العدد 5347 - الخميس 27 أبريل 2017م الموافق 30 رجب 1438هـ

قصة قصيرة... "فن تجريدي"!

جابر علي - قاص بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

حاولتُ قدر الإمكان أن أبدو منبهراً مُعجَباً بما تعرضهُ عليّ من رسومات و "لوحات"، كانت تصفها بأنها "تجريدية"، حيث لم أفهم منها شيئاً!، حماسها لرسوماتها وتباهيها بما نثرته أو لفظته من ألوان على قطعة من القماش، أربكني وأحرجني، لا يكفي أن أقول لها إن لوحاتها جميلة وحلوة ومُعبّرة، تلك توصيفات وتعبيرات لا تغري الفنّان أو من يعتقد أنه كذلك! ولا تشعرهُ بشيء مختلف، فهي مفردات لا تُعبّر إلا عن إبراء ذمَةِ قائلها والتخلّص من عبء المجاملة!  كما أنها ستفطن الى جهلي بالفنون وضحالة معرفتي بما يهمّها وما تمارسه من فن.

إنها تنتظر مني تحليلاً عميقاً وشرحاً وافياً بوضع يدي على مكامن الجمال ومواضع الإبداع وبؤر التميّز، وجب أن أقول لها إنك في هذا "الخط" أشرت لكذا وفي هذه "الانعطافة" عنيتِ كذا وعند تلك النقطة أبدعتِ في كذا فكرة... كل ذلك باستخدام مصطلحات فنية وتعابير ثقافية تنمّ عن فهم وتذوّق وإحاطة!

ههنا تكمن الورطة... كنتُ على الدوام أتهم نفسي بأنني غير متذوّق لمثل هذه الألوان المتمازجة وأتهم عقلي بأنه قاصر عن فهم ما وراء الخطوط والأشكال المبعثرة، أذكر أنني ذهبتُ إلى المتحف في أحد الأيام وكان يبدو أن عَرْضا وترويجاً لعمل فني يُقام آنذاك في إحدى قاعاته، لفتت انتباهي "شخابيط" مبعثرة بألوان فاقعة على لوحة معلّقة على حامل لوحات، وعليها ورقة مكتوبٌ فيها "ليست للبيع"، لم أتمالك نفسي أن خرجت مني قهقهة مجلجلة نظر لي البعض على إثرها شزراً، حدّثت صاحبي بعد ذلك أن هذه اللوحة لو وجدتها ملقاة في الشارع لما فكّرت في رفعها فضلاً عن الاحتفاظ بها أو شرائها!

حسناً كل منّا حاول أن يرسم في صغره وأن يبدع بل وكان يتباهى بما يرسمه أحياناً ظانّاً أن رسمه هو الأجمل والأكمل، إن أحداً لم يقل لي إن رسمي أشبه بشخبطات القرود بعصيّهم على الرمال الرطبة... بل أنا من تنبّه إلى هذه الحقيقة مُبكراً فصرتُ أضيق بحصص الرسم وإذا اضطررت إلى ذلك، عمدتُ إلى استخدام المسطرة والمنقلة والفرجار لكي أرسم قارباً مُلقىً فوق رمال الساحل أو إبريقاً بجانب فناجينه وهي اللوحات التي غالباً ما يُطلب منّا أن نتخيّلها ونرسمها وكأنما في القارب أو الإبريق يكمن أي نوع من الخيال!

بحثت عن مفردة "تجريدي" في "غوغل" وفهمت أنها تعني مذهباً في الرسم يعتمد على أشكال "مجرّدة" لا تمثل الطبيعة والواقع! إذ ذاك شعرت بالقرف والازدراء لهكذا فن! وأدركت أنه يحتاج إلى حس وشعور "متكلّف" أكثر منه لفهم ومنطق!! لِمَ عليّ أن أرغم نفسي على فهم ما لا يُفهم وتذوّق ما لا طعمَ له! و هو ما سيلازمني طوال حياتي مادامت "مروة" (الفنّانة) رفقتي!، ولكن "مروة" قد أغضبتها ضحكتي والتي حاولت كتمانها فلم أفلح، وهجرتني... ذلك - عندما كانت تشرح بتفاعل وتفلسفْ... إن الخطوط الباهتة المتشابكة في لوحتها الأخيرة تعني (فيما تعني) تخاطر الأفكار والصراع الأزلي في النفس البشرية والرؤية المستقبلية لواقع الأرض!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً