العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ

عن إخفاق الدولة في الحياة المجتمعية - السياسية

إذا ما أمعنا النظر في مسألة العلاقات المتبادلة، التفاعل والتعاون فيما بين المجتمع المدني والدولة، فهذه مسألة يسودها الصعاب، اذ أنه مرارا ما يصاحبها طابع الخصام والتنازع، إذ أن النظام المتنامي بصورة عفوية، بما يعني المجتمع المدني، لا بد ألا يشعر على الدوام بضغط من قبل الدولة، أما قصر وعدم كفاية (نمو ورقي) المجتمع المدني فهذا يمكن أن يدفع الدولة بخفة الاستئثار بوظائف المجتمع المدني لذاتها، كما يمكن أن يتحقق من هذه العاقبة في ظل شروط الأنظمة التوتاليتارية (الفاشستية) حين يصير المجتمع كله تحت قبضة الدولة - فتكا وهلاكا وإبادة بينة وحقيقية أو انكماش وتضييق الاستقلال في الحياة المجتمعية عن الدولة، إذ تنزع الدولة هنا إلى قهر واخضاع كل المجتمع لذاتها، فتطوّق بنفوذها كل نشاطات الحيوية للمجتمع وذلك في كل ميادين ومجالات الحياة.

في حين - إلى جانب النظام الديمقراطي - يبرز كل من الدولة والمجتمع المدني شريكين متساويي الحقوق، وعضوين مستقلين قائمين بذاتيهما في الحياة المجتمعية، بينما يتم علاج المشكلات المجتمعية ها هنا عن طريق الاجماع والتوافق بين الدولة والمجتمع.

أما بالنسبة إلى المشكلات الناشبة فيما بين الدولة والمجتمع، وكذلك فيما يتعلق الأمر والحال بالأخطاء السابقة التي أدت إلى ظهور هذه أو تلك المشكلات المتعاقبة أو العالقة إلى اليوم، وذلك أسوة بمملكة البحرين، فهذه لا تصعب أبدا على أي مراقب أمين وموضوعي أو مهتم بالشأن المحلي في أن يقوم برصدها، إذ أنه منذ حصول الاستقلال، على وجه التحديد، والأوضاع في البحرين مازالت تشهد متغيرات على حين غرة، أما فيما يخص ويتعلق بموفور الخبرة والتجربة السياسية المعينة، فهي اصطدمت وأزاحت بالدفع وذلك بمثل واقع الحياة السياسية هذه (التجربة - برلمان 1973 - التي قتلت في حين مولدها)، فبحسب ما هو لم تتم لنا معرفته من قبل ألا وهو تراجع وتغاضي وتخلي «بعض الرموز السياسية أو القيادية المعينة» عن وعودها، التي سرعان ما تم نسيانها حالا بعد منال الغاية المبتغاة، بالإضافة إلى شكل أو طقم الإصلاح، فإن كل هذه العوامل في مجموعها أدت إلى هبوط مستوى الحياة المعيشية بصورة حادة، في ظرف وجد فيه أن مقلاة «عيون» الغالبية الساحقة من المواطنين متعافية بصورة أكبر بعد (من السكر) وهي تحذق أو تتطلع بتلهف شديد إلى سير العملية السياسية منذ ذلك الوقت والآن.

بالتالي، هذا ما حدّ من سلبية تقييم الاتجاه السياسي للصفوة الحاكمة في البلاد، بما يعني بعض المسئولين المتنفذين الذين ساعدوا بدورهم على حوادث الفساد الأدبي والروحي والأخلاقي، والاداري والمالي وانتهاك الحقوق والحريات والاحوال الشخصية والعامة وتضييق الخناق عليها.

إذن، كل هذا وكذلك ضعف وعجز واسترخاء (لامبالاة) السلطات المعنية، تاق إلى تقهقر وانحطاط وانهيار حاد لنشاطات المواطنين وفعالياتها في الحياة السياسية فيما أخذ العنف والعدوان، المتكدس وراء كل هذه الفترة، في التولد والبروز بجلاء وبسرعة متفاقمة في المجتمع.

ولتحليل هذه الظواهر بتعمق أكبر يمكن أن نشير هنا، إلى ان سير العملية السياسية في هذه الحال غلب عليها طابع عدم الاستقرار والتناقض، اذ توقفت، من جهة أولى، على عدم حذق اتخاذ القرارات (اللاعملية واللامدروسة واللامدربة مسبقا)، ومن جهة أخرى، على تخلف أو تغييب القائم أو حتى الممثل المناسب في تراكيب أو بنية النظام السياسي ككل (وذلك في المناصب الادارية والهيئات التنفيذية، والشواغر الوظيفية، هذا عدا المقاعد النيابية والتمثيلية والبرلمانية المغيبة شكلا ومضمونا)، فيما أن تعزيز هذه الظواهر عمل على فتور وتراخي شريعة الابداع والنشاطات الخلاقة للدولة في الكل، اذ مشروعات القوانين المهمة للحياة لا تسلم (لا تسمح) في انتظار أدوارها هكذا طويلا (دوما) وذلك بصورة غير مشروعة ومباحة رقيا وحضاريا.

فيما نحن الآن نحاول إلقاء الضوء على مخططنا السياسي المعاصر، بما في جملته القصور أو النواقص التي تقف شاهدا أمام المراقب والمتابع العادي أيضا، فنتناول هذه المسألة من خلال الأسلوب العملي - التحليلي وذلك بالطريقة السابقة بعد. أما هذه المسألة فتنحصر أساسا في الآتي، إذ أنه في حين نحكم أو نصدق على تسوية الدولة (عن دخول مملكتنا) في صنف «من طراز جديد»، نرفع ونبجل دورها في المجتمع، يتمالكنا في الوقت ذاته، إما النسيان والإهمال أو التغافل تماما عن تنظيمه (المجتمع) على أسس ديمقراطية، عن ضرورة وأهمية الاعراب عن المصالح المعينة وذلك ليس مجرد فرد واحد فقط، طبقة أو جماعة معينة فحسب، بل وتجاهلنا المجتمع المدني برمته، أجل وعن أمور كثيرة أخرى صغيرة وكبيرة، من خروقات وتجاوزات ومغالطات بينما لم نلتفت أو نكترث كذلك، بأنه في كثير من بلدان العالم التي قامت باستجماع قواها وسبقتنا في ذلك منذ زمن طويل قد بدأت في تصويب سير عملياتها بصورة مختلفة تماما - نسج وتشكيل المجتمع المدني كثقل موازن (مقابل)، قادر وصلب، إزاء الدولة وفيما بين علاقات السلطات.

وبالتالي، في حصيلة عدم اكتراثنا هذا من الطبيعي أن يسود ويعم، شيئا فشيئا، عدم الاستقرار والمزيد من الفوضى، (على الأقل على المدى المتوسط والبعيد هذا إن لم يكن القريب والآني بعد) المغبة التي من العسير جدا تذليلها حتى بعد مرور جم من الوقت، فيما يمكن أن يمس ذلك ويقلل، شئنا أم أبينا، من شأن سمعة وهيبة كل من النظام والدولة والمجتمع والمواطن سواء كان في الداخل أو الخارج... في الواقع هناك أمثلة وشواهد مختلفة وكثيرة كان من الممكن لنا ذكرها في هذا السياق.

البحرين - حسين العلوي

العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً