العدد 5356 - السبت 06 مايو 2017م الموافق 10 شعبان 1438هـ

«الحمَّام العمومي» و«القبَّعة» لميخائيل زوشنكو*

ميخائيل زوشنكو
ميخائيل زوشنكو

مهدي عبدالله - قاص ومترجم بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

1 - الحمّام العمومي.

الحمّامات العمومية في أميركا، أيها الأخوة، يقال إنها ممتازة. المواطن، على سبيل المثال، يمشي داخلها ويلقي ثيابه في صندوق خاص ثم يذهب ليتحمّم. حتى أنه لا يقلق، على سبيل المثال، بأن حاجياته قد تضيع أو تسرق ولا حتى يهتم بتذكرة الدخول.

حسنا، ربما يتكلم بعض الناس من الأميركيين القلقين مع الموظف المناوب ويقولون: مرحباً. راقب حاجياتي، هل ستفعل؟ ببساطة مثل ذلك. وعندما ينتهي هذا الأميركي من الاغتسال ويعود ويلتقط ملابسه يجدها جميعها مغسولة ومكوية. الجوارب أكثر بياضاً من الثلج، بلا شك. السراويل التحتية كلها مخاطة ومرتقة. بعض الحياة!

نحن أيضاً لدينا حمّامات جيدة، لكنها أقل جودة. على رغم ذلك يستطيع المرء أن يغتسل فيها. هناك مشكلة واحدة فقط: التذاكر. توجّهت إلى أحد الحمّامات السبت الماضي (لا أستطيع على أية حال الذهاب إلى أميركا) وأعطوني تذكرتين، واحدة لملابسي والأخرى لقبعتي ومعطفي. لكن أين يستطيع رجل عار أن يحفظ التذاكر؟ بصراحة تامة: لا مكان، لا يوجد جيب أمام العين، فقط بطن ورجلان. إنها ليست نكته، فأنت لا تستطيع أن تربط التذاكر في لحيتك. ربطت تذكرة في كل رجل لكي لا أخسر كلتيهما مرة واحدة، وذهبت إلى الداخل. الآن التذكرتان ترفرفان على رجلي. المشي ليس متعة لكنني يجب أن أمشي. أحتاج صنبور ماء. كيف يمكنك أن تتحمم بدون صنبور؟ إنها ليست نكتة.

أبحث عن صنبور، ثم أرى مواطناً يغتسل بثلاثة صنابير. هو واقف في حوض، ويضع الصابون على وجهه في حوض ثان، ويتعلق على الحوض الثالث بيده اليسرى لكي لا يتم سرقته. أسحب الصنبور الثالث. أريده، كما ترى، لنفسي. لكن المواطن لا يتركه.

يقول: «ما الذي أنت عازم عليه»؟ «سرقة صنابير الآخرين! سأحطمك بصنبوري هذا». «تماما بين عينيك، وذلك سيحرم وجهك من الابتسامة»!

أرد عليه: « ذلك كان في أيام القياصرة. كان الناس يحطمون بالصنابير. غرور أنا أسميه، غرور واضح». «الناس الآخرون أيضاً يحتاجون للاغتسال. نحن لسنا في المسرح».

يدير ظهره ويستمر في التحمّم. لا فائدة من الوقوف فوق روح رجل مثله. أفعل ذلك وسيستمر هو في الاستحمام لثلاثة أيام متواصلة.

استمر في المشي. بعد ساعة واحدة يرفع أحد الأشخاص يده عن صنبور الماء. حلم يقظة، أخمّن، أو إنه ينحني لأخذ صابونة. على أية حال ظفرت بالصنبور. حصلت على الصنبور لكن ليس هناك مكان للجلوس والاستحمام واقفا لا أسميه استحماماً. إنه نكته. حسناً جداً. أقف على قدميّ الاثنتين. أمسك بالصنبور بيد واحدة وأغتسل. كل ما حولي سماوات رحيمة، إنه يوم الغسيل. أحد الرجال يغسل بنطاله، الآخر يفرك سراويله الداخلية، ثالث يعصر بعض ملابسه. مباشرة بعد أن تصبح نظيفاً، ربما تقول، إنك تغدو متسخا بالكامل مرة ثانية. الأوغاد يعرفون كيف يملؤون المكان بالفقاعات بصورة صحيحة. وكل هذا الغسيل يجلب ضجيجاً. يجعلك لا تشعر بالرغبة بالاغتسال. لا استطيع أن اسمع ما تفعله بالصابون. إنها ليست نكته.

ليذهبوا جميعاً إلى الجحيم، أفكر. سأنهي الاستحمام في البيت. أعود إلى غرفة تبديل الملابس. أعطيهم تذكرة ويناولوني ملابسي. كل شيء ملكي كما أرى باستثناء البنطال.

أقول: «بنطالي به فتحة هنا، لكن انظروا أيها الإخوة إلى الفتحة التي على هذه البناطيل»!

يرد الموظف: «نحن لسنا هنا لنهتم بفتحاتكم. نحن لسنا في المسرح».

حسنا أرتدي البنطال وأذهب لأخذ معطفي لكنهم لا يعطوني إياه. يريدون تذكرة. لقد نسيت تذكرتي ، إنها على رجلي. يجب أن أخلع ملابسي. أخلع البنطال وابحث عن التذكرة. ليس هناك. الخيط موجود ، مربوط على رجلي، لكن أين التذكرة؟ ذهبت. تم غسلها.

أمسك بالخيط. الموظف لا يأخذه. يقول: «لا استطيع أن أعطيك الملابس على أساس خيط. كل مواطن يستطيع أن يقطع بنفسه عدة خيوط. لن نستطيع أن نضع معاطف كافية. انتظر حتى يذهب كل الناس إلى بيوتهم وسأعطيك ما يتبقى». أقول له: «لكن أيها الرفيق أعطني معطفي على أساس الملامح المميزة له. أحد الجيوب ممزق والآخر مفقود وبالنسبة للأزرار، حسناً، هناك زر علوي لكني أشك بأنك ستجد أزراراً أخرى».

وهكذا استرجعت معطفي. والرجل حتى لم يأخذ مني الخيط. ارتديت ملابسي وخرجت من الحمام ثم تذكرت: لقد نسيت صابونتي. رجعت. لا يسمح لي بالدخول وأنا لابس معطفي.

يقولون: «اخلع معطفك». أرد عليهم : «لا استطيع أيها الإخوة أن أخلع ملابسي للمرة الثالثة. نحن لسنا في المسرح. على الأقل اعطوني ثمن الصابونة.» لا يعطونني شيئاً. ثم لا يفعلون شيئاً. أذهب بدون الصابونة.

ربما يرغب القارئ أن يعرف عن أي حمّام عمومي أتحدث. أين يقع هذا الحمّام؟ ما هو عنوانه؟ أي حمّام عمومي؟ هو أي حمام قديم، تذكرة دخوله تبلغ عشرة كوبيكات.

2 - القبعة

الآن فقط يستطيع المرء أن يفهم ويستوعب تماماً الخطوات العظيمة التي تقدمنا بها إلى الأمام في السنوات العشر الأخيرة. تأمل أي مظهر من مظاهر حياتك، لا شيء ترى سوى تطوراً تاماً ونجاحاً سعيداً.

وأنا أيها الأخوة، بصفتي عامل مواصلات سابق، أستطيع أن أرى بوضوح، على سبيل المثال، ماذا تم إنجازه في هذا الحقل المهم حقيقة.

القطارات تسير بسرعة إلى الأمام والخلف، وتم إزالة النائمين المتعفنين. أُصلحت الإشارات، الصفارات تنطلق في الأوقات الصحيحة. أصبح السفر فعلاً مبهجاً ومُرْضياً. بينما في الماضي! بالرجوع إلى العام 1918م، أنت تسافر وتسافر، ثم تفاجأ بتوقف تام. تسمع سائق القطار فوق، في مقدمته، يصرخ: أيها الأخوة، تعالوا إلى هنا! لذلك يتجمع الركاب. ثم يقول السائق لهم: أخشى إنني لا أستطيع أن أستمر في السير بسبب نفاد الوقود. ينبغي على كل واحد يرغب في مواصلة السفر، أن يقفز من عربته ويجري إلى الغابة لجمع حطب الوقود.

حسناً، الركّاب غير راضين. يحدثون ضجيجاً ويتذمرون. هذا الأمر بدعة جديدة، لكنهم بعد قليل يهبطون إلى الغابة ويتوغلون فيها. يقطعون الخشب وينشرونه. نشروا كمية من خشب الوقود وتحركنا. الحطب، ليس بحاجة إلى القول، أخضر. هسيس كالنار ويتوقف تقدمنا.

أتذكر حادثة أخرى. في العام 1919م كنا نتحرك بسرعة متوسطة تجاه لينينغراد. توقفنا في منتصف اللامكان، ثم سار القطار إلى الخلف ووصلنا إلى توقف تام.

تساءل الركّاب: لماذا توقفنا، ولماذا كل هذه الطريق باتجاه الخلف؟ هل نحتاج يا إلهي إلى خشب وقود؟ هل يبحث السائق عن أشجار البتولا؟ هل هناك ازدياد في عمليات قطع الطرق؟

رجل الإطفاء يوضح: هناك حادثة مؤسفة. لقد طارت قبعة السائق في الهواء وذهب يبحث عنها.

نزل الركّاب من القطار. جلسوا على الجسر. فجأة رأوا السائق خارجاً من الغابة، مكتئباً، شاحباً، هازاً كتفيه. لا، يقول: لم أستطع أن أجد القبعة. الشيطان يعرف أين استقرت.

سار القطار إلى الخلف مسافة 500 ياردة إضافية. تم تقسيم الركّاب إلى فرق بحث. بعد نحو 20 دقيقة صاح أحد الرجال الذي يحمل كيساً: ها هي هنا، أيها الشياطين! انظروا! وكانت هناك. قبعة سائق القطار. معلقة على شجرة.

ارتدى السائق قبعته، ربطها بخيط إلى واحد من أزراره لكي لا تطير مرة أخرى، وبدأ في الحصول على البخار. وبعد نصف ساعة أصبحنا في طريقنا بسلام.

نعم، المواصلات كانت قبل سنوات في حالة سيئة تماماً. لكن اليوم، حتى إذا طار مسافر في الهواء، فضلاً عن قبعة فقط، لن نتوقف أكثر من دقيقة واحدة. ولأن الوقت يمضي، يجب أن نستمر في الحركة.

* ميخائيل ميخائيلوفيتش زوشنكو (1895 - 1958) أديب روسي كان معارضاً للنظام السوفياتي، من قصصه «الحمّام العمومي» و«كهرباء» و«الأزمة» و«الحذاء الفوقي المطاطي» و«القبعة».

اللوحة من أعمال كريستيان سكلو
اللوحة من أعمال كريستيان سكلو






التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً