العدد 2497 - الثلثاء 07 يوليو 2009م الموافق 14 رجب 1430هـ

جرأة الصين وإحجام العرب (1/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطوة جريئة أطلقت الصين برنامجا تجريبيا يمكنها من المتاجرة مع مجموعة مختارة من الدول المجاورة عن طريق استخدام عملتها الوطنية «اليوان»، والمعروف أيضا بـ «رينمنبي». وكما تناقلت أجهزة الإعلام فقد قامت ست شركات، ومقرها مدينة شنغهاي، بتوقيع «عقود مع نظيراتها في كل من هونج كونغ وأندونيسيا، وذلك لتسوية الصفقات فيما بينها بالعملة الوطنية اليوان».

وبررت بكين هذه الخطوة الإجرائية التي كانت قد تحدثت عنها قبل أكثر من عام، بأنها تجنب السوق الصينية والدول المتعاملة معها مساوئ تذبذبات العملات الدولية وتقلباتها، في إشارة واضحة إلى العملات الدولية المستخدمة في المعاملات التجارية وعلى وجه الخصوص الدولار.

كان من الممكن النظر إلى هذه الخطوة الصينية على أنها إجراء مالي محلي، يقصد منه، بالدرجة الأولى تسهيل المعاملات التجارية بين دول آسيوية معينة، لولا أنه ترافق مع تقرير صادر عن بنك الصين المركزي، حمل دعوة صريحة واضحة غير قابلة للمساومة لاعتماد «عملة جديدة لاحتياطي البلاد المالي، كي تحل مكان الدولار الأميركي»، وجاءت فيها إشارة صريحة واضحة إلى أن «هيمنة عملة وطنية مستقلة واحدة على النظام المالي الدولي تركز من المخاطر وتساهم في توسيع نطاق الأزمة».

أقدمت الصين على هذه الخطوة، ولم تتردد في إطلاق مثل تلك الدعوات رغم أن احتياطياتها من النقد الأجنبي، ومعظمها بالدولار الأميركي وصلت في نهاية يناير/ كانون الثاني 2009 إلى 1.5898 تريليون دولار، الأمر الذي يجعل من أي إضعاف للدولار انعكاسات سلبية على تلك الاحتياطيات. هذا يعني أن بكين مقدمة على هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، ومن بينها تبخر نسبة عالية من قيمة تلك الاحتياطيات في حال إضعاف مكانة الدولار العالمية.

إذا لابد وأن تكون خطوة التحدي الصينية مدروسة بعناية فائقة، وتعتمد على خلفية اقتصادية متينة وراسخة، تؤهلها دخول ميدان التنافس مع عملات دولية من مستوى اليورو أو الدولار، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية غير الصينية، فقد نقل موقع «التسوق المباشر»، أراء اقتصاديين أكاديميين من أمثال مايكل هيس أكدوا فيها أن الصين لم تعد فقط «صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم (بل ساعدت أيضا) في الحيلولة دون وقوع المزيد من الانكماش الاقتصادي العالمي». أما الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيجليتز، فيرى أن «توقعات النمو التي قدمتها أخيرا المؤسسات الدولية للاقتصاد الصيني في 2009، مازال ينبغي اعتبارها إنجازا حقيقيا».

وتتفق توقعات مع هذه النظرة التفاؤلية، فنجد تقارير البنك الربع سنوية ترفع من مستوى سقف توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد الصيني، بالقول بأن في وسع الصين أن تحقق «نموا اقتصاديا للعام الجاري بمجمله بنسبة 7.2 في المئة بدلا من تقديرات بنمو قدره 6.5 في المئة في تقريره ربع السنوي الماضي».

وتسعى الصين إلى إشاعة ثقة عالمية في مستوى أداء اقتصادياتها في الوقت الحالي، وفي المستقبل أيضا. هذا ما أكده حديث رئيس الوزراء الصيني وين جياباو عندما قال إن «اقتصاد بلاده يظهر بعض إشارات التعافي من الأزمة المالية العالمية، (معربا) عن استعداد بلاده لدفع المزيد (إضافة إلى حزمة دعم بقيمة 585 مليار دولار) إذا كان ذلك ضروريا لدعم الاقتصاد الصيني، (مؤكدا) أن النمو المستهدف لعام 2009 هو معدل 8 في المئة».

وعلى المستوى العملي، وكما صرح رئيس مكتب التمثيل لغرفة التجارة الدولية الأميركية ـ الصينية تشي ون وانغ رئيس، في 27 يونيو/ حزيران 2009 بأن «ثقة المستثمرين الأميركين تجاه الاستثمار في بلادهم لم تعد تماما بالتأثر من ضربات الأزمة المالية العالمية، لكنهم يتطلعون تماما إلى مستقبل الاقتصاد الصيني، ويبحثون بنشاط عن مشاريع مناسبة للاستثمار في الصين. وأن وفدا تجاريا أميركيا توجه إلى الصين للقيام بجولة استطلاعية، حيث تم توقيع خطابات نوايا للاستثمار قيمتها الإجمالية أكثر من 20 مليار دولار أميركي».

كان ذلك على مستوى الأداء الداخلي للاقتصاد الصيني، أما على المستوى الخارجي، ومن أهم مؤشراته حجم التجارة الخارجية، فهي الأخرى تشهد انتعاشا ملحوظا في السنوات الأخيرة الماضية رغم الانكماش الذي عرفه هذا القطاع على الصعيد العالمي، إذ يقول بيان صادر عن الحكومة الصينية، إنه على الرغم من أن «الارتفاع الأخير في حجم الصادرات يقل بنسبة 17 في المئة عما كان عليه قبل عام، إلا أن حجم التجارة الصينية في ازدياد خلال الأشهر القليلة الماضية ووصل إجمالي حجم التجارة الصينية إلى 162 مليار دولار في مارس/ آذار 2009 بالمقارنة مع 142 مليار دولار في يناير 2009».

نشير إلى نمو التجارة الخارجية الصينية، نظرا للمكانة التي أصبحت تتبوأها التجارة الخارجية في المساهمة في حل الأزمة العالمية، وخصوصا في الدول النامية، من ثم فهي أحد العوامل التي، يبدو أن الصين تنظر إليها عند إقدامها على مثل هذه الخطوات الجريئة، وهو أمر أكد عليه رئيس منظمة التجارة العالمية باسكال لامي، حينما أشار مؤخرا إلى أن «التجارة هي واحدة من القطاعات التي تأثرت بشدة من جرَّاء الاستهلاك المنخفض لسكان الدول ذات معدلات الدخل المرتفع، لكن ما زال بمقدور الدول الفقيرة أن تحسِّن من أوضاعها من خلال استخدام التجارة لكي تتمكن من الخروج بشكل أسرع من الأزمة المالية التي تعيش تحت وطأتها حاليا».

أكدت هذه الأهمية للتجارة تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حين قال: «تستطيع التجارة أن تكون، ويجب أن تكون، جزءا من جهودنا لتحفيز عملية الانتعاش الاقتصادي».

يختصر كبير الخبراء الاقتصاديين ونائب رئيس البنك الدولي في العاصمة الكورية سول جاستين يفو لين أسباب ثقته في الاقتصاد الصيني سيواصل تحقيق معدل نمو سريع رغم الأزمة الاقتصادية طويلة الأمد، في ثلاث مرتكزات أساسية هي: «الظروف المالية المهيكلة بشكل جيد وأعلى احتياطي للنقد الأجنبي في العالم ووجود المزيد من الفرص للحكومة لكي تقوم بالمزيد من الإجراءات التوسعية».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2497 - الثلثاء 07 يوليو 2009م الموافق 14 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً