العدد 5353 - الأربعاء 03 مايو 2017م الموافق 07 شعبان 1438هـ

القصة القصيرة جداً والخطو بثبات في الساحة الثقافية البحرينية

وسط دعوات لتعزيزها ودعم مبدعيها...

المنامة - زهراء غريب 

تحديث: 12 مايو 2017

تبلورت القصة القصيرة جداً في المشهد الثقافي البحريني بشكل لافت من حيث وجود منتوجات متفاوتة المستوى تركها كتّاب بحرينيون خاضوا غمار هذا النوع الأدبي الذي لا زال في موضع تجاذب بين نقاد كثر، يعتبره جزء منهم جنساً أدبياً حديثاً، بينما يعتبره الجزء الآخر امتداداً لأجناس أدبية أخرى من قصة ورواية ونص مفتوح. لا يمكن إطلاق أحكام مسبقة تحدد مدى نضج التجربة البحرينية في هذا المجال الذي أحدث صدى أدبياً مؤثراً في العديد من الدول العربية أبرزها المغرب...

لكن يمكن البحث في المعايير والمؤشرات التي أدت إلى ظهور هذه النتاجات البحرينية القصيرة جداً، ومحاولة رسم ملامح واقعها والتنبؤ بالحيز السردي والأدبي الذي ستحتله على الساحة الثقافية مستقبلاً.

ظهورها في البحرين

لم تشهد البيئة السردية والثقافية البحرينية في البدء جهداً متكاملاً ومنظماً يتصدى لتبني وتطوير هذا النوع الأدبي؛ اذ كان الأمر يقتصر على اقتحام عدد من الكتاب البحرينيين غمار الكتابة في هذا المجال فكان أبرز المتصدّين أحمد الحجيري وأمين صالح وعبدالعزيز الموسوي وغيرهم، نشروا نتاجاتهم القصصية القصيرة جداً سواء ضمن إصدارات مطبوعة أو من خلال مختلف وسائل التواصل والصحف المحلية، ثم أخذت مبادرة «وجود للثقافة والابداع» على عاتقها تشجيع الكتاب البحرينيين على كتابة القصة القصيرة جداً، ومواصلة الاشتغال على تجريبها كتابياً وصولاً إلى مرحلة الاتقان، وذلك عبر اطلاق مشروع «قصص قصيرة جداً من البحرين» أتاح التعريف بكتاب هذا النمط القصصي ونشر نصوصهم ومحاولاتهم الكتابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونظمت أيضاً على هامشه أمسيات وندوات ومسابقات قصصية دورية شارك في تحكيم النصوص المشاركة فيها أدباء مختصون كالروائية التونسية رشيدة الشارني التي أشارت الى أن النضج الفني الذي ميز أكثر القصص يدل على تطور هذا الجنس الأدبي في البحرين، ومختبر السرديات العماني الذي أدهشه المستوى الجيد للكتّاب، وكللت هذه الجهود بإصدار كتاب «خطاطيف» الذي ضم نصوصاً قصيرة جداً لمئة كاتب وكاتبة. واستكمالا لحراكها في تعزيز هذا النشاط دشنت «وجود» مؤخراً ملتقى القصة القصيرة جداً، ويهدف إلى الارتقاء بالقصة البحرينية القصيرة جداً.

دواعي الاتجاه... التحديات

يتحدث القاص أحمد الحجيري عن تجربته القصصية مستذكراً أن أول مرة تعامل فيها مع كتابة القصة القصيرة جداً دون أن يعرف هذا الجنس الأدبي، أو يطلع على أية تجارب سابقة منه. كان ذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حين نشرت له مجلة «البيان» وهي مطبوعة تصدر عن رابطة الأدباء الكويتيين ثلاث ق ق ج.

ويضيف «في التسعينيات كتبت قصة «دخان الورد» وقصة «السجادة» وهما عبارة عن ومضات متتابعة، والقصتان وردتا في مجموعتي القصصية الصادرة في العام 2014، وهنا وجدت وبشكل أكثر وضوحاً، بأن القصة القصيرة بتخومها وحدودها حسبما تم التعارف عليها لا تستطيع في ظل طبيعتها التعامل مع كل المواضيع وخصوصاً مع الحدث اليومي، كما إنها غير قادرة على الدوام على استيعاب الفكرة الطارئة والمشاهدة اللحظية.

ويؤكد الحجيري أن البعض يعتقد أن القصة القصيرة جداً هي ضرب من الكتابة يشي بضعف الكاتب في القدرة على كتابة القصة القصيرة المألوفة والتجريبية، لكنما القصة القصيرة جداً تحتاج إلى تعامل حساس مع اللغة والفكر والارتحال في ذات الوقت إلى مخيلة القارئ وكيفية جذبه للمشاركة في تفكيك التجربة. مشيراً الى أن الصعوبة الأشد كيف تهرب من قبضة المباشرة، وكيف تقنع المتلقي بأنك تكتب قصة في بضع كلمات متوترة «وكيف تتخلص كالزئبق من حقد العيون الشريرة التي تزعجها الإيماءة، وأن تقول أشياء كثيرة وذات أبعاد وعمق في لمحة بارقة تستوعب المكان والزمان والشخوص والفكرة والصراع والعقدة والحل».

وتقول الشاعرة والقاصة بتول حميد إنها اتجهت للكتابة في هذا النوع الأدبي كونه يحمل كثافة لغوية وعمقاً مفرطاً «فإما أن تدعم الفكرة الأسلوب أو تدعم رشاقة الأسلوب قوة الفكرة».

وتؤكد حميد بأن الصعوبة الوحيدة التي واجهتها أثناء كتابة النصوص القصيرة جداً هي عنونة النص «لأن الاحتفاظ بفتنة السطر الأخير قد يبدأ باختيار عنوان آسر لا يفضح النهاية».

فيما ترى القاصة بتول جاويد أنها اتجهت لكتابة القصة القصيرة جداً نظراً إلى ما تحدثه الكلمة أحياناً من ضجيج أكبر مما تحدثه جملة مكونة من أثقل العبارات «فالقصة القصيرة جداً توجه رسالة كطلقة سريعة تخترق السحاب».

وتشير جاويد إلى أن الصعوبة في القصة القصيرة جداً تتمثل في اعتمادها على عنصر المفاجأة، أكثر مما تحتاجه بالتلميع والتنسيق في العبارات «فالصعوبة في ايجاد المفاجأة أصعب من ايجاد الفكرة ذاتها».

ويعتقد القاص راغب الدخيل أن أسلوب القصة القصيرة جداً جميل كونه سريع الوصول للقارئ، ويخلق جواً يجعله يصاب بدهشة سواء كانت دهشة لها تأثير إيجابي أو سلبي و«هذه الدهشة تجعل الكاتب يتلذذ في بناء القصة القصيرة جداً ويجد المتعة كلما كبرت تلك الدهشة عند القارئ».

ويوضح الدخيل أنه على رغم أن القصة القصيرة جداً كلماتها محدودة مقارنة بباقي الأنواع من القصص إلا أنها صعبة جداً في البناء، فهي تحتاج إلى اختزال الكلمات بشكل دقيق جداً وبلورة الفكرة بحيث يستطيع أن يلتقطها القارئ بشكل سريع وإلا فقدت خواصها. «هذه الكلمات القليلة تحتاج من وجهة نظري إلى وقت كبير يجعل الكاتب يفكر في كيفية صياغة الحبكة وإحداث المفارقة التي تدهش القارئ».

من جانبه، أكد القاص حسن علي بأن القصة القصيرة جداً استهوته بشكل كبير، وأن ما دفعه للكتابة في هذا النوع هو صغر الحجم مقارنة بالأنواع الأخرى؛ ما دفعه إلى أن يكتب نصوصاً ذات أفكار عميقة ومتنوعة بأقل عدد من الكلمات. مشيراً الى أن الدهشة المصاحبة للقصة القصيرة جداً تجعلها مختلفة ومؤثرة إلى حد كبير بالإضافة إلى سهولة النشر «في اعتقادي أن وجود القصة القصيرة جداً يحفز على الابداع والتأثير ونقل الأفكار بأسلوب فريد يأسر الكاتب والقارئ في الوقت نفسه.

أما القاصة عفاف الرقراق فتقول، إن ما دفعها إلى كتابة القصة القصيرة جداً هو ما وجدته في نفسها من ميل للاختزال وقدرة على التقاط اللحظة، موضحة بأن أبرز العوائق التي واجهتها أثناء كتابة هذه الجنس الأدبي هي التميز ومحاولة الخروج عن المألوف من حيث الأفكار والأساليب الكتابية.

رؤى نقدية

ويعتبر الناقد جعفر الجمري أن كل جنس أدبي أحد أعمدته الرئيسة اللغة لا قيمة لأي منها من دونها، واللغة هنا بمعنى استحضارها في أروع صورها ومجازاتها وتخيلها وحمولاتها. و «في القصة القصيرة جداً، خصوصاً، تلعب المخيلة في اشتغالها على التكثيف دوراً محورياً في إنتاج النص» فاللغة حاضرة، لكنها لن تكون مهيمنة في لازمة السرد الذي تحتاجه الرواية وتحتاجه القصة القصيرة».

ويتابع: «في هذا اللون يجتمع أكثر من جنس وأداة: اللغة في حدها الشعري الخاطف. السينما، باستعارة اللقطة الخاطفة، وأحياناً «الزووم»، ليجتمع في عقدتها أو الصدمة كل ذلك، باستحضار لغة غاية في شفافيتها وحتى حدّتها؛ حدتها بمعنى قدرتها على اختزال مجموعة قيم وثيمات، من خلال براعة التكثيف الذي يفضي إلى معنى لا إلى عبث كما هو ماثل في عديد التجارب».

ويشير الجمري الى أن ثمة علاقة وطيدة ترتبط بالتعالق بين هذا الفن والهايكو في الشعر الياباني، الذي يعتمد على ألفاظ بسيطة التعبير وقد يتألف النص من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعاً صوتياً بحسب اللغة اليابانية.

ويؤكد الناقد جعفر حسن أن القصة القصيرة جداً كفنٍّ في المشهد البحريني يتجاذبها طرفان، الأول يؤكد على كونها نوعاً أدبياً، بينما الآخر يقوم على اعتبارها مجرد امتداد في أنماط القصة القصيرة، ولا يعتبرها ذات مكونات مفردة تؤهلها لتنفصل عن القصة القصيرة وتجعلها جنساً أدبياً، بينما يعيب البعض على القصة القصيرة كونها جنساً أدبياً مستورداً، وعلى رغم حداثة القصة القصيرة جداً «إلا اننا يمكن أن نجد لها ما يقاربها من مدونات السردية العربية مثل الحديث، الخبر والملحة أو الفكاهة، والنادرة والأحجية، وبعض الخرافات والأساطير والأمثال ويمكن تلمس الكثير من تلك الحكايات المختصرة في كتاب (المستظرف في كل فن مستظرف) على سبيل المثال، وقد يشير البعض إلى تلك النصوص على اعتبار أنها الأصول الغابرة للقصة القصيرة جداً».

ويوضح أنه لدى مقارنة القصة القصيرة جداً مع جاراتها من أجناس أدبية سنجد أنها تشترك مع قصيدة النثر في الايجاز والتكثيف والتوهج واستخدام العنوان، وتلتقي مع القصة القصيرة في الراوي وإن بشكل محدود؛ إذ لا يظهر فيها ذلك التنوع والتعدد الممكن لاستخدامات الراوي، وهي تتصل بكل مجال الأدب بتلك العلاقة مع المجتمع واحتوائها على الرسالة والقصدية، وإن اختلفت في طريقة البث، ولكنها نتيجة للاختزال الشديد يختفي فيها الوصف الدقيق المطول نسبياً؛ اذ يشير بعض الدارسين إلى وجود ظاهرة المتواليات في القصة القصيرة جداً، بينما يتضاءل الإحساس بالزمن ورحابة المكان في القصة القصيرة جداً، وتظل متشابهة مع القصة القصيرة في مسألة الحدث والتوتر، بينما تظل القصة القصيرة جداً محكومة بتقلص بنيتها وبساطة تركيب جملها كما في قصيدة النثر، كما تقع على تلك الحدود المشتركة في استخدام الرمز بينها وبين جارتيها القصة القصيرة وقصيدة النثر، وهي أيضاً تلتقي مع القصة القصيرة في مسألة كونها من فنون السرد ولكنها تغاير قصيدة النثر في ذلك، ولكنها أيضاً تقترب من الجمل الشاعرية التي توظفها في بنية سياقاتها، كما تظهر فيها النهايات المفتوحة والنص المدور.

وبشأن تراجع المتابعة النقدية للقصة القصيرة جداً في البحرين يفيد «كثيراً ما نسمع عن تراجع النقد، وأزمة النقد، وغياب النقد، بل إن نادر كاظم يقول: «بموت النقد الأدبي، ولا أحد يذهب في الاتجاه الآخر ليتساءل عما يمكن تلمسه من تغييب النقد في عموم الحياة، وما يحدث للنقد الأدبي ليس إلا جزءاً مما يحدث في الحياة الاجتماعية عموماً، وهو يعاني من تصلب القيم السلبية تجاه النقد عموماً والنقد الأدبي خصوصاً، فيحصر النقد الأدبي في المجلات المتخصصة التي لا يقرأها إلا النقاد».

وعن مدى انتشار القصة القصيرة جداً في البحرين قياساً بالأجناس الأدبية الأخرى يؤكد بأنه لا يمكننا القول بأن القصة القصيرة جداً في البحرين قد اكتسحت خطوط الانتاج السردي، ولكن هناك انتاج لا يمكن الاستهانة به باعتبار القصة القصيرة جداً فناً جديداً أيضاً «ونحن لسنا هنا بصدد الاستقصاء وإنما لإعطاء بعض الامثلة، فنجد بعض البحرينيين من كتب في هذا المجال من أمثال أمين صالح وأحمد الحجيري وعديد من الكتاب الآخرين، وهؤلاء لم نلمس لهم انتاجاً مادياً ورقياً منتشراً بمقاييس الانتشار مخصصاً للقصة القصيرة جداً، بينما نثر كثير من الكتاب ما أنتجه في مجال القصة القصيرة جداً فيما أتيح من وسائل النشر سواء في الصحافة أو على صفحات التواصل الاجتماعي حيث النوع يتناسب مع سرعة إيقاع الحياة ولكنه يتناقض تماماً مع سرعة ذبول تلك الصفحات».

القصة القصيرة والمستقبل

تشدّد القاصة خديجة هارون على أهمية إقامة الحلقات النقدية حول القصة القصيرة جداً، وانتشار المجموعات القصصية والكتب المختصة بنقد القصة القصيرة جداً، حيث لا نجد إلا القليل من تلك الكتب مطبوعة في المكتبات، مشيرة الى أنه من الطبيعي أن يكون الدور الأساس للجهات الثقافية، التي من أولى مهماتها الاهتمام بالكاتب والأدب والثقافة في البحرين «فمنها إقامة الأمسيات والمسابقات القصصية ودعم الكاتب، وترسيخ القصة القصيرة جداً في البحرين وتشجيع البحرينيين على كتابتها».

من جانبه أوضح القاص والروائي عبدالعزيز الموسوي، أن السرد عموماً ليس على ما يرام في البحرين (قصة ورواية) ويكون الأمر أكثر قتامة عندما يتعلق بمستقبل القصة القصيرة جداً، لأنها تحتاج اشتغالاً مضاعفاً «فالخامات دائماً متوافرة في هذا المجال. وقلت سابقاً، إن البحرين لديها من المواهب والكتّاب في مجال القصة ما يجعل منها خامة جيدة لتتصدر المشهد القصصي محلياً وتنافس عربياً. لكن هذا يحتاج إلى الإيمان بالعمل من أجل تشكيل هذه الخامة بالشكل الصحيح لتتصدّر».

ويشير الموسوي الى أهمية أن تضع الجهات الثقافية الأهلية والرسمية القصة القصيرة جداً ضمن أجندتها، فكل حراك من شأنه أن يجذب ويحفز هو حراك مبارك ومقدّر، وأن تكون هناك أكثر من جهة تهتم بهذا الأمر وتدفع به إلى الواجهة من خلال الملتقيات والمسابقات والورش وتحفيز المواهب وتبنيها.

ويرى القاص حسن بوحسن أن القصة القصيرة جداً قطعت مسافة طويلة لأن تكون جنساً أدبياً مهماً وحاضراً بشكل واسع من كتاب القصة من الجنسين ومن مختلف الأعمار؛ اذ إن هناك الكثير من رواد القصة القصيرة يكتبون الـ (ق ق ج) إلى جانب الكثير من الكتاب الشباب والمبتدئين الذين يمارسون كتابة هذا الفن الأدبي ويطلعون على كل ما هو جديد. موضحاً أن القصة القصيرة جداً ما تزال بحاجة إلى الكثير «فلا يجب أن يكتفي المعنيون فقط بتقديم النصوص والكتاب وإنما المطلوب اليوم أن يكون هناك توجه لعمل دراسات وبحوث علمية وأكاديمية ونقد أدبي لكل ما هو معروض اليوم في الساحة الأدبية».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً