العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ

مواقع التواصل الاجتماعي تزيد الشعور بالنقص والحرمان

الوسط – محرر منوعات 

تحديث: 12 مايو 2017

قالت تقرير لعضو هيئة التدريس في جامعة الكويت فاطمة السالم، نشرته صحيفة "القبس" الكويتية، إن مشاهدة الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تولّد شعور الغيرة والإحساس بالنقص، لأن الأشخاص لا يظهرون إلا بأحسن حال.

ويرجع التقرير، وفقاً لدراسة، أن الصورة العامة التي يشارك بها الناس عن حياتهم في مواقع التواصل لا تعكس بالضرورة حقيقة حياتهم

وما يلي نص التقرير:

لعلّ واقع التواصل الاجتماعي الذي نعيشه يتطوّر سريعاً، وبلمح البصر حتى تسارعت الأحداث والاستكشافات وتحوّل العالم الافتراضي إلى واقع نعيشه عن بعد.

وأصبح من الصعب على الباحثين والمختصين تحليل ودراسة الظواهر المتسارعة، ولعل أبرزها ظهور البث المباشر عبر مواقع التواصل الذي يعد من آخر التطورات التي حدثت في هذا العالم السريع، ولكن لا بد من وقفة تقييم وإعادة نظر لما يحدث حولنا، وكيف يتغيّر واقع حياتنا وشخصياتنا في ظل وجود تواصل وبث مباشر مع الغير؟

هل ذلك يعني الاستغناء عن التواصل الفعلي بين الناس؟ وهل تتغير العلاقات الاجتماعية في المستقبل؟

لا بد من الاعتراف بأن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في نشر المعرفة والمعلومات وتوطيد العلاقات الاجتماعية والتعارف، وكذلك ساهمت في الاطلاع والبحث عن المعلومة، ولكن هل ذلك يعني أن المجتمع أصبح أكثر ثقافة من ذي قبل، أم أنه أصبح واعيا بسطحية؟

في هذا التقرير نقوم على محاولة فهم تأثير المتغيّرات الجديدة في مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والنفسية، وأبرزها العزلة والنرجسية والشعور بالنقص والضغط الاجتماعي.

تقول الباحثة أوليفيا قولدويل إننا جميعا أصبحنا متشابهين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبّرت عن ذلك، من خلال ظاهرة الحديث الجماعي، والتي تعني بها أننا نتحدث بنفس النمط، ونتناول نفس المواضيع باستخدام المفردات ذاتها، وهذا يؤثر بشكل كبير في تكوين الإنسان الشخصي.

ووجد باحثون من جامعة أمينو الألمانية للتكنولوجيا أن هناك تدنياً في التعبير الواضح عن أنماط الشخصيات الخمس الرئيسة، مثل الشخصية: المنطوية والعصبية والاجتماعية والجذابة، والحساسة، في مواقع التواصل الاجتماعي، أي إنه أصبح من الصعب التفرقة بين الصفات والسمات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الحدود المفروضة من تلك المواقع عبر تحديد عدد معين من الأحرف، ولأن مواقع التواصل تسمح لك بالتعبير عن نفسك لفظيا فقط.

تعبير غير لفظي

أما التعبير غير اللفظي عبر الإيماءات والإشارات، والذي له دور كبير على الشخصية، فهو غير متاح، وهذا ما يدع الجميع متشابهاً حتى أصبحنا توائم.

إلا أن التشابه هذا قد لا يستمر مع ظهور خاصية الاتصال المباشر، أو البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستطيع من خلالها الفرد التعبير عن نفسه وحياته بطرق مختلفة.

وقد وجد باحثون في بريطانيا أن نسبة إدمان المخدرات والسجائر والكحول بين المراهقين عمر 11 إلى 15 عاماً انخفضت إلى النصف خلال العقد الماضي طبقا لإحصائيات NHS نظام الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا.

وفي الولايات المتحدة، شهدت نسبة التدخين والكحول أدنى مستوياتها منذ أربعين سنة طبقا لتقرير ورد في صحيفة النيويورك تايمز.

ويجد الباحثون أن السبب في هذا الانخفاض هو استخدام الهواتف الذكية والمتعة والإثارة التي تقوم بها تلك الأجهزة في الدماغ، وقد أكد عدد من الباحثين والمختصين علاقة ألعاب الفيديو والهواتف الذكية بالمتعة والإثارة التي ترسلها إلى الدماغ، والتي قد تكون بديلا عن التدخين والكحول والمخدرات، إلا أن الأبحاث ما زالت مستمرة لفهم طبيعة العلاقة بشكل علمي مفصل.

ما الذي تحدثه في نفسياتنا؟

 

1- تحديد المشاعر

يقول الاختصاصي النفسي ريشارد غراهام من مستشفى نيتنغال في لندن، المتخصص في إدمان التكنولوجيا: إن كل موقع يدفع مشاعر نفسية مختلفة وسمات شخصية مختلفة. فمثلا في المواقع التي تسمح بالإعجاب في الصور مثل إنستغرام وفيسبوك تدفع لدى المستخدم مشاعر معينة، مثل الرضا والقبول. أما المواقع التي تعطيك خاصية عدم الإعجاب، مثل يوتيوب، فهي تدفع بمشاعر عدم الرضا، وتعطيك إشارة للتذمّر والسخط؛ لذلك فإن مواقع التواصل الاجتماعي تحدد للمستخدم مشاعر معينة وتلزمه بها.

 

2- المثالية

تقوم وسائل التواصل الاجتماعية بدفع الإنسان للإحساس بأنه مراقب، وأن ثمة أشخاصاً يقيّمون ما يكتب، وأن الأصدقاء والأقارب والمعارف يقومون بتقييم كل صورة وتغريدة يقوم بكتابتها.

لذلك؛ يجد المستخدم نفسه يعيد صياغة مضمون كل تغريدة ويفكر ويعيد الكتابة قبل أن يمسح ويكتب التغريدة مرة أخرى، وهذا ينطبق ـــ كذلك ـــ على الصور في الإنستغرام والسناب شات، والتي عادة ما يتأكد الشخص منها أكثر من مرة بسبب شعوره بالمراقبة والتقييم، والذي خلق لدى الأفراد شعورا بوجوب خلق الشخصية المثالية للنفس أمام الآخرين وعدم التصرف على الطبيعة.

3- العزلة

سبق أن نشرت القبس موضوعاً عن العزلة التي تتسبّب فيها مواقع التواصل الاجتماعي، حتى سُميت مواقع التباعد الاجتماعي (في دراسة سابقة أعدتها د.فاطمة السالم، وشاركت بها في منتدى الإعلام العربي في دبي، في نسخته الثالثة عشرة عام 2015).

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز موضوعا حساسا للغاية مؤخرا، تحت عنوان «اعترف فأنت مقيّد بالإنترنت ولا تستطيع التوقف».

ويناقش الكاتب في موضوعه أن إدمان الإنترنت ليس قاتلا؛ إذ علينا عدم المبالغة، إلا أنه يقتل شعورنا في الحياة ويأخذنا من عوائلنا وأصدقائنا واستمتاعنا بالفن والمسرح والطبيعة.

وكشفت دراسة قام بها مجموعة باحثين من جامعة بنسلفينيا الأميركية على 1787 شابا وشابة أميركية، تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاماً أن الشباب الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي يشعرون بالعزلة الاجتماعية وعدم الرغبة في الاختلاط بالعالم.

ووصف الباحثون العزلة التي تتسبّب فيها مواقع التواصل الاجتماعي بأنه شعور بالانفصال عن العالم وعدم الانتماء وعلاقات اجتماعية متقطعة.

4- النرجسية

بدا تأثير النرجسية من مواقع التواصل الاجتماعي في تزايد مع ظهور مواقع تبادل الصور ومقاطع الفيديو التي عززت من إعجاب الإنسان بنفسه بسبب ما تتيحه تلك المواقع من إبداء الإعجاب والتعليقات التي عادة ما تكون إيجابية ومبالغ فيها من الأصدقاء والمعارف.

وتؤكد دراسة نشرت في مجلة computers in human behaviours 2014 أن الشخص النرجسي الذي يشعر بضخامة إنجازاته وشعوره بالتميز والسلطة على الآخرين يلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لتعزيز وتغذية نرجسيته. كما أنها أوضحت أن الشخص النرجسي يقوم بنشر كثير من الصور لنفسه وبصورة مستمرة؛ للحصول على الإعجاب والتعليقات التي تساهم في شعورهم بالأهمية.

5- الشعور بالنقص والحرمان

كشفت الدراسات american journal of preventative medicine أن مشاهدة الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي تولّد شعور الغيرة والإحساس بالنقص، لأن الأشخاص لا يظهرون إلا بأحسن حال.

ويرجع ذلك لأن الصورة العامة التي يشارك بها الناس عن حياتهم في مواقع التواصل لا تعكس بالضرورة حقيقة حياتهم؛ فهي صورة مثالية خالية من الشوائب مليئة بالأحداث السعيدة والتجمّعات والإنجازات والشهادات والاجتماعات الأسرية، وهذا ما قد يُشعر الطرف الآخر أو المتلقي بأن حياته أقل وأنه يعيش حياة أقل إثارة وأقل جمالا وأقل نجاحاً من الآخرين.

6- الثقة بالنفس

أشارت نتائج دراسة نشرت في «هفغتن بوست» 2015 إلى أن الشخص الذي يمتلك كثيراً من الأصدقاء في موقع فيسبوك بالحقيقة يعاني من قلة الثقة بالنفس. ولعل الارتباط بين عدد الأصدقاء والثقة بالنفس قد لا يموت منطقيا، إلا أن الدراسات وجدت أن الشخص غير الواثق بنفسه، والذي يعاني من قلق رأي الناس، يعوّض ذلك الخوف والقلق بالظهور عكس ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي بامتلاك كثير من الأصدقاء.

7- القبول والانسجام

لعل الواقع الظاهر لمواقع التواصل الاجتماعي أنها ساهمت في التعبير عن الرأي والمشاركة، إلا أن التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي قد لا يكون حرا تماما، خاصة أن الفرد يسعى للاندماج والانسجام مع العامة، ولا يسعى للرفض والمعارضة في طبيعته؛ لذلك فإن مواقع التواصل وبسبب انفتاحها فإنها تسمح للرأي السائد أو رأي الأغلبية بأن يطغى، في حين إن الآراء المعارضة تبقى صامتة، تفاديا للنزاع، وخوفا من العزلة ضمن نظرية إعلامية شهيرة تسمى دوّامة الصمت.

التواصل المباشر

يؤكد الباحثون أن التواصل المباشر عبر الفيديو سيغيّر العالم إلى غير عودة، حيث إن الإنسانية وتبادل المشاعر الموجود لا يمكن تعويضهما في الصور والرسائل والتغريدات؛ فالصور في مواقع التواصل الاجتماعي جرى اختيارها بعناية ومثالية.

ويؤكد %36 من الأشخاص أنهم قاموا بتعديل صورهم عبر فلاتر خاصة وإضافات قبل نشرها في مواقع التواصل، وذلك في دراسة نشرت في موقع ad week.

لذلك، فإن النقل الحي يعطي إيحاء بأن الإنسان يشاهد الواقع بعكس بقية مواقع التواصل الاجتماعي، مع إضافة الجانب الإنساني من صوت وتفاعل وحياة طبيعية، قد تكون غائبة في مجمل الأحيان.

كما أن مواقع البث المباشر تسمح للأفراد بالمشاركة في حياة أكبر من حياته وواقعه، وكأنه يعيش خارج أسوار بيته وفي بيوت الآخرين.

إلا أن هذه الظاهرة تستوجب مزيدا من التأنّي والدراسة؛ فالبث المباشر ـــ بكل تأكيد ـــ هو اختراق للخصوصية وجميع الأعراف العامة بالعيش، بعيدا عن عيون الآخرين.

النقل الحي

تؤكد الدراسات ان البث المباشر يؤدي إلى الشعور المستمر بضرورة العيش المثالي، كما في مواقع التواصل الاجتماعي، لمشاركة الآخرين في تلك الحياة «المزيّفة» والمثالية؛ كطبخ وجبات مثالية أمام الكاميرا، والمبالغة في تزيين المنازل والحفلات، والمبالغة في المظهر والمكياج، والترف العام أمام أعين الناس.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً