العدد 5311 - الأربعاء 22 مارس 2017م الموافق 23 جمادى الآخرة 1438هـ

الاكتشاف المأمول

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لكل منا تاريخ. الدول كذلك. فهناك دولٌ تأسَّست ثم انهارت، وأخرى لم تقم بعد وأخرى سيأتيها الزوال. حتى الأمراض لها تاريخ كالجَدَري والملاريا والسل والطاعون الذي قدَّر العلماء تاريخ الجين لبكتيريا يرسينيا بيستيسا المكمّلة لفتك الطاعون الأسود (وليس جوستينيان) بـ 1500 عام.

وهناك الظواهر الطبيعية التي هي الأخرى لكثير منها تاريخ مُدوَّن. ومن تلك الظواهر البراكين والزلازل. وربما يعتقد البعض أن زماننا هذا أو ما سبقه بقرن أو قرنين هو التاريخ الفعلي لهاتين الظاهرتين، لكن الحقيقة أن هذا ليس بصحيح. بل هي تعود إلى سنوات بعيدة جداً.

فالمؤرخون يذكرون بأنه وقبل 761 سنة من الآن وقع «بركان في الحجاز» حيث ثارت الحِمم «شرقي المدينة» وظل هيجانها لأسابيع متواصلة حتى وصل إلى «بضعة كيلومترات» من المدينة التي «كان نجاتها من الأعاجيب» كما جاء. لكن ومنذ القرن 13 الميلادي غابت البراكين في أغلب العالم العربي.

كما أن الجيوفيزيائي الأيرلندي روبرت ماليت (1810م - 1881م) خصَّص دراسة أحصى فيها ما شهده كوكب الأرض من زلازل وقعت قبل ميلاد السيد المسيح بـ 1700 سنة، فذكر أن هناك 58 زلزالاً شهدتهم الأرض بينهم ثلاثة زلازل مُدمِّرة أحدها وقع في اليونان (حالياً) سنة 224 ق.م.

وحسب كتاب المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة فإنه ومنذ العام الأول للميلاد ولغاية القرن التاسع وقع 197 زلزالاً بينهم 15 زلزالاً مدمّراً، وأنه ومنذ القرن السادس عشر ولغاية القرن الثامن عشر وقع ما مجموعه 2804 من الهزات الأرضية بينها 100 هزة عنيفة. وفي القرن التاسع عشر فإنه وفي بحر 50 سنة فقط شهدت الأرض 3024 هزة أرضية متفاوتة القوة. والأكيد أن ضحاياها كانوا بالآلاف.

والحقيقة أن تعامل الإنسان اختلف من زمن إلى آخر في حماية نفسه من تلك الظواهر. ففي الأزمنة البعيدة كان يلجأ إلى بناء السدود وضم رؤوس الصخور في ظهور بعضها. ثم وبعد أن فُتِحَت أمامه علوم جديدة أخذ يتكيَّف في بناء البيوت، ويتفادى السكن في الأماكن التي تكون في دائرة الخطر.

ما دعاني للحديث عن هذا الأمر هو الإنجاز العلمي الكبير الذي ظل لسنوات طويلة لغزاً محيراً. فبه صار يمكن للإنسان أن يُحدِّد بُنيَة الأرض من خلال السرعة الخاصة بالموجات، والتي تُكتَشَف هي الأخرى عبر ملاحظة الفترة الزمنية التي تستغرقها الموجات كي تنتقل من مكان إلى آخر.

مفاد ذلك الاكتشاف هو توصُّل علماء الرياضيات إلى نقطة يستطيعون من خلالها إعادة تشييد «البُنية الداخلية» داخل جسم غريب لا يُعرَف عنه شيء سوى فهم السرعة التي تستهلكها الموجات بين ضفتين تقعان على حدوده. وهو ما جعلهم قادرين على تحليل بُنيَة الأرض الداخلية.

كان الشيء الذي ظلّ يُحيِّر العلماء هو كيفية إدراكهم لما بداخل شيء مجهول دون أن يلجؤوا إلى بَقْرِ بطنه. كاستيلفيكي الذي كَتَبَ عن ذلك يُسمِّي هذا الاكتشاف بـ «حَدْس صلابة الحدود»، وهي تقع ضمن مدار الهندسة الريمانية (نسبة إلى عالِم الرياضيات الألماني برنارد ريمان الذي عاش قبل 191 عاماً).

بالتأكيد، المعنيون بالرياضيات قد يُدركون المفاهيم المستخدمة أكثر من غيرهم مثل: «مُتعدِّد شُعَب ريماني» و «الفضاء المنحني» و «قياس سرعة انتقال الموجات في الفضاء» وغيرها لكن المهم في الأمر هو حقيقة الاكتشاف الذي قد لا يكون له أثر قريب؛ لكنه سيُراكم البحث بشأن هذه الظاهرة ليفيد الإنسان ويحميه من المخاطر التي تحيط به في نهاية المطاف جراء الزلازل المدمّرة.

فالبشرية عانت كثيراً من ظاهرة الزلازل كونها تقع بدون سابق إنذار. ففي العام 1978م أدى زلزال مدمّر في إيران إلى موت 69 في المئة من المدينة التي وقع فيها الزلزال. وفي العام 2003م وقع زلزال في مدينة بم الإيرانية أدى إلى موت 43 ألف إنسان. أما زلزال الساحل الشرقي لهونشو باليابان قبل ستة أعوام فقد أدى إلى وفاة 29 ألف إنسان. بينما الزلزال الذي تسبّب في التسونامي العظيم في شمال سومطرة فقد أدى إلى مقتل 227 ألفاً و 898 إنساناً في 14 دولة في قارتين (آسيا وإفريقيا).

وعندما يتأمّل المرء في الإثبات الرياضي الجديد الذي يُحدِّد بُنيَة الأرض من خلال السرعة الخاصة بالموجات، وما سيفضي إليه من زيادة في مساحة السلامة البشرية للإنسان، فإن ذلك يُعَد من أهم الإنجازات التي ستُجنِّب الإنسانية ويلات الموت والتشرّد والإصابات إلى حدّ كبير، كما هي مع الأدوية التي حدّت من فتك الأمراض، والتي أدى بعضها كـ «يرسينيا بيستيس» إلى هلاك 200 مليون إنسان على طول تاريخ البشرية.

لكن ذات التأمّل يقودنا إلى الصورة الأكبر لمشهد العالم. ففي الوقت الذي يجتهد فيه الباحثون في الجامعات والمختبرات لاجتراح حلول وابتكار اختراعات واكتشاف غوامض الأمور كي تُقدِّم لنا الأدوية وسبل الراحة والحماية والسلامة الجسدية والنفسية، نجد في الضفة الأخرى باحثون ومفكرون ومهندسون يبتكرون أكثر الأسلحة تطوراً وفتكاً كي تستخدم في معبد السياسة الآثم، مدفوعين من عرَّابي المال والسلطة. هؤلاء الذين يجرّون الناس إلى مسالخ القتل بلا حساب ولا ضمير.

تُرى متى تأتي اللحظة التي يُكتَشف فيها الداء الحقيقي للبشرية الذي يفيدها أكثر من أيّ اختراع آخر. إنه داء الأنانية، التي ليس معناها «أن يعيش الشخص كما يريد، بل أن يعيش الآخرون كما يريد هو» مثلما كان يقول أوسكار وايلد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5311 - الأربعاء 22 مارس 2017م الموافق 23 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً