العدد 5370 - السبت 20 مايو 2017م الموافق 24 شعبان 1438هـ

مسئولة «سياسات النقل والتكنولوجيا» في البــنك الدولي لـ «الوسط»: لا خيار للحكومات إلا بالانتقال من «الحكومة الإلكترونية» إلى «الــحكومة الرقمية»... ونسعى لمساعدة البحرين

«الحكومة الرقمية» تسهم في تحسين جودة الحياة عبر «رقمنتها» بالكامل... وتوليد فرص عمل

مسئولة النظم والسياسات لقطاع النقل وتكنولوجيا المعلومات في البنك الدولي سامية ملحم تتحدث إلى «الوسط» - تصوير أحمد ال حيدر
مسئولة النظم والسياسات لقطاع النقل وتكنولوجيا المعلومات في البنك الدولي سامية ملحم تتحدث إلى «الوسط» - تصوير أحمد ال حيدر

المنامة - منصور الجمري، محمد العلوي 

20 مايو 2017

أكدت مسئولة النظم والسياسات لقطاع النقل وتكنولوجيا المعلومات في البنك الدولي سامية ملحم، استعداد البنك لمساعدة مملكة البحرين في إنشاء وتطوير المحتوى الرقمي المفيد للناس والمرتبط بمشروعات التنمية المستدامة، والتمهيد للانتقال من «الحكومة الإلكترونية» إلى «الحكومة الرقمية».

وقالت ملحم في حوار موسع مع «الوسط»: «لا توجد لدينا حالياً أية مشروعات في البحرين في هذا المجال، وفي الحقيقة نحن نحاول أن يكون عملنا بناءً على الطلب، فلا نريد فرض حلولنا. وفي حال رغبت حكومة البحرين بالحصول على خدمات فنية واستشارية من البنك الدولي، فبإمكانهم تقديم طلب بهذا الأمر».

في الإطار ذاته، أكدت ملحم أن «لا خيار ثانياً لدى دول العالم اليوم إزاء التحول الرقمي، والذي يعني بالنسبة للحكومات الانتقال من عهد الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الرقمية»، ولفتت إلى حاجة هذا الانتقال الرقمي إلى مشروعات استراتيجية مترابطة، وذلك بمشاركة القطاعين العام والخاص والمجتمع.

وفي الحوار الذي جاء استثماراً لتواجد مسئولة البنك الدولي في مملكة البحرين، للمشاركة في المؤتمر الخامس عشر للتنمية المستدامة، والذي اختتم يوم الخميس الماضي (18 مايو/ أيار 2017)، عرفت ملحم الحكومة الرقمية، بالقول: «الحكومة الرقمية هي نسخة متقدمة من الحكومة الإلكترونية، ولها علاقة بدورة حياة المواطنين، تبدأ من لحظة ولادة الفرد إلى وفاته، وفيها تقوم كل المعاملات على التقنية الرقمية من الولادة إلى الذهاب للمدرسة إلى الزواج وإنجاب الأبناء والتقدم في العمر. كل هذه الأمور هي جزء من الحكومة الرقمية».

وأضافت أن «مفهوم الحكومة الرقمية يعني النظام الواحد المتكامل بحيث تكون كل قواعد المعلومات مترابطة وموجودة في منصة واحدة».

وفيما يتعلق بالمنافع التي يمكن أن تعود على دولة مثل مملكة البحرين، جراء الانتقال لعهد الحكومة الرقمية، قالت: «إلى جانب تحسين الخدمات وجودتها، فإن من ضمن ما يتطلبه هذا الانتقال، إدخال البيانات وفحص دقة المعلومات وجودتها، مما يكسب الشباب مهارات كثيرة، تمكنهم لاحقاً من الالتحاق بوظائف أخرى. وفي الوقت الحالي، هناك آلاف الوظائف عبر الإنترنت، وهناك العديد من الوظائف الإلكترونية التي يمكن للشباب البحريني الانخراط فيها، مما يوفر خبرة رقمية للبلاد تمكنها من الانتقال إلى الخطوة اللاحقة»، وعززت ذلك بالقول: «في كوريا الجنوبية مثلاً، استغرقوا 10 سنوات لرقمنة المحتوى الورقي، وهو ما خلق فرص عمل كثيرة في مجال إدخال البيانات، وفحص الجودة».

وبشأن الهواجس إزاء مصير الموظفين التقليديين في حالة الانتقال للعهد الرقمي، قالت ملحم: «ليس من الضروري الاستغناء عن الموظفين الحاليين»، وأضافت «صحيح أن الموظفين الحاليين قد يفتقرون لبعض المهارات الرقمية، إلا أن لديهم خبرة كبيرة في مجال الإدارة العامة، والتي يفتقدها الموظفون الجدد، فالأفضل أن يكون لدينا مزيج من الجيل الرقمي ومن الموظفين الحاليين الذين ينبغي إعادة تدريبهم».

وتابعت «مما لا شك فيه أن طبيعة الوظائف في تغير وإن كان هذا التغير بطيئاً. لكن ينبغي على الحكومة إبلاغ موظفيها بأهمية التدريب. وهنا لدينا ما يسمى «التدريب مدى الحياة». وهنا في البحرين، فإن خريجي الجامعات، الجدد، يمكن أن يشغلوا وظائف كثيرة لكن لابد من خلق هذه الوظائف أولاً من خلال مشروعات البنية التحتية الرقمية وليست التقليدية. مثل هذه المشاريع تستغرق نحو عشر سنوات أو 15 سنة، وعليه لابد لنا من البدء».

واستمراراً للحديث عن البحرين، وما تحتاجه لبدء عملية الانتقال إلى الحكومة الرقمية، قالت: «بداية ينبغي أن يكون التحول متماشياً مع رؤية البحرين 2030. فيمكن البدء بالاستشارة مع القطاع الخاص والمجتمع لتحديد الخدمات الأكثر إلحاحاً كالتعليم والصحة والإسكان. وهذا ما يجلب الثقة للمواطن حين يرى أن كل المعاملات تتم عبر الإنترنت كالإعلان عن فرص العمل والمناقصات وغيرها، ولكنه سيلجأ إلى الموظف للتوقيع أو للتحقق من هويته. الأهم هنا هو تلبية أكثر الاحتياجات إلحاحاً من قبل الغالبية من خلال تبسيطها وتحديثها ورقمنتها، كي يتمكن المواطن من التواصل مع الحكومة بشكل أسرع وأسهل».

وعلى صعيد التحول الرقمي، امتدحت ملحم تجارب عربية، من بينها دبي التي اعتبرتها «الأسرع تحولاً في هذا المجال»، كما نوهت بتجارب كل من مصر والأردن وتونس.

خليجياً، قالت ملحم: «تمتلك دول الخليج الكثير من الموارد. وهم يحاولون الاستفادة من الخبرات العالمية، تحتل دبي وأبوظبي والبحرين وقطر موقع الصدارة، فيما يحاول الآخرون اللحاق بهم».

وفيما يلي نص اللقاء:

لننطلق في بداية اللقاء من دعم البنك الدولي لمملكة البحرين، تحديداً في القطاع الصحي، لنشير إلى عمل البنك الذي بدأ يأخذ حجماً أكبر في منطقة الخليج، ولنسأل: عن معايير اعتبار المشروع تنموياً على المدى الطويل وعما إذا كان بحاجة لخبرتكم أم لا؟

- أود قبل الشروع في الإجابة التعبير عن سعادتي الكبيرة لوجودي في البحرين. هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها البحرين خلال العشر سنوات الماضية. ويمكنني ملاحظة التغيرات التي حدثت في مجال التطور المدني والعمراني والمؤسسات.

وجواباً على سؤالكم، أقول: في الحقيقة نحاول أن يكون عملنا بناءً على الطلب، فلا نريد فرض حلولنا. لذا نحاول العمل في الدول الفقيرة والتي لا تشمل البحرين بطبيعة الحال. نتواجد في إفريقيا وآسيا في الدول الأقل نمواً، لكننا موجودون أيضاً في الدول ذات الاقتصاديات المتوسطة والنامية للقيام بدور فني واستشاري بناءً على طلب تلك الحكومات. وفي حال رغبت حكومة البحرين بالحصول على خدمات فنية واستشارية من البنك الدولي، فبإمكانهم تقديم طلب بهذا الأمر. كما أن علاقاتنا تشمل السعودية والكويت والتي قدمنا فيها خدماتنا الاستشارية في مجال خلق فرص العمل في قطاع المعلومات والاتصالات، وفي كيفية إنشاء المناطق الإلكترونية كما نسميها، وكيفية دمج التكنولوجيا في برامج الجامعات، إلى جانب تحديث التعليم الجامعي ليشمل مهارات تقنية خاصة تتعلق بالتوظيف. وقد وصلني هذا السؤال في الحقيقة من الجامعة الأهلية: كيف يمكننا تحديث برامجنا؟ وما هي الدرجات أو المقررات الفنية المعمقة التي ينبغي على الجامعة توفيرها حتى يتمكن خريجو الجامعة من الحصول على وظيفة مناسبة وبراتب جيد. وهذا السؤال يردده الكثيرون هنا في منطقة الخليج.

نحن هنا في الخليج نميل إلى الاعتماد على الاقتصاد القائم على النفط، وكي نتمكن من الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، توجد متطلبات معينة لهذا التحول. هل يمكن أن تذكري لنا بعض هذه المتطلبات؟ هل هو التخطيط الاستراتيجي؟ وما هي المهارات اللازمة التي مكنت دولا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة من تطوير اقتصادها؟

- هذا السؤال يدور في أذهان كل الحكومات التي تسعى لتحقيق رؤيتها للعام 2030. في البحرين هناك ثلاث ركائز رئيسية تتماشى إلى حد كبير مع بعضها البعض. حين تنظر إلى الاقتصاد القائم على الخدمات في دول مثل كوريا الجنوبية أو سنغافورة كأمثلة جيدة في هذا المجال، والتي كانت دولاً فقيرة قبل خمسين سنة مضت، لتشهد تغييرات متسارعة في السنوات الأخيرة. لقد وضعوا هدفاً نصب أعينهم وسعوا لتحقيقه، أما كوريا فكان هدفها يتمثل في التكنولوجيا والتصنيع، فيما كان هدف سنغافورة التكنولوجيا والخدمات، القائم في أغلبه على التصدير كدولة صغيرة.

في الخليج بدأت بعض الدول التفكير في هذا الأمر كدولة الكويت والمملكة العربية السعودية كما ذكرت سابقاً. أعتقد أن التحول الرقمي هو المطلوب لهذه الدول، لكن العالم العربي يفتقر حقاً إلى الخبرة في البرمجة، وتطوير البرمجيات، قواعد المعلومات وإنشاء المحتوى باللغة العربية. نحن مستهلكون جيدون للمحتوى في دول مثل لبنان والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية.

وتشير الإحصائيات الخاصة باستخدام الهواتف الذكية إلى أن دولاً كالبحرين والإمارات تعد من أعلى الدول استخداماً لهذه الأجهزة، بما يزيد على 100 في المئة. وبالتالي فإن الأجهزة والأدوات متوافرة ويمكن لهذه الدول المضي قدماً نحو الأمام، لكن ما هي الخطوة القادمة؟

- إن الدول التي حققت قفزات عالية، قد انتقلت من مرحلة الاستخدام إلى الإنتاج. لذا بالنسبة لدولة كالبحرين أو دول الخليج، ما الذي يمكنها إنتاجه في المرحلة الأولى من حيث الابتكار التقني؟ أعتقد أن إنتاج المحتوى الرقمي يأتي في المقام الأول. وهذا المحتوى لا يمكن إنتاجه بالهند مثلاً لأنهم لا يتحدثون اللغة العربية. المحتوى الحالي في العالم العربي جيد مثل المحتوى المستخدم في التعليم والذي يمكن تحويله إلى تعليم إلكتروني. وكذلك المحتوى الرقمي الحكومي في مجال الخدمات والمعاملات، لكن بقي الكثير منه قائماً على الورق.

في كوريا مثلاً، استغرقوا 10 سنوات لرقمنة المحتوى الورقي، وهو ما خلق فرص عمل كثيرة في مجال إدخال البيانات، وفحص الجودة.

هل يعني هذا أن إنتاج المحتوى الرقمي، من شأنه استقطاب الكثير من العاطلين عن العمل وتدريبهم على عملية إدخال البيانات وفحص جودة المحتوى وغيرها، ليسهم هذا بدوره في توفير فرص عمل كثيرة حتى لو كانت منخفضة المستوى؟

- هذا صحيح، ولابد من البدء بالمستوى المنخفض لأننا نتحدث هنا عن المعرفة الرقمية، بحيث يبدأ الشاب بإدخال البيانات أو وضع المعالم السياحية على الخرائط، أو ما نسميه بالاستعانة بالجمهور في إعداد الخرائط كمنصة للجميع.

فمثلاً لو قامت الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص لإنشاء منصة تحتوي على المعالم السياحية التاريخية، ومقتنيات المتحف، كل هذا يتطلب إدخالاً للبيانات وفحصاً لدقة المعلومات وجودتها مما يكسب الشباب مهارات كثيرة، تمكنهم لاحقاً من الالتحاق بوظائف أخرى.

في الوقت الحالي، هناك آلاف الوظائف عبر الإنترنت، وليست مقتصرة على الموظفين في البحرين أو قطر مثلاً، بل قد يكونون من الولايات المتحدة الأميركية، كندا، الهند أو حتى الصين. فلم تعد الوظائف الحكومية تقليدية تبدأ من سن الخامسة والعشرين حتى سن التقاعد بفضل هذه الثورة التقنية. فهناك العديد من الوظائف الإلكترونية التي يمكن للشباب البحريني الانخراط فيها، مما يوفر خبرة رقمية للبلاد تمكنها من الانتقال إلى الخطوة اللاحقة.

هل يمكن الإشارة إلى أية دولة في العالم العربي حققت خطوات للأمام ويمكننا الاستفادة منها؟

- يمكن الإشارة هنا إلى الأردن ومصر اللتين بدأتا منذ وقت طويل قبل النمو الخليجي. بدأتا بشكل جيد قبل 15 عاماً فيما يسمى بالحكومة الإلكترونية والتي نطلق عليها الآن الحكومة الرقمية. بدأوا يكتسبون خبرات كبيرة في مجال قواعد المعلومات، لكن تراجعت مصر كثيراً بعد أحداث الربيع العربي للأسف. كما حققت تونس تقدماً أيضاً في مجال الأمن الشبكي أو الإلكتروني الذي نفتقر له كثيراً في العالم العربي. فنحن نواجه اليوم تحديات كبيرة تتمثل في عمليات الاختراق والهجمات الإلكترونية من مختلف أنحاء العالم سواء من مجرمين عالميين أو محليين.

كذلك نحن بحاجة أيضاً إلى إعداد محامين ومؤسسات مختصة بجرائم الأمن الإلكتروني ويمكنها سن القوانين التي تحد من هذه الجرائم. أعتقد أن هذه هي الخطوة القادمة التي نحتاج إليها لكننا نفتقدها تماماً في منطقة الشرق الأوسط. يمكن القول إن بعض الدول كالأردن ومصر وتونس لبنان إلى حد ما قد بدأوا مرحلة التأسيس.

وماذا عن دبي؟

- دبي هي الأسرع تحولاً في هذا المجال، فهي تتمتع بعناصر ثلاثة مهمة هي القيادة، وفرة الموارد وحكومة صغيرة الحجم مثل سنغافورة. فهم يمتلكون كل مقومات النجاح.

هل يمكن عقد مقارنة بين دبي والأردن، في ذلك؟

- من حيث الموارد، نعم. فدول الخليج تمتلك الكثير من الموارد. وهم يحاولون الاستفادة من الخبرات العالمية، أما الأردن فقد تتأخر قليلاً بسبب العديد من المشكلات. وخليجياً، تحتل دبي وأبوظبي والبحرين وقطر موقع الصدارة، فيما يحاول الآخرون اللحاق بهم.

لنسأل هنا عن الفرق بين الحكومة الإلكترونية والحكومة الرقمية؟ وكيف يمكن التفريق بينهما؟

- الحكومة الرقمية هي نسخة متقدمة جداً من الحكومة الإلكترونية، إذ لم تعد الحكومة هي اللاعب الوحيد بل تشاركها القطاعات الخاصة، ولها علاقة بدورة حياة المواطنين، تبدأ من لحظة ولادة الفرد إلى وفاته. كل المعاملات تقوم على التقنية الرقمية من الولادة إلى الذهاب للمدرسة إلى الزواج وإنجاب الأبناء والتقدم في العمر. كل هذه الأمور هي جزء من الحكومة الرقمية.

هل يمكننا تلخيص الفرق بين الحكومة الإلكترونية والرقمية للقول إن الحكومة الإلكترونية هي نافذة تطل على الخدمات الورقية، فيما الحكومة الرقمية هي دخول الرقمنة في كل أجزاء المنزل وكل جوانب الحياة؟

- نعم، فعندما كنا نتحدث عن الحكومة الإلكترونية، كانت النظم ورقية بمساعدة تسهيلات إلكترونية، لكن هذه النظم أصبحت اليوم أكثر ذكاءً وأكثر سعة وترابطاً، وتعتمد على البيانات الضخمة جداً. الحكومة الرقمية هي القادرة على معالجة وتحليل المعلومات الكبيرة جداً والتنبؤ، مثلاً، بعدد الأطفال الذين سيذهبون للمدارس الابتدائية، وعدد الخريجين والباحثين عن الوظائف. لم تكن هذه الأمور موجودة خلال فترة الحكومة الإلكترونية.

قرأنا مؤخراً عن تكنولوجيا «بلوكشين» Blockchain أو تقنية صوامع المعلومات المترابطة بسلاسل الثقة. وقد سمعنا أن البنك الدولي يساعد بعض الدول على تقديم هذه التكنولوجيا كمتطلب أساسي للتحول الرقمي. هل لديكم العزم على تقديم هذه التقنية للبحرين للتحول من الحكومة الإلكترونية إلى الرقمية؟

- تقنية «بلوكشين» مازالت في طور التجريب، وهي تمكن المستخدم من التحول إلى الحالة الرقمية مع الاهتمام بأمن المعلومات، وكيفية انتقالها من النقطة ألف إلى النقطة (باء). وفي الوقت الذي تتحول فيه الحكومات إلى الحالة الرقمية، فإن هذه الحكومات عادة ما تكون لا مركزية، وبالتالي فقد تطورت تكنولوجيا «بلوكشين».

لدينا مثال «المدينة الذكية» وهي تقوم على الكثير من المعلومات والبيانات الضخمة Big Data التي تتدفق بين العديد من الأطراف المختلفة في الحكومة الرقمية، ما نريده هو الانتقال الآمن لهذه المعلومات ويقتصر على أطراف محدودة. هذه هي تقنية «بلوكشين» وهي تبدو جيدة جداً لكنها مازالت في طور الاختبار وخصوصاً في مجال السجلات الرقمية كسجلات المسح العقاري، وهي تقنية واعدة كأحد الأساليب الاستراتيجية للأمن الإلكتروني.

عطفاً على كل ذلك، يبدو أن لا خيار لدينا في الانتقال من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الرقمية بحيث يكون للمعلومات دور محوري في كل مناحي الحياة؟

- هذا صحيح، فحين ظهرت الحكومة الإلكترونية قبل 15 عاماً، قامت كل جهة بتنفيذ عمليات «الأتمتة» الخاصة بها كل على حدة، لكن مفهوم الحكومة الرقمية يعني النظام الواحد المتكامل بحيث تكون كل قواعد المعلومات مترابطة وموجودة في منصة واحدة. كما أننا بحاجة إلى تغيير الثقافة التقليدية لتتلاءم مع العمل الرقمي.

لكن ألا ترين أن لدينا عائقاً كبيراً وهو أن أغلب الموظفين هم من موظفي القطاع العام، وفي حالة التحول الرقمي يتعين تدريبهم وإعادة تأهيلهم أو استبدالهم، وهذا له كلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية، فكيف يمكننا الانتقال إلى الحكومة الرقمية مع وجود كل هؤلاء الموظفين الذين يعملون ضمن حكومة ورقية مع الاستعانة ببعض الأنظمة الإلكترونية هنا وهناك؟ وهل هناك تجارب ناجحة في هذا المجال؟

- ليس من الضروري الاستغناء عن الموظفين الحاليين، فيمكن إنشاء بعض النواحي الجديدة مثل الأمن الإلكتروني والخدمات القائمة على الإنترنت. عندها سنكون بحاجة للمزيد من الأفراد مما يوفر فرصاً جديدة.

لكن ماذا نفعل بالموظفين الحاليين الذين لا يتقنون استخدام التقنية الرقمية؟

- سؤال جيد. وهذا السؤال لا يواجه حكومة محددة بعينها، بل لكل المؤسسات الكبرى كالبنك الدولي والأمم المتحدة. صحيح أن الموظفين الحاليين قد يفتقرون لبعض المهارات الرقمية إلا أن لديهم خبرة كبيرة في مجال الإدارة العامة، والتي يفتقدها الموظفون الجدد. فالأفضل أن يكون لدينا مزيج من الجيل الرقمي ومن الموظفين الحاليين الذين ينبغي إعادة تدريبهم. وهناك أمثلة ناجحة في هذا الإطار مثل كندا وأستراليا.

لكن هذه دول متقدمة تنفق موازنات ضخمة على التعليم العالي وإعادة التدريب، مثل فنلندا وشمال أوروبا. ربما يتمكن هؤلاء من تحقيق هذا التحول، لكن هل توجد دول أخرى؟

- في الحقيقة توجد بعض الأمور المدهشة في بعض الدول الفقيرة في إفريقيا، مثل السنغال وكينيا. عملت لسبع سنين في رواندا التي عانت من المذابح المروعة. لقد بدأوا يستخدمون التقنية التي خلقت الكثير من فرص العمل. لكن السؤال المهم: كيف تمضي قدماً مع بث الطمأنينة لدى الموظفين الحاليين وإعادة تدريبهم؟ فهؤلاء يمكن الاستفادة منهم في عملية تحليل المعلومات والتنبؤ ليعملوا إلى جانب الجيل الجديد الذي يتقن الرقمنة وإعداد الخرائط والأمن الإلكتروني. ربما تكون البحرين بحاجة لخمس عشرة سنة قادمة.

بشكل محدد على مستوى البحرين، ما الذي نحتاجه لبدء عملية الانتقال إلى الحكومة الرقمية؟

- بداية ينبغي أن يكون التحول متماشياً مع رؤية البحرين 2030. فيمكن البدء بالاستشارة مع القطاعين العام والخاص والمجتمع لتحديد الخدمات الأكثر إلحاحاً كالتعليم والصحة والإسكان. وهذا ما يجلب الثقة للمواطن حين يرى أن كل المعاملات تتم عبر الإنترنت كالإعلان عن فرص العمل والمناقصات وغيرهما، ولكنه سيلجأ إلى الموظف للتوقيع أو للتحقق من هويته. الأهم هنا هو تلبية أكثر الاحتياجات إلحاحاً من قبل الغالبية من خلال تبسيطها وتحديثها ورقمنتها، كي يتمكن المواطن من التواصل مع الحكومة بشكل أسرع وأسهل.

في المغرب مثلاً، شاهدت نموذجاً ناجحاً يتمثل في مشاركة المواطنين. فيمكنك عقد منتدى كبير تدعو فيه المواطنين لإبداء آرائهم في خدمة معينة أو كيفية تحسينها، كما يحسن إثارة هذه الموضوعات في الصحافة.

يمكن أيضاً عقد هذه اللقاءات مع مزودي الخدمات المختلفة كالماء والكهرباء والغاز والذي يعد جزءاً من المدينة الذكية، لمناقشة كيفية وصول المواطنين لهذه الخدمات، وحجم الرسوم التي يدفعونها في المقابل. بعبارة أخرى دراسة أولويات المواطن مع الجهة المختصة من الحكومة. هذه المشاركة تستغرق وقتاً وكلفة لكنها تتضمن فوائد كثيرة منها بناء الثقة، والمساءلة والأمان وعلى المدى الطويل الرضا وجودة الحياة. أعتقد أنكم بدأتم في هذا الاتجاه.

علاوة على ذلك، هناك مؤشرات جيدة ورائعة في هذا المجال في منطقة الخليج مثل مؤشر السعادة في دبي، والذي يمثل جهداً جيداً لفهم مطالب المواطنين، وتوفير فرصة للقطاعين الحكومي والخاص للعمل معا بشكل دائم.

تحدثت عن أهمية إنشاء المحتوى الرقمي المفيد للناس وللعملية التنموية، فكيف يمكننا إنشاء هذا المحتوى في ظل الأمية الرقمية؟ وهل يوجد قياس لهذا النوع من الأمية في عالمنا العربي؟

- يقاس هذا الأمر عادة بالنظر إلى التعليم من خلال عدد الطلبة الذين يتخرجون من المرحلة الثانوية والذين ينضمون إلى الجامعات. كما يمكن قياس الأمية الرقمية من خلال حجم استخدام الحواسيب المحمولة والهواتف النقالة والبريد الإلكتروني. وعدد المواقع الإلكترونية التي تستضيفها الدولة.

لكن مع كل ذلك مازال المحتوى الرقمي الذي ننتجه منخفضاً. فالعالم العربي والذي يقدر بنحو 400 مليون نسمة ينتج محتوى رقمياً أقل من كوريا الجنوبية ذات الخمسين مليون نسمة، على رغم استخدامنا للغة العربية كإحدى اللغات العالمية...

- أعتقد أننا بحاجة إلى تحويل التعليم إلى الحالة الرقمية، وفحص الجودة. وقبل أن يبدأ بإنشاء المحتوى لابد أن يستوعب ذلك المحتوى جيداً.

إيجابيات ذلك عديدة، وفي قطاع الصحة مثلاً، سيمكن ذلك الأم من التعرف على الدواء المناسب لابنها المريض من خلال الدخول على المواقع الإلكترونية والبحث عن الدواء المناسب وأماكن توفره. هذا إلى جانب معرفة أماكن المؤسسات كالجامعات والصيدليات وغيرهما.

في إطار الحديث عن المحتوى الرقمي، نشير هنا إلى أن الشعوب الخليجية وعلى رغم كونها من أكثر الشعوب استخداما لتطبيقات «تويتر» و «الواتساب»، إلا أن المحتوى الناتج عن كل لا يبدو أنه يصب في العملية التنموية، فكيف يمكن تحويل هذا المحتوى لصالح التنمية؟

- ينبغي تنظيم هذه العملية بشكل أفضل. وعلى سبيل المثال فقد زرت متحف البحرين الوطني وأماكن جميلة أخرى لكن لا تكاد تجد هذه المعالم في المحتوى الرقمي. نتحدث عن مشروع كبير يمكن تنفيذه من خلال الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وبالنسبة للتعليم قد يكون الأمر صعباً لأن الكلفة تقع على عاتق الحكومة عادة، لكن يمكن للقطاع الخاص المساهمة في الصحة لتوفير هذا المحتوى المحلي.

كيف يمكن للبنك الدولي المساعدة في إنشاء المحتوى الرقمي؟ هل بنشر الوعي فقط أم بالدخول في مشروعات معينة في البحرين؟

- في البحرين، لا توجد لدينا حالياً أية مشروعات في هذا المجال. لكن أريد التأكيد أن التحول الرقمي بحاجة لمشروعات كبيرة، ونقطة البدء تتمثل في تحديد أكبر المشاكل التي يمكن حلها بهذه التقنية، وعلى الجميع أن يشارك فيها كالقطاع العام والخاص والمجتمع.

في الحديث عن الحكومة الرقمية والثورة المعلوماتية المرتبطة بذلك، يدور حديث موازٍ عن مفهوم الوظائف الذكية؟ فهل نحن على أبواب مرحلة جديدة قد تنقرض فيها بعض الوظائف التقليدية؟

- مما لا شك فيه أن طبيعة الوظائف في تغير وإن كان هذا التغير بطيئاً. لكن ينبغي على الحكومة إبلاغ موظفيها بأهمية التدريب. وهنا لدينا ما يسمى «التدريب مدى الحياة»، ففي كوريا مثلاً يتم ابتعاث بعض المسئولين الذين بلغت أعمارهم سبعين سنة إلى سنغافورة أو استراليا أو الولايات المتحدة لتعلم المزيد إذا رغبوا في الاستمرار في الحكومة.

وهنا في البحرين، فإن خريجي الجامعات، الجدد، يمكن أن يشغلوا وظائف كثيرة لكن لابد من خلق هذه الوظائف أولاً من خلال مشروعات البنية التحتية الرقمية وليست التقليدية. مثل هذه المشاريع تستغرق إلى عشر سنوات أو 15 سنة، وعليه لابد لنا من البدء.

وخليجياً، يعمل البنك الدولي حالياً مع الكويت في مجال التحول الرقمي، وعملنا في الماضي مع السعودية في مجال إصلاح الاتصالات لتصبح أكثر قدرة على المنافسة. أما بالنسبة للبحرين تحديداً فيما خص إنشاء المحتوى الرقمي والحكومة الرقمية، ففي حال رغبت الحكومة البحرينية بالمساعدة فنحن نرحب بذلك، ولكن لا يمكننا أن نفرض عليهم ذلك، ومن الجيد الإشادة هنا بالأخبار الطيبة التي سمعناها بشأن تفاعل مكتب سمو رئيس الوزراء في البحرين، بشأن مقترح إنشاء مكتب أو خلية صغيرة للتنمية المستدامة.

سامية ملحم
سامية ملحم

العدد 5370 - السبت 20 مايو 2017م الموافق 24 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:02 ص

      ألف شكر للجامعة الأهلية التي أخذت على عاتقها حسن تنظيم واستضافة هذا المؤتمر الهام بهذا العدد الممتاز من الخبراء والمتحدثين في مجال التكنولوجيا والتنمية المستدامة. كما كانت هناك 3 ورش عمل تدريبية جيدة على هامش المؤتمر.
      كنت أتمنى أن يكون الحضور المحلي أكثر كثافة ونوعية مما كان خلال المؤتمر وأن يكون التركيز أقل على الرسميات والمجاملات التي استغرقت الكثير على حساب وقت الجلسات، فلا أبالغ إذا قلت بأن عدد المصورين كان يوازي عدد المتحدثين !!

    • زائر 3 | 1:36 ص

      شنو الفرق بين الحكومة الإلكترونية والحكومة الرقمية

    • زائر 5 زائر 3 | 3:01 ص

      الحكومة الإلكترونية اهيه مجرد الموقع bahrain.bh ويا البطاقة الذكية. الحكومة الرقمية معناتها كلشي يستوي الكتروني، مافي استعمال ورق خلاص، واي شي تبي اتسويه لازم اتروح الوزارة او شي له تقدر اتسويه اونلاين. على سبيل المثال، ويا الكترونية التجار لازم ابنفسهم ايرتبون ويعدون ويدفعون الضرايب. ويا رقمية الحكومة ايكون عندها سيستم يتكفل بالموضوع، هاي الشي هم ايأكد صحة الأرقام وايسهل وايقلل الشغل على المحلات.

اقرأ ايضاً