العدد 2497 - الثلثاء 07 يوليو 2009م الموافق 14 رجب 1430هـ

النخبة والامتيازات الإلهية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الهزة الأخيرة في إيران، كشفت موضوعا مهما، وهو موقف «النخبة»، وما تعانيه بعض جيوبها من أمراض.

النخبة في التاريخ الإيراني لم تكن واحدة، بل هي نخبٌ من مشارب وتيارات شتى، إسلامية ويسارية وتغريبية. وظاهرة صراع التيارات الفكرية والسياسية ليست جديدة في الدول العربية والإسلامية، لكنها في إيران تعود بواكيرها إلى القرن التاسع عشر، كما في مصر أو الجزائر أو تركيا.

في إيران، تميزت العلاقة بين التيارات السياسية بدرجة كبيرة من الاحتكاك والصدام، سواء في الحركة الدستورية أو حركة مصدق، وانتهاء بالثورة في 1979. هذه المرة كان التصادم بين شخصيات التيار الواحد، الذين شاركوا في الثورة، وساهموا في خدمة نظام الحكم الجديد. وهم جميعا بشرٌ، لهم تطلعات وطموحات، شخصية أو جماعية، كما لهم سلبيات ونواقص مثل غيرهم من الطامحين لرئاسة بقية دول العالم دون استثناء.

الهزة الأخيرة كشفت جانبا من أمراض هذه النخبة، فالإصلاحيون الذين حكموا إيران ستة عشر عاما، رفضوا نتائج الانتخابات الأخيرة لأنها لم تأتي حسب توقعاتهم. ووقف المرشح (المعمّم) ليشكّك في شرعية النظام، ووقف الآخر (الأفندي) ليعلن في الشارع بطريقةٍ ميلودراميةٍ مكشوفة، عن استعداده للاستشهاد، الذي كان سابقا من أجل مبدأ نبيل، فأصبح من أجل كرسي.

هذه النخبة ارتكبت خطأ قاتلا بموقفها الأخير، حيث تكشّفت عن عدم ديمقراطيتها، ونرجسيتها وترفّعها عن اختيار الشعب. فبدل رفع شعار «أين صوتي»، كان عليها أن تحترم الصوتين الآخرين اللذين ذهبا لمنافسيها. في الديمقراطية لكل مواطن صوت واحد، دون اعتبار للقبيلة أو العرق أو الثقافة أو المال، وعليك أن تحترم خيارات الملايين التي انتخبت الطرف الآخر مهما كان بغيضا عندك. فالديمقراطية لا تحتمل ثقافة الكره والبغض، أو الفجور والتهميش، وإنما بحاجةٍ إلى ثقافة التسليم بخيار الأغلبية، وهو ما سقطت فيه النخبة «الإصلاحية» في إيران.

النخبة الإيرانية المتدينة، أصابها ما أصاب نخبا ثورية كثيرة عبر التاريخ، بما فيها العصر الإسلامي الأول. فالصراع بين الشخصيات بسبب تضارب المبادئ أو المصالح أو الأمزجة، كان سببا رئيسا في نشوب ما عُرف بالفتنة الكبرى التي كشفت معادن الرجال. والمال كان ولايزال محرّكا رئيسا للأحداث، فعندما يكون هناك استئثارٌ من شرائح وطبقات معينة، ستقابله مقاومةٌ ورفضٌ من طبقات وشرائح أخرى. وعندما يموت بعض أفراد النخبة عن كمياتٍ من الذهب تكسّر بالفؤوس، تقابلها صورٌ لبعض المنفيين في الصحاري، يموتون وهم لا يملكون كفنا، فتضطر ابنته للاستنجاد بقافلةٍ عابرةٍ لدفن الأب الذي كان من صفوة الصفوة.

هذه عبرٌ من التاريخ فهل من جديد؟ فالنخب تبحث لنفسها عن امتيازات وحقوق «إلهية»، بحجة الأسبقية أو التضحيات، أو تعويض سنوات الشقاء والعناء، و»قد آن لنا أن نرتاح». ولذلك ترى بعض «النُخَيبات» مستعدةٌ لبيع ميراثها، أو المتاجرة بتاريخها، أو تأجير خدماتها، ضمن فلسفة المنفعة الذرائعية. ولابد لستر العورة من غطاءٍٍ كثيفٍ من اللغو اللفظي والثرثرة الفكرية الفارغة والتلاعب بالكلمات. ولابأس من التحلية بشعارات نصرة المرأة وموسيقى بتهوفن والانفتاح، للتمويه على السقوط المدوي في ميزان القيم واحترام الذات.

حكّام القرون الوسطى توصّلوا إلى نظرية الحق الإلهي، أما النخبة فتوصلت إلى نظرية الامتيازات الإلهية، التي تضعها فوق المساءلة أو القبول بما تختاره الجماهير أو السماع لصوت «العوام»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2497 - الثلثاء 07 يوليو 2009م الموافق 14 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً