العدد 94 - الأحد 08 ديسمبر 2002م الموافق 03 شوال 1423هـ

هل يكون لبنان مفتاح فرنسا في «الشرق الأوسط»؟

شيراك بعد أربع زيارات وقمة فرانكفونية وقمة باريس 2

نجاة شرف الدين comments [at] alwasatnews.com

على رغم القراءة الاقتصادية التي غلبت على نتائج مؤتمر باريس 2 الذي انعقد في قصر الأليزيه في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من أجل دعم جهود الحكومة اللبنانية في عملية الاصلاح المالي في لبنان، فان أحدا لا يمكنه تجاهل الأهمية السياسية لهذا المؤتمر التي عكسها بوضوح كلام الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي قاله في المؤتمر الصحافي الذي عقد عقب المؤتمر. شيراك الذي لا يخفي اهتمامه وتعلقه بمنطقة الشرق الأوسط كان البارز في كلامه ربط أهمية استقرار لبنان باستقرار المنطقة عندما قال: «إن الاستقرار الاقتصادي يدعم الاستقرار السياسي والأمني وبالتالي فان كل ما يدعم الاستقرار في هذه المنطقة يذهب بالاتجاه الصحيح».

هذا الاهتمام بالمنطقة الذي اختار شيراك أن يفتح بوابته عبر لبنان لم يكن جديدا وليس وليد اللحظة. فمنذ توليه مقاليد الرئاسة الفرنسية في العام 1995 لم يخف هذا التوجه الذي ربطه بالأقوال والأفعال حين حرص على زيارة لبنان في العام 1996 بعد أقل من عام على توليه الرئاسة. ولا ينسى اللبنانيون الدور الذي لعبته فرنسا بعد عدوان ابريل/نيسان الإسرائيلي ومجزرة قانا في التوصل إلى «تفاهم نيسان» في العام 1996 الذي اعتبر أول اتفاق يشرّع عمل المقاومة من خلال السماح بالعمليات العسكرية ضد العسكريين وتحييد المدنيين. ولعب وزير الخارجية الفرنسي آنذاك (هيرفيه دوشاريت) دورا بارزا من أجل التوصل إلى هذا التفاهم.

الحرص الفرنسي بدا أيضا واضحا من خلال التعاطي مع قضايا المنطقة. ومن هنا كان الاصرار الفرنسي على الدخول على خط الصراع العربي الإسرائيلي «حتى لو قوبل هذا الدخول برفض أميركي اسرائيلي» وبقي الدور الفرنسي اقتصاديا وليس سياسيا. في معنى تمويل نتائج الحل السياسي الاقتصادية على رغم تشديد الموقف الفرنسي على تطبيق القرارات الدولية. ولم تزل أصداء دعوة الرئيس شيراك إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط مطلع العام تبحث عمن يستجيب لها كما الدعوة إلى إتاحة الفرصة أمام اللجنة الرباعية للعب دور سياسي في الملف الفلسطيني الإسرائيلي.

السياسة الخارجية الفرنسية التي شعرت بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول أن هناك محاولة أميركية للاستفراد بالعالم «والمنطقة باعتبارها جزءا من هذا العالم» في إطار حربها على الارهاب وتهميش كل الدول ومن ضمنها فرنسا حاولت تأسيس توازن سياسي في وجه التفرد الأميركي. وكان النجاح السياسي الأبرز لفرنسا من خلال إصرارها وبالتعاون مع سورية على استصدار موقف من مجلس الأمن الدولي يتعلق بالعراق وعملية التفتيش معتبرة أن الهدف هو نزع الأسلحة وليس تغيير النظام.

واتجاه فرنسا نحو «الشرق الأوسط» ليس جديدا ولا وليد رغبات الرئيس فقط ولكنه اتجاه يحكمه إدراك فرنسي لوقائع الجغرافيا والمصالح التي تصنع التاريخ. ففرنسا وبحكم موقعها على ضفاف المتوسط تدرك أهمية علاقاتها بالشرق. كما لا يمكن تجاهل مدى مساهمة علاقات الرئيس شيراك العربية في تحسين وتطوير علاقات فرنسا بالعالم العربي ومنها العلاقة مع لبنان من خلال الصداقة المميزة لشيراك مع رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، التي تعود إلى أكثر من 20 عاما وحتى قبل أن يتولى شيراك مسئولية رئاسة بلدية باريس ما عزز العلاقة الفرنسية اللبنانية التي ترتبط بالضرورة بمصالح البلدين. وهو ما بدا واضحا من خلال الزيارات الأربع للبنان التي قام بها الرئيس الفرنسي منذ توليه الرئاسة في العام 1995 وحتى اليوم. فالزيارات المتكررة دلت على مدى اقتناعه بأن لبنان هو صلة الوصل بين الشرق والغرب ومفتاح فرنسا في المنطقة. وفي كل مرة كان شيراك يؤكد إيمان فرنسا بمستقبل لبنان ويقول: «لبنان هو استثناء في هذه المنطقة ويجب أن يبقى وطنا للتعايش أو لا يكون». هذه الزيارات توّجها شيراك بالجهد الكبير الذي بذله لعقد «القمة الفرنكفونية» في بيروت وإنجاحها إضافة إلى إعطائها طابعا سياسيا من خلال الحديث عن مشكلات المنطقة والتركيز على دور لبنان وأهمية استقراره.

شيراك الذي لا يخفي إعجابه وتأثره الكبير بالرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول وشخصيته، يعتمد أيضا في سياسته، وبعد فوزه الساحق في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، التي جرت في يونيو/حزيران الماضي على التأييد الواسع لخطواته من خلال انتهاء تقاسم السلطة بين الرئاسة الأولى والحكومة بعد فوزه بولاية ثانية لخمس سنوات رئاسية وخسارة الحزب الاشتراكي الفرنسي وبالتالي سيطرة حزبه على الرئاسة والحكومة معا.

فرنسا تتجه إلى الشرق مختارة بيروت محطتها في المنطقة في محاولة لإرساء توازن سياسي في ظل الهجمة الأميركية الواسعة التي لا تميز بين الصديق والحليف والعدو. ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع أن تبقى فرنسا تغرد خارج سرب حلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم بريطانيا؟ وهل سيتجاوز الدور الفرنسي ما هو معروف من أدوار للأوروبيين على المستوى الاقتصادي كما حصل بعد الحرب على أفغانستان؟ أسئلة كثيرة من المبكر الاجابة عنها في ظل قرع طبول الحرب الأميركية على العراق على رغم قرار مجلس الأمن الدولي ارسال المفتشين ويمكن أن تهدد كل الخطوات الفرنسية باتجاه المنطقة

العدد 94 - الأحد 08 ديسمبر 2002م الموافق 03 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً