العدد 5306 - الجمعة 17 مارس 2017م الموافق 18 جمادى الآخرة 1438هـ

محمد حسنين هيكل... ما له وما عليه (1-2)

رضي السماك

كاتب بحريني

بمناسبة مرور الذكرى الأولى لرحيل الكاتب الصحافي المصري الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، ألقيتُ خلال شهر فبراير/ شباط2017، محاضرةً في مركز كانو الثقافي تحت عنوان «الكاتب الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل... ما له وما عليه»، وقد مهّدتُ لتناول الموضوع بثلاثة محاور، الأول استعرضت فيه سطوراً مركزة مختصرة لسيرة هيكل الذاتية، والثاني تناولت فيه أهم مؤلفاته التي وصلت إلى أكثر من 40 كتاباً بالعربية، والثالث تحدثت فيه عن المراحل التاريخية التي مر بها هيكل في حياته الصحافية، بدءاً من التحاقه بصحيفة «إيجبشن جازيت» العام 1942 التي تصدر بالإنجليزية، ومروراً برئاسة تحريره الأهرام العام 1957 في ذروة شعبية عبدالناصر المصرية والعربية، حتى إبعاده عنها العام 1974 من قِبل الرئيس أنور السادات.

أما المحور الرابع وهو بيت القصيد في المحاضرة فقد خصصته لما يُحسب لهيكل من ايجابيات وإنجازات، وبما يؤخذ عليه من مآخذ وسلبيات، وسنستعرض تالياً أبرز الإيجابيات التي ارتأيناها تُحسب لهيكل، على أن نتناول السلبيات والمآخذ في المقال المقبل:

1 - كان هيكل من أكثر الصحافيين المصريين كفاءةً وإخلاصاً لمهنة الصحافة خلال عهد عبدالناصر، إن لم يكن أكفأهم وأخلصهم، وتمكن بمقاله الأسبوعي «بصراحة» في فترة توليه الأهرام أن يجذب إليه وإلى صحيفته أكبر شريحة من القراء، ليس في مصر فحسب؛ بل وفي العالم العربي، وفتح صفحات جريدته ليكتب فيها عمالقة الفكر والسياسة والأدب والفن في مصر من شتى التيارات، وفقاً لقناعاتهم في حدود هامش الحرية المتاح، أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وزكي نجيب وعبدالرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس وعائشة عبدالرحمن ولطفي الخولي ومصطفى محمود وعباس محمود العقاد، ويُقال ان الأهرام أصبحت تحت رئاسة تحريره، واحدة من أهم 10 صحف عالمية، وأسس فيها مراكز دراسات متخصصة، كمركز الدراسات السياسية ومركز الدراسات الصحافية.

2 - عُرف عنه وقوفه مع الصحافيين والأقلام التي تكتب في صحيفته ضد عسف السلطة، من ذلك مسارعته باستكمال نشر فصول رواية نجيب محفوظ الشهيرة المُثيرة للجدل «أولاد حارتنا» ما إن أحس بأن السلطة على وشك إصدار قرار بإيقاف نشر فصولها تحت ضغوط «الأزهر»، بعد نشر فصلين أو ثلاثة منها فقط، كما دافع عن حق توفيق الحكيم في نشر رواية «بنك القلق» التي اعترض عليها الرجل الثاني في السلطة المشير عبدالحكيم عامر؛ لأنها غمزت لفساد وبطش أجهزته العسكرية والاستخباراتية، ودافع هيكل أيضاً عن حق الصحافة في هامش من الاستقلالية عن السلطة عند التوجه لتأميمها مطلع الستينات، وبذل مساعيه لدى عبدالناصر للإفراج عن أحد كتّاب صحيفته ألا هو الكاتب اليساري الكبير المستقل لطفي الخولي مرتين: الأولى أواخرالخمسينات حينما شملته حملة الاعتقالات الكبرى على مئات الشيوعيين لرفضهم الأسلوب المتسرع الذي جرى به إتمام الوحدة مع سورية، والثانية العام 1970 بعد أن ضبطت أجهزة التنصت التي زرعتها المخابرات في منزله حفلة عشاء في منزله استضاف فيها الخولي بعض أصدقائه الذين سخروا خلالها من الرئيس لتعيينه هيكل وزيراً للإعلام مع احتفاظه بمنصبه رئيساً لتحرير الأهرام، وقد تم اعتقال الجميع ومن ضمنهم سكرتيرة هيكل نفسه نوال المحلاوي.

3 - تحمّل هيكل بكل إباء وشموخ عنف الحملات الصحافية المسعورة التي استهدفته بتحريض من السلطة الساداتية، سواء تلك التي كانت تعبر عن كوامن غيرة مهنية مرضية لنجاحه المهني المطرد، ولتقريب عبدالناصر له دون سواه من زملائه الصحافيين، أو من منطلقات الاختلاف مع رؤاه السياسية والفكرية أو للسببين معاً.

4 - ترك للمكتبة العربية ثروة سياسية ووثائقية هائلة، مالم يتركه حتى الآن أي كاتب صحافي أو باحث سياسي عربي متمثلةً في مؤلفاته الكثيرة الغنية بالمعلومات، الغزيرة البالغة الأهمية جميعها، والمدعّم أكثرها بالوثائق والاستشهادات العيانية التي عاصرها، علاوةً على تمتعه بمنهجية رصينة في كتاباته التحليلية، بغض النظر عن اتفاق المرء أو اختلافه معه فيها، وهي مؤلفات لا غنى لأي كاتب أو باحث سياسي أو مؤرخ عنها، وبخاصة المهتم منهم بتاريخ مصر في الفترة الناصرية.

5 - كان عاشقاً بلا حدود لمهنة الصحافة التي عُرفت بـ «مهنة المتاعب»، ونذر نفسه وكرّس حياته بكل صدق من أجلها، والبراهين على ذلك كثيرة؛ لكن لعل أشهرها تساميه فوق مغريات السلطة، إذ رفض أن يتولى أي حقيبة وزارية 4 مرات خلال عهد الرئيس عبدالناصر: الأولى العام 1956 قبل توليه الأهرام في التشكيل الوزاري الأول الذي انفرد به عبدالناصر، والثانية في تشكيل وزارة الوحدة العام 1958، والثالثة في أول تشكيل وزاري بعد الانفصال 1961، والرابعة العام 1970 قبيل وفاة ناصر بشهور، حيثُ رفض تولي حقيبة الإعلام؛ لكن الرئيس فرضها عليه فرضاً، إذ فوجئ بقرار تعيينه من الإذاعة الرسمية، وما إن رحل الرئيس أبلغ السادات برغبته في الاستقالة وقد كان، كما رفض معظم مبادرات تكريمه.

6 - كوّن هيكل لنفسه اسلوباً صحافياً خاصاً في إطار ما يُعرف بالأسلوب السهل الممتنع، وقد امتاز بلغته العربية السليمة، ودقة اختياره عناوين مقالاته وكتبه، بعيداً عن التحذلق والزخرفة اللفظية، وكذلك دقة اختياره العبارات واشتقاقه المصطلحات التي ذاع صيتها في اللغة السياسية العربية كتعبير «النكسة» لوصف هزيمة يونيو/ حزيران 1967 و»مراكز القوى» وكان أسلوبه رشيقاً وجذاباً.

7 - على الصعيد الشخصي كان هيكل معروفاً بالتزامه الدقيق الصارم في تنظيم برنامجه اليومي، سواء لوقت عمله الصحافي أم لقراءاته وكتاباته، أم لأوقات استقباله ضيوفه في مكتبه بالجريدة أو مكتبه في شقته، أم لأوقات تريضه، وكان يحرص دوماً على الظهور بكامل أناقته سواء في مكتبه بالعمل أم بمكتبه في المنزل.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5306 - الجمعة 17 مارس 2017م الموافق 18 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:54 ص

      ما للكاتب فهو ما تركه من تراث قيّم وتاريخ شريف
      واما ما عليه فهو صراحته ومواجهته لدول ال..

اقرأ ايضاً