العدد 5343 - الأحد 23 أبريل 2017م الموافق 26 رجب 1438هـ

حبيب الصايغ: لا أثر من حلم الليلة الماضية

في اليوم العربي لمواجهة التطرُّف

حبيب الصايغ
حبيب الصايغ

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

وجّه الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس اتحاد كتَّاب وأدباء الإمارات، الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ، رسالة إلى الكتّاب والأدباء والمثقفين العرب في مناسبة اليوم العربي لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي تحييه جميع الاتحادات والروابط والجمعيات والأسر والمجالس المنضوية تحت مظلة الاتحاد العام بتاريخ 19 أبريل/ نيسان من كل عام هذا نصها:

«حين يخصص الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب يوم التاسع عشر من أبريل/ نيسان من كل عام يوماً عربياً لمواجهة التطرف والإرهاب، فإن الخطوة تنطوي على رمزيتها الواضحة: كل يوم هو لمواجهة التطرف والإرهاب، لكن صوت الكتّاب العرب، سواء من خلال الاتحاد العام أو الاتحادات والروابط والجمعيات والأُسَر والمجالس القطْرية، يحتشد في هذا اليوم احتشاداً، ليقول ويتذكر ويذَكِر، وليشير، بقوة، إلى الواقع العربي لهذه الجهة، نحو رصْد المشهد ومتابعته بكل تجلياته ومستجداته.

وحيث تحضر الظلمة لتقول أنا هنا وحدي، ولا أثر للضوء في المكان، يحتشد الكتّاب والأدباء العرب بأقلامهم وكتبهم ومشاعل الحب والتنوير، وحين تقول جماعات التطرّف والتكفير إنه لا أثر للضوء في المكان وسوف أذهب بأبصاركم إلى الغياب بل العدم... سوف أحجبكم عن الهواء... سوف أعزلكم عن البحر... سوف أبدّد أسماءكم في الرياح المقبلة... سوف أبعثر مصائركم على سلالم البرق... إلى آخره، يأتي الكتّاب العرب في الصوت الواحد المحتشد، لكن المتعدّد، ليقول: نعم... حتى لو ماتت الحمامة الزاجلة الوحيدة على الأرض... حتى لو لم تصل الرسالة إلى جهتها البعيدة، فإن قصة الحب لا تموت.

في حوارية الضوء والظلام، يُسمع، دائماً، مطر كثير يغمر القلوب قبل الوجوه، ولا أثر من حلم أو ندم الليلة الماضية.

ولأن الثقافة ضد الفوضى وإن بدت، بسبب من طبيعتها، متمردة أو مشاغبة، فإن الثقافة هي الترتيب، والترتيب غير الرتابة. الثقافة هي وعي الاختلاف، ووعي المسئولية والحرية.

ومشكلة التيارات المعادية أنها تتبنّى الجهل في مسوح العلم، والتدمير في ادّعاءات التعمير، والأنانية في مطلق اللفظ والمعنى. مشكلتها أنها تبنّت خطاب العزلة إلى أن طوّقتها جدران العزلة حتى خنقتها أو كادت.

ذلك هو الفألُ الحتمي، فلا نحتاج بعد ذلك إلى نبوءةٍ جديدة. الإرهاب، في أشكاله وأطيافه جميعاً، إلى اضمحلال وزوال، لأنه خطابه فج، ولأن حلمه مشوّش، ولأن أرضه هشّة، ولأنه بلا سماء.

الإرهاب كله، من «القاعدة» إلى «داعش»، ومنهما إلى كل جماعة تضع الجماعة في ضميرها ولا تضع الوطن والشعب والأمة، وتحسب أنها تنام قريرة العين حين تستظل بمظلة الدّين والمذهب دون مظلة الوطن الواحد والأمة الجامعة.

هنا يتأكد دور الكاتب والأديب والمثقف العربي، وفي ترتيب الأولويات المقترح يأتي تثقيف التعليم في أول ما يأت . في الغايات العظمى لأي وطن أو مجتمع، أن تكون الثقافة في التعليم، داخله لا خارجه، بحيث لا تعزل عنه وتعتبر شأناً إضافيا يمكن الاستغناء عنه كما هو حاصل الآن.

وأول الثقافة الوعي بالتاريخ واللغة والهوية، وأول الثقافة الربط بين مكوّنات المفهوم كما يُفهم في العقل والقلب والشعور، من دون الدخول في الاختلاف المبالغ فيه على التعريفات.

فمن يقرأ التاريخ؟... من يعيد التاريخ إلى أصله وصيرورته ومعناه؟... من يفك طلاسمه ويشتغل على أحجياته؟... بيننا وبين تاريخنا جبال اليقين والظن والشك، فمن ذا يعيد التاريخ إلى تاريخه، والسنوات إلى سنواتها، والأيام إلى أيامها؟

التاريخ حلم ورؤيا، وجماعات التطرّف والإرهاب والتكفير لا تمتلك الرؤيا ولا تعرف الحلم... الإرهابيون خارج التاريخ، غيمة سوداء تُمطر قليلاً مطرها الأسود، وسرعان ما تنقشع.

إن على الأدباء والمثقفين العرب العمل ضد «داعش» وأخواتها، وعدم الدخول، ولو من غير قصد، في لعبة أو لعنة الترويج لها، كما يفعل معظم الإعلام العربي اليوم، حين يذهب إلى كل مبالغة غير مستساغة وثقيلة الدم.

وكنا وحيدين جداً، ومعاً إلى أبعد الأمداء جداً... كانت لنا لغة البدايات، وبراءة الرايات التي لا ترتفع إلا على صوت الحق والموسيقا.

كانت بيوتنا تمتد في انسيابية مذهلة بين البحر والعشب، وكانت لنا صداقاتنا مع الأسماك الصغيرة، والصخور الملونة، والناس الغرباء.

وكانت الدنيا غير الدنيا والناس. كان لنا الأمل الصاحي على رنيم الغيم حتى قبل أن ينوي على المطر، وكانت لنا القاهرة والرباط وصنعاء وبغداد ويافا والقدس وبيروت ودمشق.

وكانت الأيام قبل أن نولد أحلى وأجمل، فلماذا لا نضع أعمارنا بين قوسين، ولا ننصرف قبل أن نكتب قصائد الغزل في حبيباتنا، وقصائد الهِجاء في الأغبياء والمتطرفين والإرهابيين؟

وكانت الأيام قبل أن نولد أحلى وأجمل، كأنما العمر التالي جثة أو خشبة، كأنما هو مزراب يشهق في السكّة الوحيدة، والمطر النيئ لا يجيء، ورائحة المطر الطازج لا تخطر حتى على البال. وكانت الدنيا غير الدنيا، والناس».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً