العدد 5358 - الإثنين 08 مايو 2017م الموافق 12 شعبان 1438هـ

أحكام الأسرة تتبع النظام المجتمعي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

النقل الأمين من أي كاتب وصحافي عمل دقيق ومهمة احترافية، ذلك لأن جانباً من الحقيقة يكمن في أمانة النقل للآراء والأفكار، كما عبّر عنها صاحبها وبمسئولية تبعاً لاعتقاده وقناعته ومبادئه.

أمانة النقل الصحافي علم ومهارة وخبرة متميزة، هكذا تُعلمنا التجارب، كما أن الأمانة تعبّر في مضمونها عن الالتزام بأصول المهنة الصحافية وميثاق شرفها وأخلاقياتها، حتى وإن تباينت المواقف ووجهات النظر بشأن المادة المنقولة للقارئ، فلا يحذف الرأي والفكرة المعروضة لمستوى الإلغاء، كما لا يشوّه الرأي والفكرة وتنشر بصورة متناقضة ومبتورة عن تسلسل سياقها العام.

مناسبة الحديث، هو محاضرتي الأسبوع الماضي مع زملاء لي بشأن «أحكام الأسرة» في حلقة حوارية نظّمها الاتحاد النسائي البحريني ضمن حملاته لمساندة إقرار قانون أحكام موحد للأسرة، وكان نصيبي تناول جزئية قوانين الأحوال الشخصية العربية، التي جاءت خلاصة اطلاع على مقالات ودراسات متعددة، منها دراسة «المرأة العربية والتشريعات»، عن مركز كوثر (2015). ولأن بعضهم أسقط هذه الجزئية من النشر وهو حر، فيما نشرها آخر بصورة تثير الشك والالتباس، كان لزاماً كتابة هذه المقالة التي تتناول أبرز المحاور التي عُرضت، تفادياً لأي تشكيك وتسطيح عند تناول الأفكار والآراء.

تطرقت الورقة إلى اجتهاد بعض الدول العربية في تعريفها القانوني للأسرة دون التدقيق في هيكلها ولا مكوناتها ولا وظائفها أو أهدافها، معتمدةً في ذلك على مرجعية الدين والأخلاق والوطن، وإن هذه القوانين بعضها يحدّد مسئولية الدولة في تحقيق حقوق المرأة ودعمها وتحمل مسئولياتها في المجتمع والأسرة، باستخدام عبارات «تضمن» أو «تكفل» أو «تحمي» أو «تحفظ» أو «تلتزم»، كما تضع هذه القوانين قيوداً للمبادئ الدستورية كـ»المساواة وعدم التمييز» في إطار صياغة النص الدستوري والقانوني، ترجعها إلى الشريعة الإسلامية أو إلى حجج كالأمن والأخلاق أو الطوائف والأديان.

ومنه فمهما تعددت تسميات القانون «قانون الأسرة، قانون الأحوال الشخصية، المدونة الأسرية.. إلخ»، فإن هذه القوانين تتبع النظام المجتمعي الذي يوزّع الأدوار والحقوق والواجبات بين الجنسين، والذي غالباً ما تحتوى أحكامه تنظيم هيكل الأسرة وإملاء وتيسير الأدوار والعلاقات بين أفرادها وليس حقوقها فقط، بل وخلصت الدراسة إلى أن بعضها يلغي أحياناً حقوقاً على رغم ارتباطها بمجالات أوسع من نطاق الأسرة هي حقوق المواطنة. كما توصلت بأن بعضها غالباً ما يتضمن مضمون نصه على مبدأ «المساواة» وعكسه «التمييز» في آن، ارتكازاً إلى التوزيع التقليدي لأدوار النساء والرجال وتبعاً للتنوع من بلد لآخر.

تونس والمغرب

إن مناقشة قوانين الأسرة والأحوال الشخصية العربية في الحلقة جاء انطلاقاً من المطالبات المحلية بالقانون الموحد، بمعنى أن المطالبة ليست بدعة أو استثناء، إذ تمت الإشارة إلى مراحل صدور القوانين العربية وتطورها وردود الأفعال المتباينة تجاه التقنين كما في تجربة المدونة المغربية، وعليه عرض تاريخ «مجلة الأحوال الشخصية» التونسية الصادرة في 13/8/1956 بعد الاستقلال، والتي مثلت حسب دراسات عدة ثورة على السائد بتضمنها أحكاماً تجمع بين الفقه الإسلامي والأفكار الإصلاحية، وقد تم تعديلها بين 1981 و1993 ولحد 2008، أما أبرز مميزات أحكامها فيتمثل بـ»لا تعدّد للزوجات، لا زواج قبل 18 سنة، منح القوامة للمرأة كما للرجل والطلاق بيد المحكمة وقد تلزم الزوجة بالنفقة مثل الرجل، وللزوجة حق الطلاق ولم تنص المجلة على الخلع، إجراءات صلحية قبل الطلاق وضبط لإجراءاتها، لا إجبار على الزواج، منع الزواج العرفي، تتولى المرأة تزويج نفسها، للأم الحاضنة صلاحيات في الولاية».

تناول العرض تباعاً «مدونة الأسرة المغربية» الصادرة العام 1957 والتي بسبب المطالبات جرت محاولات كثيرة لتعديلها بين 1961-1965 وفي 1974 لكنها فشلت، فيما شكّلت لجنة رسمية في 1981 لوضع مدونة جديدة وفشلت أيضاً لغياب الإجماع عليها، حتى نجح التعديل عام 1993 في سياق مشروع خطة العمل الوطنية الذي أثار ردود فعل قوية بين مؤيد ومعارض. في 2001 شكلت لجنة ملكية للتعديل الذي أعلن عنه «بقانون رقم 03-07 متضمن قانون الأسرة، وصادر برقم 22-04-1 بتاريخ 02/03/2004»، كما أشير إلى قانون الأسرة الجزائري المقر في 1981 والمعدل عام 2005، والسوداني والجيبوتي والموريتاني والليبي واليمني والتطرق لتفاصيل الوضع القانوني في الحالة الفلسطينية والسورية والعراقية والأردنية والمصرية ولبنان، ودول مجلس التعاون الخليجي.

الإنجازات ومكامن التمييز

لقد أحصى تقرير «المرأة العربية والتشريعات» أهم الإنجازات المتحققة في قوانين الأسرة العربية مقارنةً بتعهدات بعضها لمبادئ العدالة والمساواة المنصوص عليهما في دساتيرها، وأيضاً تجاه احترام التزاماتها الدولية المنبثقة عن مصادقتها على المعاهدات والاتفاقات الدولية، وهي تشتمل على أهم العناصر التي عرضناها كما في حالة الزواج، الذي تبين أن معظمها ينصّ على مبدأ الرضا في إبرام عقده، وتحديد سنه بـ18 سنة، كما في تونس والإمارات والجزائر وليبيا اللتان رفعتا السن إلى 19 سنة و20 سنة، وفي بعضها عدم اعتبار الولي ركناً في عقد الزواج إذ يحق للزوج والزوجة أن يتوليا تزويج نفسيهما كما في القانون التونسي والجزائري الذي يضع حدوداً لتدخل الولي وسلطته في إبرام الزواج. كذلك توثيق عقد الزوج رسمياً فضلاً عن المساواة بين الرجل والمرأة في وضع شروط الزواج بالعقد كما في القانون الإماراتي والمغربي والبحريني، وفي بعضها شرط حذف حكم طاعة الزوجة لزوجها.

في حالة النفقة على الأولاد حيث تتميز بعض القوانين العربية، بتمتع المرأة بمسئولية الإنفاق تجاه أطفالها مثل الأب، شرط غيابه أو إذا كان لها مال، وفي بعضها أيضاً الولاية الأسرية تشمل مجموعة من الحقوق والواجبات التي تكون للأولياء تجاه أبنائهم، كما أدرج بعضها مبدأ المساواة في إدارة شئون البيت وتربية الأطفال، لكن الولاية تبقي للأب عملياً حتى في القوانين المتطورة.

أما الإنجازات في واقع الطلاق فهي تختلف من قانون لآخر، وأهمها ما جاء به القانون التونسي الذي اشترط إتمام الطلاق بالمحكمة، وبعضها أدرج المساواة عند طلب الطلاق بالتراضي كما في المغربي والجزائري والليبي، ونصّ بعضها على المساواة في الطلاق بسبب الضرر أو وجود خلاف، كما منح بعضها حق التعويض عن الطلاق التعسفي كقوانين العراق والأردن وسورية.

في خلاصة الحلقة نوقشت مكامن التمييز في قوانين الأسرة العربية التي غالباً ما تتضمن نصوصاً وأحكاماً تكرّس التمييز بحجة حماية المرأة أو بسبب تعدد الأنظمة القانونية تبعاً للأديان والطوائف والمذاهب، إذ تقر هذه القوانين بمبدأ المساواة في إبرام عقد الزواج عبر الرضائية، ما يعني أن عقد الزواج يخضع بقوة القانون للمساواة في انحلاله وآثاره، وعلى رغم ذلك فقد خلصت دراسة «المرأة العربية والتشريعات» ومن خلال الأحكام المتعددة في القوانين؛ إلى وجود تناقض مع مبدأ الرضائية والعدالة العقدية عند انعقاد الزواج أو في آثاره أو انحلاله، وتتجلى حالات التمييز المستمرة في اختلاف معاملة الزوج والزوجة عند الطلاق من قانون لآخر، وأيضاً فيما ينظم الحقوق والعلاقات داخل الأسرة، وفي جواز خطبة وزواج «تزويج» البنت القاصر أو الزواج بالوكالة أو اعتبار الولي ركناً في عقد الزواج، وفي منع المرأة المسلمة الزواج بغير مسلم، وخضوع الزوجة لطاعة الزوج، وجواز تعدّد الزوجات، وحق الزوج في الطلاق بالإرادة المنفردة، وخضوع المرأة لحكم النشوز، أو طلب الطلاق بالخلع أو في الولاية الأسرية أو النفقة، وحق الميراث القانوني والشرعي، وكلها تشكل تحديات، كما هي تحديات ممارسة الأمانة في مهنة الصحافة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5358 - الإثنين 08 مايو 2017م الموافق 12 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:41 ص

      نتمنى من الدولة عدم الاستماع للطائفيين و إصدار قانون موحد يحمي المرأة و الطفل من بطش الطوائف

اقرأ ايضاً