العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ

ما هي الإنتاجية؟

أكبر جعفري

إذا كان لديك 4 تفاحات، وقمت بعصرها وحصلت على كأس (لتر واحد) من عصير التفاح، وفي نفس الوقت كان هناك شخصٌ آخر يحصل على كأس (لتر واحد) من عصير التفاح بعصر 5 تفاحات، هنا نرى بأنّ إنتاجية عصرك التفاح هي 25 في المئة أفضل من الشخص الثاني، مع تحييد بقية العوامل المؤثرة. الأسباب في هذا الفرق بين الشخصين متعدّدة، وأبسطها أنّ الشخص الأول لديه المهارة أفضل في عصر التفاح، أو قد يكون محفزاً أكثر أو انّه يستعمل جهازاً أفضل تكنولوجياً من الشخص الثاني والذي قد يكون لديه جهازٌ غير متطور، أو أنّه يقوم بعصر التفاح يدوياً حتى.

في عملية تحسين الإنتاجية هناك أساليب متعدّدة تتم ممارساتها للتركيز على زيادة استغلال المصادر، وهذه المصادر وفي جميع الأحوال والمواقع تتلخص في 3 مصادر رئيسية هي: المصادر البشرية، والمصادر البنيوية (الآلات والمعدات والمباني والنظم، ... الخ) والمصادر المالية. السؤال الذي يُطرح وباستمرار هو من أين نبدأ تحسين الإنتاجية؟ بمعنى هل نرتقي بالمصادر البنيوية أولاً أم نضخ رأس المال للتوسعة في العمليات، أو أن نركز على الارتقاء بأداء الموارد البشرية؟

إنّ التجارب التي نخوضها يومياً تدل انّ بالإمكان التفاعل مع العناصر الثلاثة في آنٍ واحد إذا أردنا، ولكن الحقيقة الثابتة الآن هي انّ الموارد البشرية هي العنصر المتحكم في مجمل عمليات تحسين الإنتاجية، وبعيداً عن الشعارات تشكل 64 في المئة من التأثير المباشر على الإنتاجية الكلية (للاقتصاد العام أو للمؤسسات أو للأفراد). ولكن هذا العنصر لا يمكن له أن يستمر إلى أمد بعيد في إثراء الإنتاجية بمنأى عن المصدر الثاني والثالث؛ بل هناك نقطة تشبع، وإنْ أردنا تخطيها يجب الالتماس بهذين المصدرين. والحقيقة الثابتة الأخرى هي إنّ هذين العنصرين لهما محدودية مؤلمة إذا ما تمّ توظيفهما بمنأى عن الموارد البشرية ذات الحجم الثقيل. الموارد البنيوية تأثيرها 20 في المئة في مجمل عمليات تحسين الإنتاجية، والموارد المالية تأثيرها 16 في المئة فقط.

ولهذا السببب توجّهتْ الأمم المتقدمة وفي العصر الحديث نحو التنمية الاقتصادية المبنيّة على العنصر البشري، وليس على عنصري المصادر الطبيعية والقدرة المالية. وهذه الأمم استطاعتْ أن تحوِّل، كما فعلتْ الدول الاسكندنافية والآسيوية، الاقتصاديات المحدودة والمتخلفة إلى اقتصاديات تلامس القمة. فماذا فعلتْ هذه الأمم؟ كلها اقتحمتْ قطاع التعليم والتدريب وغربلوه إلى الأبد، وزرعوا مكانه نظم التعليم والتدريب التي أدّتْ إلى تعظيم مخرجات وإنتاجية الإنسان. وفي الجانب الآخر، هناك الأمم الإفريقية وبعض دول أميركا الجنوبية والتي تعتبر من أغنى مناطق العالم من حيث المصادر الطبيعية؛ ولكنها منزلقة لأدنى مستويات الفقر. ودول الشرق الأوسط ليست بأفضل حال.

كيف نُحسِّن الإنتاجية في البحرين؟ وهذا السؤال المطروح كخيارٍ أفضل للتنمية والازدهار الاقتصادي. وهو الخيار الأفضل بالمقارنة مع خيار التدفق المالي من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيفها في البحرين على سبيل المثال، أو خيار التوجه نحو الارتقاء بالبنية التحتية والتطوير التكنولوجي. لدينا الآن 165 ألف بحريني نشط اقتصادياً ونحو 450 ألف عامل أجنبي. هؤلاء ينتجون لنا نحو 32 بليون دولار من المواد الاقتصادية. نظرياً، فإنّ إنتاجية عمالة البحرين هي 32 مليار دولار مقسومة على 650 ألف عامل، وهي نحو 49 ألف دولار لكل عامل. من هذه النقطة ننطلق نحو تحسين الإنتاجية. وهناك طرق أخرى لحساب الإنتاجية مثل طريقة إنتاجية العوامل الكلية (Total Factor Productivity) ولكن المؤشر الأفضل هو الذي يقيس إنتاجية العنصر الأكثر تأثيراً ألا وهو العمال. كما أسلفنا بإمكاننا الارتقاء بالأمور البنيوية كجلب التكنولوجيات والمعدات والنظم المتقدِّمة والتي تقدّم لنا فرصة 20 في المئة كحدٍ أقصى للارتقاء، أو أن نضخ الأموال للتغيير والتوسعة والذي لا نستطيع جني أكثر من 16 في المئة من التحسن المحتمل إذا قمنا بذلك. ولكن تبقى الموارد البشرية العامل الأقوى بلا منازع حيث قوتها على الإنتاجية تساوي أكثر من ثلثي 64 في المئة إجمالي القوة المؤثِرة. والحقيقة الثالثة والمبنيّة على التجارب العملية هي أنّه إذا ما تمّ الارتقاء بإنتاجية الموارد البشرية فإنّ إنتاجية الموارد البنيوية والمالية سترتقي كتحصيلٍ حاصل، ولكنّ العكس لا يحدث.

لتحسين الإنتاجية في البحرين أو في أي مكان آخر يجب الانتباه لوحدة القياس على جانب الاقتصاد الكلي، فكما أسلفنا إنّ إنتاجية العامل في البحرين تساوي نحو 49 ألف دولار في السنة. ماذا سيحدث للإنتاجية إذا ما ارتفعتْ أسعار النفط والألمنيوم الخام، اللذين يشكلان 76 في المئة من الإنتاج الحقيقي في البحرين؟ إنّ مؤشر الإنتاجية سيتغير ويرتفع من 49 ألف دولار إلى فرضاً 54 ألف دولار أي بزيادة 10 في المئة، فهل هذه الزيادة حقاً زيادة فعلية في الإنتاجية؟ كلا بل هذا هو التضليل الذي وقع فيه كثيرٌ من الدول والمؤسسات وحتى الأفراد.

إنّ القياس الأكثر واقعيةً هو تثبيت وحدة القياس على قياس الوقت الآني. فبالنسبة لإنتاجية البحرين يجب (مثلاً) تثبيت سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل (كما هو وقت كتابة المقال) وعند 1900 دولار لطن الألمنيوم، وهلمّ جراً للسلع والخدمات الأخرى، وكما هو معروفٌ في الاقتصاد المالي بالأسعار الثابتة.

من هنا نتحرك لتحسين إنتاجية الموارد البشرية في البحرين، أولاً وثمّ إلى تحسين إنتاجية الموارد البنيوية ورأس المال. علينا جميعاً الوعي أنّ تحسين الإنتاجية عملية فعلية وجلّ مسيرتها تحدث في مواقع العمل والإنتاج، وإذا ما اتجهنا إلى الموارد البشرية يتوجب علينا أن نكثف جهودنا نحو الارتقاء بمهارات الإنتاجية للعامل البحريني، أي زيادة مخرجاته (إنتاجه) في مواقع العمل ومن خلال التدريب التطبيقي. وهذا ما يدفعني إلى التنبيه بأنّ النسبة الكبيرة من البرامج التدريبية لدينا هي برامج تدريسية تقليدية تُقدّم في الصفوف أو القاعات وإنّه لا يمكن التغيير في معدلات الإنتاجية في هذه الأماكن ما لا يساهم في تحسين الإنتاجية. وفي الخلاصة، فإنّ الطريق نحو الأمام هو من خلال إعادة هندسة النظام التعليمي والتدريبي وتحويلهما إلى نظم عملية تطبيقية ولصيقة بمواقع ووقائع العمل الفعلية.

إقرأ أيضا لـ "أكبر جعفري"

العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:01 ص

      شكراً مقال جميل وواقعي.. اتفق معاك ان العنصر البشري ممكن ان يكون اهم مقومات الإنتاجية .الاجانب اكتشفوا ذلك عن طريق التجارب التي عملوها لزيادة كفاءة الموظفين . Assets make things possible.. people make things happening

    • زائر 4 | 1:52 ص

      يعني يا دكتور الانتاجية تهتم اولا بالبناء
      الانتاجية مرتبطبة بالتعليم و والتدريب المقنن
      الانتاجية تطوير الموارد البشرية
      الانتاجية هي الاساس للارتقاء و التقدم
      شكرا لكم

    • زائر 3 | 1:13 ص

      لا يمكن بأي ظرف من الظروف اعتبار المورد البشري كما الآلات والمعدات التي تندرج تحت مفهوم المورد البنيوي فالمورد البشري لاتتحقق فيه الترقية المنشودة في حال عدم تمتعه بحقوقه وتطبيق العدالة في شتى شؤونه.ومن الامثلة ماوصلت له سنغافورة في مستوى التنمية المتقدمة وعوامل هذا التقدم

    • زائر 2 | 12:46 ص

      اعادة هيكلة النظام التعليمي والتدريبي هو باعتقادي جزء من الحل في سبيل زيادة الإنتاجية وكفاءتها.فالعوامل الأخرى لتطوير المورد البشري لا تقل أهمية عن النظام التعليمي والتدريبي في اي دولة.ومن اهمها تحقيق العدالة والوفاء بحقوق هذا المكون فبشطب الأمرين تتعثر كامل الهيكلة.

    • زائر 1 | 11:33 م

      احسنت مقال جميل يحتاح ناس تقراه وتفهمه واطبقه على ارض الواقع

اقرأ ايضاً