في سبيل البحث عن طريقة أسرع لتحديد الجينات التي تسبب الأمراض، بدأ الباحثون في مشروع تبلغ كلفته 100 مليون دولار للتعرف على قوالب الحامض النووي التي تحتوي على اشكال مشتركة في تركيب الجينات في البشر. وأعلن مسئولون في واشنطن الشهر الماضي أن المشروع الذي من المتوقع أن يستغرق ثلاث سنوات يضم تسع مجموعات للبحوث في خمسة أقطار، وسيقوم القائمون عليه بتحليل أنواع جينية في عينات دم أخذت من أناس في نيجيريا واليابان والصين وكذلك من اميركيين ينحدرون من أصل أوروبي. إن الهدف من الدراسة هو تحديد الطريقة التي ينظم بها ثلاثة بلايين جزء من الحامض النووي DNA في اشكال مسلسلة أو قوالب على نمط فرداني يشترك فيه الكثير من البشر.
وبمجرد التوصل إلى معلومات عن هذه الأنماط الفردانية فإن ذلك سيعجل بالتعرف على سلاسل جينية موروثة مرتبطة بأمراض مثل داء السكري وأمراض القلب والسرطان... هذا ما أكده رئيس المعهد القومي لبحوث المجين البشري وهو أحد المعاهد القومية للخدمات الصحية فرانس كولنز.
وقال كولنز في مؤتمر صحافي أثناء اعلانه المشروع إن هذا العمل سيكون له تأثير كبير على مستقبل الطب. وأطلق على هذا الجهد اسم «مشروع هاب ماب العالمي».
وتشارك معامل كل من القطاعين العام والخاص في المشروع مع كثير من الباحثين الذين ساعدوا في اكمال عملية سلسلة المجين البشري العام 2001.
ويحتوي المجين البشري على حوالي ثلاثة بلايين زوج من الحامض النووي. ويتكون كل زوج من مواد كيماوية يمكن التعرف عليها بشكل عام بالحروف C T A أو.G
ومن الناحية الفعلية فإن جميع الحروف تكون في التسلسل نفسه عند الأفراد جميعهم، ولكن يوجد حوالي عشرة ملايين اختلاف في الهجاء عندما يحل حرف من حروف D N A محل الآخر. وتسمى هذه الظاهرة بأحادي القاعدة النيتروجينية متعددة الاشكال أو ما يسمى SNPS ويعتقد أن بعضا منها له علاقة بالأمراض.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن SNPS منظمة في مقادير تقريبية من الحامض النووي تسمى قوالب النمط الفرداني وتحتوي على 10000 زوج قاعدي أو أكثر. ويشترك الكثير من الناس في قوالب النمط الفرداني نفسها وتوجد الأشكال المشتركة في جميع الناس تقريبا. لذلك فإنه من الممكن التعرف على قالب النمط الفرداني عن طريقSNP واحد بدلا من فحص 10,000 زوج قاعدي.
وفي الواقع فإن مشروع «هاب ماب» هو جهد لاكتشاف العلامات البارزة التي تحدد سلسلة الحامض النووي المعينة التي يشترك فيها الكثير من الناس. وستقوم البحوث المقبلة بفحص هذه السلاسل لمعرفة الجينات التي تسبب المرض.
ولبيان كيف أن مشروع هاب ماب سيساعد في اكتشاف الجينات المسببة للمرض فإن كولنز يشبه ذلك بأنابيب الغاز الراشحة (التي تسمح بتسرب الغاز منها).
يقول كولنز: دعنا نفترض ان ضابط أمن يعلم بوجود اثني عشر انبوب غاز راشح في مكان ما من المدينة وعليه أن يجد مكان التسرب بسرعة. إن تفتيش المدينة بيتا بيتا للوصول إلى الأنابيب التي يحدث منها التسرب قد يستغرق أعواما. إنه سيكون من الأسرع بالنسبة إلى ضابط الأمن التعرف على مجمعات في المدينة معروفة بوجود حالات لتسرب الغاز فيها ثم تحديد البحث من منزل إلى منزل في هذه المجمعات.
وبتقسيم المجين البشري إلى قوالب بأشكال جينية معروفة، يمكن للباحثين أن يلجأوا مباشرة إلى هذه القوالب ويبحثوا عن الجينات المسببة للأمراض بدلا من البحث خلال ثلاثة بلايين زوج قاعدي من الحامض النووي. فعلى سبيل المثال، اذا استطاع الباحثون اكتشاف قالب نمط فرداني محدد له علاقة بداء السكري، يمكنهم عندئذ أن يركزوا في بحثهم على الجين المسبب لداء السكري في ذلك القالب بدلا من عمل مسح للمجين البشري بأكمله
العدد 75 - الثلثاء 19 نوفمبر 2002م الموافق 14 رمضان 1423هـ