حركة، لولا أنه بلا روح!

«جلجامش» الباحث عن زهرة الخلود، موجود بداخل كل شخص، يحاول أن يجد وسيلة للخلود والعيش أطول مدة ممكنة، وحين يفشل في الحصول على «زهرة الخلود» فإنه يسعى إلى خلق ما يخلد اسمه، وهو ما فعله جلجامش حين رأى سور أورك الذي بناه، فاطمأن إلى أن اسمه سيبقى ما بقي الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5304 - الأربعاء 15 مارس 2017م الموافق 16 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:33 م

      مقال جميل جداً .. الطموحين دائماً يسعون لخلق مايخلدهم
      طرح ممتاز

    • زائر 4 | 8:43 ص

      مقال جميل. يسلم هذا القلم.

    • زائر 3 | 8:09 ص

      من غير الممكن ان يذكر الناس المخلوقين ويتناسون الخالق !
      ففي منقوشات نقشت على الجدران في اهرامات الفراعنه في مصر. فحوي هذه المنقوشات تذكر الناس بيوم الحساب ، اي يوم القيامة واهواله. ومن اهوال ذالك اليوم سؤالا منكرا و نكيرا و أسئلة اخري كذالك. ولا يجد أسئلة عن العمارات او السيارات ولكن عن لما لم يطلب البعض العلم من المهد إلى اللحد كما امرهم نبي الرحمة محمد عليه وعلى اله و ذريته افضل الصلاة والسلام?

    • زائر 2 | 5:33 ص

      مقال يدعو إلى التأمل والتفكير

    • زائر 1 | 12:54 ص

      مقال ذكي وتوظيف جميل للفكرة

اقرأ ايضاً