العدد 5368 - الخميس 18 مايو 2017م الموافق 22 شعبان 1438هـ

الموسوي: منطقة الخليج تشكل أولوية للإدارة الأميركية الجديدة

الحضور يتابعون ندوة «وعد»
الحضور يتابعون ندوة «وعد»

قال الأمين العام السابق لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) رضي الموسوي: «إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وادارته الجديدة سيأتون الى الخليج العربي؛ بحثا عن مئات المليارات من الدولارات لإطفاء عجوزاتها في الموازنة العامة ولتقليص الدين العام الأميركي».

وأضاف الموسوي في ندوة قدمها في مقر جمعية وعد في أم الحصم، مساء الأربعاء (17 مايو/ أيار2017)، تحت عنوان «سياسة ترامب وانعكاساتها على دول المنطقة»، أن «منطقة الخليج تعتبر واحدة من مناطق أخرى في العالم تشكل اولوية للإدارة الأميركية؛ ذلك ان منطقة الشرق الاوسط تشكل الامتداد الطبيعي للمصالح الأميركية في الخليج، في حين تشكل كل من آسيا وأوروبا مناطق للنفوذ الأميركي ومصالحه».

وأردف «عندما صدرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفاز الرئيس ذو البرنامج الشعبوي دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، اصبح الرئيس الجديد امام استحقاق تنفيذ برنامجه الانتخابي المثير للجدل حتى في صفوف الحزب الجمهوري الذي ترشح باسمه، ويمكن تكثيف هذا البرنامج في عدة نقاط هي؛ طرد المهاجرين واقامة جدار عازل مع المكسيك، حيث يعتزم ترامب بناء جدار بطول 1600 كليومتر على طول الحدود المكسيكية؛ لوقف تدفق المهاجرين بتمويل كامل من المكسيك، لكنه وبعد فوزه لم يعد يعتبر بناء الجدار أولوية، كما تردد في تنفيذ وعوده بطرد أكثر من مليوني مهاجر «من ذوي السجلات الاجرامية»، بحسب وصفه، بيد أنه أصدر أول اوامره الرئاسية بمنع مواطني 6 دول عربية وإيران من دخول الاراضي الأميركية، لكنه واجه المؤسسة القضائية التي تحدته وأفشلت اوامره إلى حين».

وأكمل «إلى جانب ذلك انعزالية الاقتصاد وخفض الضرائب، إذ يعتزم دونالد ترامب إعلان نيته إعادة التفاوض بشأن اتفاق أميركا الشمالية للتجارة الحرة، وانسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ. وعلى الرغم من التوترات مع حزبه، تعهد ترامب بالعمل مع الكونجرس لتقديم خطة اقتصادية من شأنها خلق 25 مليون فرصة عمل على مدار 10 سنوات، وذلك من خلال خفض الضرائب الكبيرة على الطبقة المتوسطة والشركات، وقد سجلت نسبة البطالة انخفاضا ملحوظا عندما تقلصت من نسبة 4.6 في المئة في شهر نوفمبر2016 وتراجع عدد العاطلين بمعدل 387 ألف ليصل عددهم لـ 7.4 ملايين شخص، إلى نسبة 4.4 في المئة في ابريل الماضي».

وواصل «ومكافحة الارهاب والسماح بالتعذيب، حيث ذهب ترامب بعيدا في هذا البند، فتحت شعار مكافحة الإرهاب، دعا إلى السماح بتعذيب المتهمين به، بل وطالب بقتل أسر الإرهابيين بذريعة ردع الجهاديين المحتملين».

وأفاد الموسوي «وفي السياسة الخارجية، فقد أعلن عن تدفيع الحلفاء ثمن حماية اميركا لهم، فقد دعا ترامب حلفاء اميركا بأن يدفعوا المزيد من الأموال من أجل أمنهم الخاص، وهدد بالخروج من حلف الناتو، كما وجه جام غضبه إلى منطقة الخليج وقال انها منطقة ينبغي عليها دفع الاموال مقابل حمايتها.، وبالنسبة لتنظيم داعش، فقد كان واعيا لحجم الدور الروسي في سورية، فأكد على التعاون معها في الحرب التقليدية والالكترونية والمالية والايدلوجية، لكنه أكد أيضا على اولويته المتمثلة في القضاء على ما اسماه «الاتفاق الكارثي» مع إيران بشأن برنامجها النووي».

وتابع «كما تحدث ترامب عن نهاية مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تعهد الرئيس الجديد بالعمل على الغاء اتفاقية باريس حول المناخ ووكالة حماية البيئة، وقال انه سيتوقف عن دفع مليارات الدولارات إلى الأمم المتحدة لبرامج مكافحة تغير المناخ، كما سيرفع القيود المفروضة على إنتاج الوقود الاحفوري، هذه العناصر جاءت بالإضافة إلى بنود اصلاح التعليم والتخلص من برنامج اوباما الصحي ومنع الاجهاض وغيرها من القضايا الانتخابية المتكررة».

وأشار الى أن «شعار «جعل أميركا عظيمة مجدداً»، الذي رفعه ترامب يعيد إلى الاذهان صورة أليكساندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ووزير خزانتها الأول (1789-1795)، والذي تبنى شعار «العظمة الوطنية» لبناء الولايات المتحدة الناشئة بعد نيلها الاستقلال من بريطانيا، وقد كان هاميلتون من أوائل الذين وضعوا أسس النظرية القومية في الاقتصاد، فهندس الاقتصاد الأميركي على أسس حمائية، وشدَّدَ على وجود حكومة مركزية قوية تتحكم بسياسات البنك المركزي، وتدعم الشركات وتشجع الصناعات المحلية، وتستثمر في البنية التحتية، وتفرض تعريفات جمركية عالية على المصنعات المستوردة لحماية المنتج الأميركي من المنافسة الأجنبية، وفق استاذ الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة بيرزيت طارق دعنا، والذي يشير ايضا إلى ارتكاز رؤية هاملتون على بناء اقتصاد حمائي كأساس لبناء الدولة الأميركية، بينما يسعى ترامب إلى «ضرورة إعادة بناء الاقتصاد الأميركي واسترجاع عظمتها السياسية»، هذا القول يؤصل إلى مقولة «القرن الأميركي» بحسب بول كينيدي في كتابه الاعداد للقرن الواحد والعشرين الذي كتبه نهاية ثمانينات القرن الماضي، ويشير فيه إلى ان الخبراء وجماعات الضغط يخوضون جدلا حاميا حول الانتصار في الحرب الباردة، بينما يذهب بعض النقاد للكشف عن المشاكل مثل الديون، الانحطاط الاجتماعي والتربوي، انخفاض متوسط مستوى الحياة، تآكل موقع الصدارة الذي تحتله الولايات المتحدة اقتصاديا، والتواجد العسكري في الخارج الذي تجاوز المعقول إلى حد بعيد، لقد اشار بول كينيدي إلى مسالة التواجد العسكري على مستوى عالمي ولفت إلى وجود تساؤلات كبرى حول سحب القوات الأميركية من اوروبا، فيما شكك استراتيجيون في فائدة القوة العسكرية أصلا، كون الولايات المتحدة لا تواجه خطر الاسلحة النووية، بل اخطار البيئة وفقدان القدرة التنافسية على الصعيد الاقتصادي».

وأضاف «يؤكد كينيدي الذي ألف كتاب «صعود القوى العظمى وسقوطها»، على انه «لن تتمكن القوة الكبرى من الحفاظ على موقعها إلى ما لانهاية اذا كان اقتصادها يعيش انحطاطا نسبيا»، ويبدو أن كينيدي يتنبأ بمصاعب جمة للاقتصاد الأميركي قد تقود أميركا إلى التراجع عن الصدارة، فالدين العام الأميركي بلغ مستويات كبيرة ببلوغه في اكتوبر الماضي 19.867 تريليون دولار، بحسب وزارة الخزانة الأميركية، ومن المتوقع له ان يصل إلى 21.5 تريليون دولار في شهر سبتمبر المقبل، حيث يشكل هذا الدين ما نسبته 106 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي البالغ اكثر من 18 تريليون دولار بقليل، بينما كانت نسبته في العام 1916، أي قبل مئة عام، 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وكان الدين العام حينها لا يتجاوز 3.6 في المئة».

وبيّن أن «بناء الجدران والأسوار العازلة بعد عقدين ونصف من العولمة التي كان عنصر ارتكازها منظمة التجارة العالمية التي وقعت في المغرب عام 1995، والتي هدفت إلى فتح الأسواق وتحرير التجارة العالمية، يعني إعادة تركيب الخارطة الجيوسياسية والاقتصادية للعالم، فهل بمقدور الرئيس الأميركي إعادة صوغ هذه الخريطة وفق ما بشر به في برنامجه الانتخابي؟».

وأردف «كما شعار «اميركا عظيمة مرة أخرى»، قد تم رفعه أيضا بعيد التوقيع على تأسيس منظمة التجارة العالمية، حينها قال نائب الرئيس الأميركي آنذاك، آل غور: «نريد توسيع الطبقة الوسطى في العالم»، بمعنى آخر: نريد بيع منتجاتنا وليس منتجات الصين ودول العالم الثالث، لكن الطبقة الوسطى لم تتوسع، في البلدان العربية على الأقل، بل تآكلت في أكثر الدول التي تتمتع بثروات طبيعية واقتصاد ريعي، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتزامن، في منتصف التسعينات، طرح سؤال مركزي في الولايات المتحدة الأميركية: كيف تستمر اميركا في قيادة العالم والسيطرة عليه في القرن الواحد والعشرين؟».

وذكر أن «العلاقات الأميركية الخليجية تعود إلى أكثر من 70 عاما عندما التقى الملك عبدالعزيز بن سعود مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945 ووقعا على اتفاقية بين البلدين تتعهد فيها الولايات المتحدة الأميركية بحماية السعودية مقابل النفط والدعم السياسي، لكن الوجود الأميركي سبق هذا اللقاء بعيد اكتشاف النفط في البحرين عام 1932، ووصول شركة «ستاندرد أويل» النفطية».

وقال: «وقد تطورت العلاقات باطراد، فكانت السعودية ودول المجلس الاخرى تصدر النفط الخام للولايات المتحدة طوال العقود الماضية، رغم تراجع استيراد اميركا للنفط الخليجي وخصوصا السعودي الذي تراجع تصديره لأميركا في الاونة الاخيرة إلى مليون برميل يوميا، لأسباب عديدة منها انتاج كميات كبيرة من النفط الصخري، وزيادة توجه السعودية للتصدير إلى آسيا وخصوصا الصين، لكن المصالح الاستراتيجية ضاربة في العمق، حيث تتمتع المنطقة باحتياطي نفطي يبلغ 54 في المئة من احتياطي النفط العالمي، ولا يمكن للولايات المتحدة التخلي عن وجودها في المياه الخليجية الدافئة».

وتابع «وفي حقل التجارة يبلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي قرابة 196 مليار دولار في العام 2014، تشكل الواردات السعودية منها نحو 55 في المئة، وتتواجد في بلدان مجلس التعاون الخليجي مئات الشركات الأميركية التي تعمل في حقول الطاقة والتكنولوجيا والبنى التحتية، كما يتواجد في الخليج آلاف من الجنود الاميركان موزعين في 18 قاعدة عسكرية برية وجوية وبحرية».

وأفاد الموسوي «لقد مرت العلاقات الخليجية الأميركية بفترة ارباك قبيل وبعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، إذ تباينت المواقف بين الادارة الأميركية التي يقودها انذاك باراك اوباما وبين اغلب دول مجلس التعاون الخليجي التي وجدت في التوصل إلى اتفاق مع طهران انتصارا للتشدد الإيراني، وبعد مجيء ترامب إلى سدة الرئاسة تقاربت المواقف ازاء الملف النووي الايراني، حيث يرى ترامب ضرورة الغاء الاتفاق ومعاقبة إيران على تدخلها في الشئون الداخلية ودعمها الإرهاب، وفق الادارة الأميركية».

وتساءل «ماذا تريد الادارة الأميركية من الخليج؟»، وأجاب «تبحث الادارة الأميركية الجديدة عن مئات المليارات من الدولارات لإطفاء عجوزاتها في الموازنة العامة ولتقليص الدين العام المنفلت من عقاله والذي أصبح من الصعب السيطرة عليه، وحيث ان الدول الخليجية تتمتع باحتياطيات نقدية، فإن ادارة ترامب سوف تطلب من دول التعاون وخصوصا الاكثر غنى باستثمار اموالها في الولايات المتحدة، لتحقيق عدة اهداف اهمها توفير فرص العمل وايجاد المبالغ اللازمة لتسديد الديون وإصلاح البنى التحتية والتعليم والصحة. وقد صرح رأس الادارة الأميركية ان قيام القوات الأميركية بحماية أي بلد تتطلب منه دفع الاموال اللازمة لهذه الحماية».

وتابع «في الجانب الآخر وحيث تشتعل المنطقة بحروب تدميرية، فإن اعادة اعمار سورية والعراق واليمن بعد توقف الحرب يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات للقيام بهذه المهمات، ولاشك في ان نصيب الاسد سيذهب للشركات الأميركية وفق معادلة توازن القوة، وبحسب رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، تصل كلفة اعادة اعمار الدول الاربع التي تعاني من الحروب: سورية، اليمن، العراق وليبيا، إلى تريليون دولار».

وواصل «في القمم الثلاث التي سيعقدها الرئيس الأميركي سيكون موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني حاضرا وبقوة، مقابل تجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس والجلوس إلى طاولة المفاوضات بين قادة الكيان والسلطة الفلسطينية، كما قد يطرح ترامب مسألة يهودية الدولة والقدس عاصمة أبدية للكيان، وهذا ما يفسر دعوة بعض الزعماء العرب وزعماء الدول الاسلامية لعقد قمة مع ترامب».

وشدد الموسوي على أن «مجيء ترامب رئيسا لأميركا لم يكن صدفة، فثمة حاجة لمواجهة الارث المتعاظم من المشاكل والأزمات التي بدأت تضعف الموقع القيادي لأميركا في العالم، حيث لايزال الاقتصاد الأميركي هو الاكبر عالميا رغم الوهن والمرض، ويأتي بعده مباشرة الاقتصاد الصيني المتوثب للصدارة المتوقع نيلها بعد عقود قليلة، ولمواجهة هذه الحالة، لم يتردد الرئيس ترامب في الافصاح عن بعض الازمات التي تؤرق إدارته في وجه الحلفاء، فقد خلط كلفة التواجد العسكري في الخارج بحجم الدين الفيدرالي الذي ورثه من رؤساء سابقين وقذف بالمنتج الجديد في وجه الدول الأخرى، وقال لها ان الدين العام الأميركي 20 تريليون، وان على دول الخليج ان تدفع حصتها، في اساءة صارخة لدول مجلس التعاون، ويبدو ان الرئيس الأميركي بدأ في فتح الدفاتر القديمة بفواتيرها، عندما ارسل البيت الابيض 1500 طائرة ونحو نصف مليون جندي لمواجهة القوات العراقية التي احتلت الكويت في صيف 1990، بيد أن فواتير حرب الخليج الثانية قد تم دفعها بالكامل».

وأوضح أن «توجهات الادارة الأميركية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي تتركز في اثارة المزيد من الهلع والخوف من الحاضر والمستقبل، وبعض من التصريحات الأميركية تحمل تهديدات مبطنة للمنطقة، ما يشكل حالة استنزاف مستمرة تضاف لما تعانيه دول المنطقة من عجوزات في الموازنات العامة وديون عامة وبدء ارتفاع نسب البطالة وتآكل مستوى الاجور وضمور الطبقة الوسطى وتزايد مشكلة الاسكان وتحديث البنى التحتية التي تتعرض للضغط بسبب العمالة الوافدة المتزايدة بصورة غيرت الملامح الديمغرافية لبلداننا».

وختم الموسوي ان «الحصول على الامن مسألة ضرورية ولا جدال فيها، وهذه تأتي من التلاحم الداخلي بين مكونات المجتمعات الخليجية والسير نحو الوحدة الخليجية بطريقة عصرية قادرة على مواكبة التحديات وإشاعة السلم الاهلي والاستقرار الاجتماعي بالانفتاح على الداخل الخليجي ومناقشة المشاكل مع مواطنيه من أجل وضع الحلول الجامعة وتأسيس دولة العدالة والمساواة ومغادرة عقلية الغنيمة واستبدالها بعقلية الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التي من شانها حماية بلداننا ومجتمعاتنا من أي تدخلات خارجية».

الموسوي (يسار) خلال حديثه في ندوة «وعد»
الموسوي (يسار) خلال حديثه في ندوة «وعد»

العدد 5368 - الخميس 18 مايو 2017م الموافق 22 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً