العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ

التدريب المهني والتعليم الفني

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عرفت البحرين على امتداد السنوات الخمس الماضية التفاتة خاصة نحو قطاع التعليم، شملت القطاعين العام والخاص، وتمثلت في زيادة ملحوظة في عدد المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها، سواء دور الحضانة ومؤسسات التعليم المبكر، أو مدارس المرحلتين الابتدائية والثانوية، ولم تشذ عن ذلك المعاهد العالية والجامعات، وكان للتدريب المهني والتعليم الفني حصة أيضا على هذا الصعيد. ومن بين كل تلك المراحل، حظي التعليم المهني، والتدريب الفني، بحصة الأسد من اهتمامات الدولة ولجانها المتخصصة.

وشكلت الدولة مجموعة من اللجان المشتركة بين القطاعين العام والخاص، التي وضعت بدورها خططا جريئة، رصدت لتنفيذها موازنات بلغ بعضها عشرات الملايين من الدولارات، وعلى رغم ذلك لاتزال السوق البحرينية تشكو من نقص شديد في اليد العاملة المحلية المدربة الماهرة القادرة على منافسة قوة العمل الأجنبية. هذه الوضعية تعبر عن حالة غير طبيعية مصدرها عجز العرض عن تلبية احتياجات الطلب، فتبدو الصورة مشوهة، إذ ترتفع معدلات البطالة بشكل مزيف لا يعبر عن الواقع. ولابد لنا هنا من الإشارة إلى استعانة تلك اللجان بمجموعات استشارية من بيوت خبرة عالمية، تم استدعائها من أستراليا شرقا حتى الولايات المتحدة غربا.

ولهذه الظاهرة غير الطبيعية أسبابها المنطقية التي يمكن إيجاز أهمها في النقاط الآتية:

1 - النقص الشديد في البرامج وفي المواد التعليمية، مصدره تكدس بعض المواد التي لم تعد السوق بحاجة لها، وشح تلك التي تتطلبها التطورات التي طرأت على السوق المحلية. ولا ينبغي لنا هنا أن ننبهر ببعض التطويرات الطفيفة التجميلية التي عرفتها بشكل مكثف.

2 - النقص الملحوظ في عدد المدربين من ذوي الكفاءات العالية القادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية المصاحبة للكثير من المهن والحرف، ويزيد الأمر سوءا، رفض هؤلاء مواكبة تلك التطورات من جهة، وعدم حرص إدارات المعاهد على فرض مواد التأهيل الجديدة من جهة ثانية.

3 - ضعف قنوات التعاون والتنسيق بين المؤسسات التدريبية، للاستفادة من خبرات بعضها بعضا.

4 - طبيعة الإطار البنيوي لأنماط الإنتاج الاقتصادي ونموذج النمو المتولّد منه غير قادرين على توليد عوامل التحدي التي من شأنها خلق فرص العمل التي تتطلب مهارات عالية من تدفقات مخرجات التعليم المهني والتقني.

5 - معدلات نمو مزيفة (بالمعنى الإنتاجي) تولدت مع الطفرات النفطية، أدت إلى توليد مستويات طلب متدنية لمهارات الوافدين إلى سوق العمل، وخاصة من بين صفوف العمالة المحلية، انعكست سلبا على مهارات مخرجات المعاهد التأهيلية، ومعدلات الطلب.

6 - سيادة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الطفيلية ذات الطبيعة «الكمبرادورية» غير المنتجة، والمكتفية بهامش ربح صغير نسبيا، لكن دورته الاقتصادية سريعة، وقادرة على تلبية احتياجات تلك الطبيعة، العاجزة في نهاية المطاف عن المساهمة، من زاوية الطلب، على تطوير المهارات المحلية.

7 - طغيان نفوذ المؤسسات الناشطة في سوق العقار والإعمار، وحيازتها على نسبة عالية من إجمالي حجم أصول واستثمارات المؤسسات العاملة في السوق.

هذه الوضعية على رغم تعقيداتها قابلة للإصلاح إذا راعينا الأمور الآتية:

1 - إعادة تحديد أهداف التعليم المهني والتقني من أجل المزاوجة بين متطلبات السوق ومخرجات المعاهد المعنية.

2 - العمل على تطوير مقاييس ومتطلبات الطلب من خلال إدخال، تخصصات ومهارات جديدة بشكل تدريجي (غير قسري)، في مناهج التعليم المهني والتقني، مع تقليص - وفي حالات معينة إلغاء - الاختصاصات المتجهة نحو التقادم، أو تلك التي لم تعد السوق بحاجة لها.

3 - بناء قنوات تواصل قادرة على استحداث آليات للمراجعة الدورية لمخرجات التعليم المهني واحتياجات سوق العمل في آن، ومن ثم وضع ضوابط رسم إجراءات التصحيح المطلوبة، وصمامات أمان تنفيذها.

لكن أيا من الخطوات ستفقد جدواها ما لم تجر محاربة العائق الأساسي الذي هو القيم الاجتماعية السلبية المهيمنة في نظرتها لهذا النوع من التعليم، حيث يعتبر رواده من أولئك الذين «لفظتهم» المؤسسات التعليمية الأخرى، نظرا إلى تدني مؤهلاتهم الذاتية، أو «فشلهم» في تحقيق متطلباتها الأكاديمية، الأمر الذي يضعهم في عتبة سفلى في درجات سلم الهرم الاجتماعي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2197 - الأربعاء 10 سبتمبر 2008م الموافق 09 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً