العدد 78 - الجمعة 22 نوفمبر 2002م الموافق 17 رمضان 1423هـ

المغرب: الثابت والمتحول في حكومة جطو

36 وزيرا ... والمعارضة على أنواعها غير مرتاحة

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

بعد أكثر من شهر من المداولات داخل الكواليس وخارجها، شارك فيها بعض مستشاري الملك محمد السادس، أبصرت حكومة إدريس جطو النور وسط أجواء غلبت عليها خيبة الأمل. حكومة مؤلفة من 39 عضوا، توزعت على ستة أحزاب سياسية، إضافة إلى بعض الوزراء المستقلين. ما دفع بأحد أرباب العمل الفاعلين في الساحة إلى التعليق الفوري: «إنها قبيلة وليست حكومة»، مضيفا: «إن صديقنا سي إدريس كان يستاهل أفضل بكثير منها. فهو سيعاني حتما من تجاذبات هؤلاء السياسيين وأهواءهم، ما سيعطل انطلاقة ورش العمل التي التزم بتنفيذها». على أية حال، يمكن القول إن هذه الحكومة الجديدة تشبه إلى حد كبير في شكلها وتركيبتها، تلك التي نجح سلفه عبدالرحمن اليوسفي بعد جهد جهيد في تأليفها أيام الملك الراحل الحسن الثاني.

بعد أكثر من شهر من المداولات داخل الكواليس وخارجها، شارك فيها بعض مستشاري الملك محمد السادس، أبصرت حكومة إدريس جطو النور وسط أجواء غلبت عليها خيبة الأمل. حكومة مؤلفة من 39 عضوا، توزعت على ستة أحزاب سياسية، إضافة إلى بعض الوزراء المستقلين. ما دفع بأحد أرباب العمل الفاعلين في الساحة إلى التعليق الفوري: «إنها قبيلة وليست حكومة»، مضيفا: «إن صديقنا سي إدريس كان يستاهل أفضل بكثير منها. فهو سيعاني حتما من تجاذبات هؤلاء السياسيين وأهواءهم، ما سيعطل انطلاقة ورش العمل التي التزم بتنفيذها». على أية حال، يمكن القول إن هذه الحكومة الجديدة تشبه إلى حد كبير في شكلها وتركيبتها، تلك التي نجح سلفه عبدالرحمن اليوسفي بعد جهد جهيد في تأليفها أيام الملك الراحل الحسن الثاني.

الملاحظ، ومنذ الساعات الأولى التي تلت إعلانها، أنها لم تحصل على إجماع المغاربة. فالانتقادات التي تدفقت على السواء من جماعات اليسار المستبعَد، واليمين المقصيّ أصلا، منذ إزاحة عرابة وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، والملاحظات المتزنة الصادرة عن قادة «حزب العدالة والتنمية» (المنتصر الفعلي في الانتخابات التشريعية الأخيرة)، جاءت جميعها لتذكر بالثغرات الواردة في هذه التشكيلة، مركزة على خيبة الأمل التي أصيب بها المجتمع بغالبيته، من الفقراء وصغار الكسبة والصناعيين والنقابيين والمثقفين. هؤلاء كانوا يأملون في حكومة يغلب عليها الطابع التكنوقراطي، مهمتها الأساسية تنفيذ برامج إصلاحية، ترفع مستوى المعيشة، وتخفض معدلات البطالة، وتعمل على تضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء، وتطلق العنان لورش العمل الاجتماعي بشفافية مطلقة وتبعد الأحزاب والمحاسيب والانتهازيين عنها. لكن شيئا من هذا لم يحصل، برأي الكثيرين، الذين وصفوا عودة الطبقة السياسية نفسها بمثابة «صناعة الجديد بأدوات قديمة»، وبالتالي فكل شيء محكوم عليه بالفشل سابقا. الأمر الذي حدا بأحد قادة المنظمات الشبابية، الذي يشارك حزبه بحقائب رئيسية إلى التعليق: «كلهم حال بحال»، أي أن هؤلاء الوزراء الحزبيون يشبهون بعضهم بعضا في كل شيء. بناء عليه لا يجب توقع تحولات جذرية ولا إنجازات استثنائية على الصعد كافة.

من أين البداية؟

على رغم سيل هذه الانتقادات، التي بعضها محق والبعض الآخر يدخل في خانة التحامل، لابد من الإشارة إلى أن المغرب قد نجح، بشهادة المراقبين الغربيين بالدرجة الأولى، ممن كانوا يتنقدون في السابق تدخل وزارة الداخلية وما يسمى بـ «المخزن» (أي كل الأجهزة السياسية والاقتصادية والعسكرية والهيئات والشخصيات المرتبطة مباشرة بالقصر الملكي) في امتحانه الديموقراطي. الدليل على ذلك، أن الاعتراضات والشكاوى التي تقدم بها بعض المرشحين كانت ضئيلة جدا بالمقارنة مع الانتخابات التشريعية السابقة التي كان فيها التزوير سيد المواقف. ولم تكن الشكاوى من التجاوزات الحاصلة إلا في جانبها الشكلي. الأهم أنه كان هنالك إجماع وتوافق بين الناجحين والخاسرين على شفافيتها. هذه الشفافية التي جذبت تهنئة رؤساء غالبية الدول الديموقراطية في العالم.

ولقد أدت هذه النقلة النوعية في العملية السياسية، التي ساهم فيها من دون شك مليك البلاد بالتعاون مع «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي يقود الحكومة في حينه، إلى دفع النظام السياسي اليوم إلى اعتماد تقاليد حديثة، تواكب روح العصر، وتندرج ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية التي يتوجب على الجميع من الآن وصاعدا احترامها.

فالذين التقوا رئيس الوزراء الجديد، المشهود له بكفاءته وتواضعه ونظافة كفه، نقلوا عنه بعض الألم من الهجمة المسبقة عليه وعلى حكومته، خصوصا قبل أن تعلن هذه الأخيرة نواياها للرأي العام المغربي ـ المتطلب بطبيعته والفاقد الثقة بالتجربة من الحكومات المتعاقبة ـ وقبل أن تقدم الخطوط العريضة لبرنامجها الذي ستنال بموجبه الثقة في البرلمان قريبا. فهذا التصرف المتسرع، برأي جطو، هو بمثابة خروج عن اللعبة الديموقراطية، لأن من يقف وراءه، يحاكم ويحكم مسبقا على النوايا في غياب معطيات كافية عن العمل الذي ستقوم به هذه السلطة التنفيذية. فمن الممكن، بحسب رأيه، وجود خلافات في العناوين وحتى في التفسير للتوجهات المعتمدة، لكن لا يجوز التشكيك بها والعمل على إجهاضها منذ اللحظات الأولى. مع ذلك، لا ينكر الوزير الأول أن الخريطة السياسية لم تتغير كثيرا، لأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان. فقادة الأحزاب السياسية الرئيسية عملوا طوال فترة المشاورات على رفع سقف مطالبهم ما أمكن، بغض النظر عن مصلحة البلاد العليا. وهو ما يعتبره المراقبون الثغرة الأساسية. في هذا الإطار يؤكد أحد مستشاري الملك محمد السادس ممن عايشوا المماحكات حتى ولادة هذه الحكومة، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أن ما «شهدناه يشبه المزاد. فكل طرف كان يحاول بشتى الوسائل رفع أسهمه». ويجزم هذا المستشار أن العاهل المغربي لم يتدخل إلا فيما يتعلق بإبعاد وزارات السيادة عن البازار القائم. هكذا، عادت الأكثر السابقة بأحزابها لإدارة دفة السلطة التشريعية. الأكثر من ذلك، أن معظم الأشخاص عادوا، مع فارق بسيط، هو مجيء أولاد بعض من تقاعدوا عن العمل السياسي أو أحفادهم. .الأمر الذي أثار الكثير من الشرائح التي لا ترى أفقا «تفاؤليا» مع هكذا عودة؛ وبالتالي، لا تستطيع تحديد من أين ستبدأ هذه الحكومة عملها. فهل ستكمل ما شرعت به سابقتها من مشروعات، أم ستلتزم حرفيا بالمحاور الجديدة التي حددها الملك في خطابه أمام الجلسة الافتتاحية الأولى للبرلمان المنتخب؟

بعيدا عن خيبات الأمل المبررة لبعض المراقبين الحياديين والنقابات وحتى الصناعيين من جهة، والمصطنعة لبعض المثقفين وطبقة الأغنياء الجدد من جهة أخرى، الذين يرون في تشكيل الحكومة «هيمنة» من قبل السياسة على الاقتصاد، إلا أن الأساس يتلخص الآن في مدى معرفة ماذا ستطرحه الحكومة من مشروعات وخطط لتلبية ما انتظره المغاربة طويلا ولم ينفذ على رغم وعود اليمن واليسار على السواء. فالواضح حتى الآن، أن البداية ستتمحور حول نقطتين لا ثالثة لهما: تعزيز أداء الاقتصاد وتحسين الأوضاع الاجتماعية. على أية حال، فإن العاهل المغربي قد حدد خلال مداخلته أربع أولويات، على الحكومة الجديدة بثقلها السياسي وبفعلها التكنوقراطي، العمل على تنفيذها بحذافيرها. وتتلخص هذه الأولويات في: العمل والوظيفة المنتجة، التنمية الاقتصادية، التعليم المفيد والسكن اللائق. فكل بند من هذه البنود يشكل بمفرده تحديا كبيرا لإدريس جطو. فإذا كان محمد السادس قد أخذ الجميع على حين غرة، الأسبوع الماضي، معلنا البدء ببناء 50 ألف مسكن اجتماعي، يملوه صندوق الملك الحسن الثاني، فهذا يعني أن الأولويات الأخرى يجب ألا تتأخر مطلقا. ماذا لو وقعت الحكومة الجديدة في الفخ الذي انزلقت إليه الحكومتان السابقتان برئاسة عبدالرحمن اليوسفي. ويكمن الاهتمام الأبرز في ظل البيئة المعقدة المحيطة في هذه المرحلة، في كيفية إيجاد المال اللازم لتمويل هذه البوتقة من المشروعات الاجتماعية ـ الاقتصادية.

حكومة لا تملك الكثير

في هذا السياق، فإن حكومة جطو لا تملك الكثير من الخيارات ولا المخارج. فإذا كانت العائدات المتوقعة من برنامج التخصيص للعام 2003 ـ 2004، لا تلبي الاحتياجات، فإنه لابد عندئذ من الرهان على الاستثمارات الخارجية المباشرة. مع ذلك، فإن هذه الأخيرة ليست مضمونة في الوقت الذي تمر به دول الاتحاد الأوروبي، الشريك الرئيسي للمغرب، في مرحلة انكماش اقتصادي وانهيار تدريجي لبورصاتها. بناء على هذا الواقع، أعطى الملك توجيهاته بالتركيز على الولايات المتحدة الأميركية، الحليف المميز، الذي أعطى أخيرا موافقته على إنشاء منطقة للتبادل الحر مع المعرب، وعيّن فريق العمل المكلف بإنجاز هذا الملف. ولقد سبق لواشنطن أن أظهرت في الأسابيع الأخيرة الماضية، حرصها على مساندة الرباط ماليا وسياسيا وحتى معنويا. فكان أن زراها تباعا أربعة من كبار مسئولي الإدارة الجمهوريين في ظرف شهر واحد (المعلوم أن الجمهوريين كانوا على الدوام حلفاء العرش العلوي في المغرب). وتعكس المواقف العلنية التي تتخذها أسبوعيا سفيرة أميركا في المغرب «مارغريت ثاتويللر» (المقربة جدا من الرئيس جورج بوش) دعم إدارتها للحكومة المغربية الجديدة.

تقول السفيرة: «أنا لا أفهم لماذا يقلق البعض من تعيين إدريس جطو، علما بأن هذا الخيار نابع من الدستور»، وتضيف: «منذ أن جئت إلى المغرب وأنا ألاحظ عطش المغاربة إلى الدينامية والفعالية. وأعتقد أن عمل السيد جطو يسير مباشرة في هذا الاتجاه».

يبدو الآن أن هذه الرسالة قد وصلت إلى من يهمه الأمر على الساحة السياسية في المغرب. إذ بدأت بعض المواقف المهاجمة للحكومة تتعدل تلقائيا تارة من خلال اللعب على المفردات وتارة أخرى عبر إعطاء التنظيرات والتبريرات للتراجع. وتفيد المعلومات المتقاطعة والمستقاة من مصادر مالية رفيعة المستوى، أن الإدارة الأميركية قد طلبت من بعض دول الخليج العربي الدعم ماليا لجهود التنمية التي يبذلها الملك محمد السادس، عبر تقديم الاستثمارات اللازمة لإنشاء البنيات التحية في مناطق الشمال والجنوب. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة البادئة عبر استثمار مبلغ 600 مليون دولار. ومن المتوقع أن تحذو دول الخليج الأخرى حذوها تباعا.

الملفات والاستحقاقات الأخرى

إضافة إلى الأولويات التي حددها الملك وينبغي على الحكومة الالتزام بتنفيذها، هنالك عدة ملفات ساخنة أخرى واستحقاقات رئيسة قادمة، لا يمكن لإدريس جطو وفريق عمله تأجيلها بأي حال من الأحوال. أبرز هذه الملفات، موضوع الصحراء الغربية والأزمة القائمة مع إسبانيا، والتي لا يبدو أن الطرفين مستعدان عمليا لتقديم أية تنازلات من شأنها نزع فتيل التوتر. وفي طليعة الاستحقاقات، يتوجب على الحكومة الإشراف على الانتخابات البلدية، إذ رهانات الأحزاب جوهرية بالنسبة إلى نتائجها من أجل تحسين مواقفها، خصوصا بعد التراجع الذي سجلته في الانتخابات التشريعية في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي. ما يؤكد أهمية هذا الاستحقاق، تشديد رئيس الوزراء السابق، عبدالرحمن اليوسفي، خلال اجتماع اللجنة المركزية «لمنظمة الشبيبة الاتحادية» الذي انعقد يوم الاثنين 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على القول: «إن ضمان نزاهة الانتخابات البلدية والمهنية والعمالية المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران 2003، كان أحد الاعتبارات التي أملت على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشاركة في حكومة إدريس جطو، على رغم التحفظات».

لكن الحقيقة، كما يؤكد أحد المحللين السياسيين المغاربة هي غير ذلك. إذ يعزو هذا الأخير سبب مشاركة الأحزاب حكومة التناوب الماضية بكثافة في التركيبة الجديدة، إلى خوفهم الكبير من حدوث طوفان يُمكّن «حزب العدالة والتنمية»، الإسلامي المعتدل، الذي حرص على خوض المعركة الانتخابية في ثلثي الدوائر فقط، من السيطرة لاحقاَ على المراكز القاعدية، ويملي بالتالي شروطه على الجميع. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن ما يقلق الأحزاب التاريخية المغربية اليوم، هو الخطاب السياسي الهادئ الذي يعتمده هذا الحزب الإسلامي، المبتعد عن طرح شعارات مثل: «الإسلام هو الحل». كما تقض مضاجعهم حال النضج السياسي لقادته وتصرفهم الحكيم الهادف إلى طمأنة الجميع من دون استثناء، في طليعتهم القصر الملكي، الذي يفتح معهم منذ فترة قنوات اتصال ونقاشات جاءت نتائجها بحسب المعلومات المتوافرة مثمرة للغاية. لكل هذه الأسباب، لا تجد الأحزاب إطارا يحمي وجودها ويخفف من تراجع شعبيتها سوى الاستمرار في السلطة والاستفادة مما توفره لها من إمكانات مادية ومعنوية وخدماتية تستخدمها في لجم جزء كبير من قواعدها، خصوصا في المناطق والقرى.

باختصار، يمكن الاستنتاج بأن هذه الحكومة قد فُصِّلَت على مقاس متطلبات المرحلة وطبيعتها. بمعنى أنها تعكس نتائج صناديق الاقتراع إلى حد كبير مع ضرورة وجود معارضة فاعلة متمثلة في حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الذي رفض المشاركة إلى جانب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» وباقي الأحزاب الأخرى. ما يعكس السير في اللعبة الديموقراطية، مع احتفاظ القصر الملكي بوزارات السيادة: الداخلية والدفاع، والخارجية، هذا الأمر الذي يفسره المراقبون بالثابت. أما المتحول فقد تمثل في جانبين أساسيين: الأول، إخراج وزارة العدل من هذه الدائرة السيادية، كذلك وزارة الحبوس (أي الأوقاف)، إذ أعطيت لأشخاص من خارج الدائرة

العدد 78 - الجمعة 22 نوفمبر 2002م الموافق 17 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً