العدد 5340 - الخميس 20 أبريل 2017م الموافق 23 رجب 1438هـ

الاجتهاد التنويري الديني... كما يراه المفكر عبد الجبار الرفاعي

يرى المفكر عبد الجبار الرفاعي أن تشدد رسالة الدين ومقاصده الكلية على إشاعة السلم والتراحم والمحبة بين الناس، والسعي لتجفيف منابع العنف والعدوانية والتعصب، ولكن طالما تم طمس هذه الرسالة ونقض تلك المقاصد، بنشوء جماعات وفرق، لاتقتصر على إعلان انتمائها للدين، وانما تصر على احتكار تمثيله، وتحرص على مخاصمة أية جماعة غيرها تقدم فهما مختلفا للدين ، بحسب ما نقل موقع "روسي وورلد".
وأرتكز المفكر عبد الجبار الرفاعي على مبادئ أساسية وهي :

1- الانسان كائن متدين، وان اختلفت تجليات التدين ، وتباينت التعبيرات الدينية في حياته، تبعا لتنوع البشر واختلافهم. والحياة لا تطاق من دون خبرات وتجارب دينية، ذلك ان نزعة التدين تمثل ظمأ انطولوجيا لا يروى، الا من خلال التواصل مع المطلق. ويمكن ان تظل تلك الخبرات والتجارب على الدوام منبع الهام التراحم والمحبة والجمال في العالم، ولكن حين يجري التلاعب بالدين، فيعاد تكوينه، ويشوه فهمه بتفسير همجي متوحش، ينقلب الى الضد ، ويتحول هذا التفسير للدين الى اعصار يبدد كل مسعى انساني بناء ، ويحطم الكثير من معطيات الحياة البشرية ومكاسبها الرائعة عبر التاريخ. وليس بوسعنا بناء بلادنا الا بأشاعة فهم عقلاني متسامح للدين، يبعث الابعاد التنزيهية العميقة في جوهره، ويعمم صورته الانسانية ، تلك الصورة المغايرة لما تريده الجماعات التي تعمل على تقديم صورة متوحشة زائفة للدين.
2- التعصب والعدوانية والاستغلال ظواهر متفشية في الاجتماع البشري عبر التاريخ، كما ان عنف الانسان ضد أخيه الانسان ليس طارئا في الحياة, بل هو سلوك بيولوجي، وسياسي، واجتماعي، وثقافي، وديني مترسخ في دنيا الانسان. العنف احد الظواهر المزمنة في الاجتماع البشري، وهو يهددنا ويلاحقنا حيثما كنا في بلادنا، والسلام هو سبيل الأمن الاجتماعي والعيش سويا، ولا نجاة للعالم الابالتشبث بالوسائل السلمية لحل المنازعات، والتخلص من بواعث العنف والحروب، التي امست تفتك بالانسان ، وتبدد الكثير من مكاسبه ومنجزاته على الارض.
3- تشدد رسالة الدين ومقاصده الكلية على إشاعة السلم والتراحم والمحبة بين الناس، والسعي لتجفيف منابع العنف والعدوانية والتعصب، ولكن طالما تم طمس هذه الرسالة ونقض تلك المقاصد، بنشوء جماعات وفرق، لاتقتصر على إعلان انتمائها للدين، وانما تصر على احتكار تمثيله، وتحرص على مخاصمة أية جماعة غيرها تقدم فهما مختلفا للدين. من هنا ينبغي انقاذ النزعة الانسانية في الدين، والاعلان عن ابعاده المعنوية والعقلانية والجمالية والرمزية.
4- لا يعني التدين الذي ننشده اختزال الانسان في مجموعة مفاهيم وقيم مثالية ، تتعالى على بشريته، وتصيره كائنا سماويا مجردا منسلخا عن عالمه الارضي، مثلما تريد بعض الاتجاهات الصوفية والدعوات الرهبانية، بل يعني هذا التدين انقاذ النزعة الانسانية في الدين، وايجاد حالة من التوازن والانسجام بين متطلبات جسده من حيث هو كائن بشري، وامكانية غرس وتنمية روح التصالح مع العالم،والتناغم مع ايقاع الكون، وتكريس حالة الانتماء للوجود، والتعاطف مع كافة الكائنات الحية والشفقة عليها، وتعزيز اخلاقية المحبة ، وتدريب المشاعر والاحاسيس والعواطف على القيم النبيلة، والسعي لاكتشاف روافد ومنابع الهام الطاقة الحيوية الايجابية في هذا العالم، والتواصل العضوي معها.
5- النقد منبع التطور العقلي والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومصدر إلهام التكامل الروحي والنفسي، والرافد الأخصب لتحديث التفكير الديني.. النقد اساس التقدم، وشريان تحديث كل شئ وتجديده .. لاحياة للتفكير الديني؛ إلاّ بتواصل المراجعة النقدية وتعميقها، للثقافة والتجربة التاريخية والتراث والمجتمع .. لا سبيل للافلات من نفق الانحطاط والتخلف؛ الا بتجذير ملكة النقد وتكريسها، بنحو يتحول الفكر الى نقد، والنقد الى فكر. ويضج التفكير بالإسئلة العميقة، بنحو لا تكف أية إجابات لهذه الأسئلة عن توليد أسئلة جديدة.
6- لا سبيل لجني معطيات النزعة الانسانية في الدين، الا بالخلاص من التفسيرات المتعسفة القمعية للنصوص، وتخطي المفاهيم والمقولات النمطية المغلقة في اللاهوت الكلاسيكي. وانما يتحقق ذلك بفتح باب الاجتهاد في علم الكلام، وتحديث التفكير اللاهوتي، ومحاولة بناء لاهوت عقلاني مستنير. وتحديث التفكير اللاهوتي يتطلب تساؤلات واستفهامات جديدة، ومراجعات نقدية للتراث الكلامي، تفضي الى التحرر من الصورة النمطية للإله، التي تشكلت في سياق الصراعات الدامية، والفتن والحروب العديدة بين الفرق والمذاهب. والسعي لترسيخ صورة للإله،تستوحي صفات: الرحمة والمحبة والسلام ، ونحوها من صفات الرحمن، وتستلهممايتحلى به الله تعالى من صفاته الجمالية، واسمائه الحسنى، مثل: (الرحمن،الرحيم، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، البارىء، المصور، الغفار، الوهاب،الرزاق، البصير، الحكم العدل، اللطيف، الحليم، الشكور، الحفيظ، الكريم، المجيب،الواسع، الحكيم، الودود، الحق، المحيي، البر، التواب، العفو، الغفور، الرؤوف، مالك الملك، الغني، النور،, الهادي، الرشيد، الصبور،...الخ.
7- لو أنفقنا العمر كله باكتشاف الانسان لم يضع عمرنا هدرا. مشكلات الانسان تعود للفشل في اكتشاف حقيقة الانسان. مشكلات الشخص البشري تعود للفشل في اكتشافه لذاته وماهيته. يتوهم الانسان حين يعتقد انه يجد ذاته خارج ذاته، وهو لا يدري انه لن يجد ذاته إلاّ في ذاته. اكتشافُ العالم يبدأ باكتشاف الذات. وعيُ العالم يبدأ بوعي الذات. استبصارُ العالم يبدأ باستبصار الذات. الاحساسُ بظلام العالم يبدأ بالاحساس بظلام الذات. تنويرُ العالم يبدأ بتنوير الذات. الشجاعةُ في معرفة أسرار العالم تبدأ بالشجاعة في معرفة أسرار الذات. حب الله والانسان والعالم يبدأ بحب الذات. تخليصُ العالم من أغلاله يبدأ بتخليص الذات من أغلالها. تحريرُ العالم من عبودياته يبدأ بتحرير الذات من عبودياتها. تغييرُ العالم يبدأ بتغيير الذات. تقديرُ العالم يبدأ بتقدير الذات. فهمُ تدبير العالم يبدأ بفهم تدبير الذات. الشعورُ بآلام العالم يبدأ بالشعور بآلام الذات. التضامنُ مع العالم يبدأ بالتضامن مع الذات.
8- احترام الافكار التي تؤمن بأهمية انفتاحها على ما يعاندها، وتعزيز روح الإنفتاح والعمل مع من نختلف معه.
9- الدعوة للتعددية والتسامح، وارساء قيم الاختلاف واحترام الآخر.
10- اشاعة ثقافة التعايش والحوار بين الاديان والثقافات.
11- ترسيخ العقلية النقدية الحوارية، وتجاوز العقلية السكونية المغلقة.
12- الاستيعاب النقدي للتراث والمعارف الحديثة.
13- تمثل روح العصر، والانفتاح على المكاسب الراهنة للعلوم، انطلاقا من: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها.
14- تطهير التدين من الكراهية والاكراهات.
15- تحرير فهم الدين من المقولات والافكار والمواقف التعصبية والعدوانية.
16- اكتشاف الاثر الايجابي للفهم العقلاني الانساني الحيوي للدين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
17- تبني الرؤى والمفاهيم التي تهدف الى مواكبة العصر، وتعزز المصالحة بين المتدين والمحيط الذي يعيش فيه.
18- تجلية الابعاد العقلانية والاخلاقية والانسانية والجمالية والرمزية والمعنوية السامية والمضيئة في الدين والتراث.
19- الدعوة لبناء مجتمع مدني تعددي، تسود حياته قيم العيش المشترك، والعمل على تكريس حق الاختلاف، والتثقيف على ان الوطن يتسع للجميع، وللجميع الحق في الحياة والعيش الكريم. وما داموا متساوين في انتمائهم للوطن فأنهم متساوون في حقوقهم، ذلك ان المواطنة هي النصاب، بغض النظر عن اعراقهم ومعتقداتهم.
20- تعزيز ثقافة الحريات وحقوق الانسان وحق الإختلاف، وكل ما يرسخ كرامة الكائن البشري.
21- تحرير المرأة من الاعراف والتقاليد الجاهلية، وحماية كرامتها من الانتهاك والعنف البدني أو العنف الرمزي تحت أية ذريعة، ومنحها الفرص المناسبة للإسهام في بناء المجتمع والإنخراط في التنمية الشاملة.
22- كي نخرج من مأزقنا؛ ينبغي إعادة بناء المناهج الدراسية ومقررات التربية والتعليم في كافة المراحل، والتركيز على التعليم الأساسي، والاهتمام الفائق بالطفولة في الحضانة والمرحلة الإبتدائية، وبناء التربية على فلسفة؛ أن الطفل ليس وعاء نملؤه بالتلقين، وانما هو طاقة خلاقة قابلة للاشتعال، لو أتقنا فن ايقادها، عبر توظيف أحدث النظريات التربوية، والأساليب والتقنيات الجديدة في التعليم.
23- السعي الى تجفيف المنابع التي ترسخ مفاهيم الاستبداد، وتعمل على تشويه وتدمير نفسية المواطن.
24- التثقيف على نفي الإكراه في الدين، وتعميم مبدأ ( لا اكراه في الدين) والاستناد اليه كمرجعية ومعيار قيمي في التعاطي مع الآخر. واشاعة العفو، والسلام، والعدل، والاحسان، والتراحم، والحوار، والحكمة، والموعظة الحسنة،والمجادلة بالتي هي أحسن، والمحبة، والصبر، والمداراة، والصفح الجميل، والهجرالجميل، وغير ذلك من مقولات ومعاني اللين، واحترام الآخر، والعيش المشترك.
25- تنوير وعي المواطن وتحذيره من الدعوات والمقولات التي ترسخ مفاهيم التعصب، والتحجر، والاحادية، والانغلاق، والعنف، ونفي الآخر.
26- تجذير المفاهيم والشعارات التي تمجد الحياة ، وتعمل على تحرير الناس من المقولات الداعية الى الموت. والخلاص من دعوات تبجيل الموت وهجاء الحياة ،ولعن المباهج ، والتشهير بوسائل الفرح والمسرة ، والابتعاد عن اية محاولة لمناهضةالجمال ومسخ الذوق الفني، فأنه لا خلاص الا بتكريس النزعات الروحية والمعنويةوالفنية والجمالية. والسعي الحثيث لاغلاق الملفات والاحاديث والذكريات المريرة، وتكريس استراتيجية النسيان لكل مايبعث الكآبة والوجع والحزن مما مضى،والاصرار على إستدعاء المرح والغبطة والأمل والتفاؤل.
27- الحرص على حماية البيئة الطبيعية، والكشف عن عناصر التناسق والجمال في الكون، وتنمية وتكريس التصالح والانسجام بين الانسان ومحيطه.
28- الحذر من الخلط بين الضروري وغيره، ومحاولة تصنيف كافة الحقوق والمتطلبات والرغبات والحاجات الى ماهو بمثابة الفريضة وماهو بمثابة النافلة،ومن البديهي ان الفريضة تتقدم على سواها. والمعيار الابدي في ذلك هو مايمكن ان توفره تلك الامور من خير للانسانية، اي ان ترتيب الاولويات يجري تبعالاهميتها ومدى استجابتها لبناء الانسان وتكامله، واستبعاد وحذف كل شئ لايستجيب لذلك.
29- الوقت هو الحياة، وتقدم اية جماعة بشرية او شخص يتوقف على المهارةفي توظيف الوقت وتنظيم " ميزانية للزمن". وميزانية الزمن تعني برمجة المهاموالمشاغل الشخصية بوضوح، فهناك مهام يومية واخرى اسبوعية وثالثة شهرية ورابعة سنوية، ومنها ماهو مؤقت أو دائم، أو كمالي أو ضروري .... الخ. مالم نضع ميزانية دقيقة للزمن نغرق في الفوضى وتغيب الجدية عن حياتنا .
30- اللايقين يقتل المعرفة البسيطة، لكنه يحيي المعرفة العميقة والمركبة، لذلك ينبغي ان نحذر من القطعيات والجزميات والنهائيات، فإنه ليس الشك وانما اليقين هوالذي يقودنا الى الجزمية والدوغمائية ونفي تنوع الاختلافات، وعدم ادراك ان العالم يتسع لمختلف المفاهيم والافكار والمعتقدات.
31- القلق المعرفي يمنح عملية التفكير الشرط الضروري للابداع والديمومة والديناميكية، والفكر لا ينمو ويتطور من دون الاسئلة الحائرة والجريئة ، والفكر الحي هو الذي لا يكف عن اجتراح الاسئلة ، ويتحرر من الاجوبة المتكررة التي يغيب عنها القلق. 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً