العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ

تخمة الأغنياء وجوع الفقراء

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

توقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أن يزداد حجم الإنتاج الزراعي بدرجة كبيرة في شرق أوروبا، وخاصة في روسيا وأوكرانيا، مشيرة إلى أن هذا الارتفاع يشير بشكل واضح إلى أن ارتفاع الأسعار يمكن أن يتيح مزيدا من الفرص للمجتمعات الزراعية.

وصرح مدير مركز «الاستثمارات» التابع للمنظمة الأممية، تشارلز ريمنشنايدر، بأن حجم الإنتاج الزراعي في بلدان تلك المنطقة، وفي روسيا وأوكرانيا تحديدا، يتزايد، مشيرا إلى أن المنظمة تتوقع إنتاجا وفيرا من الحبوب بنهاية العام الجاري.

وجاءت تصريحات ريمنشنايدر خلال إجتماع عقد حديثا في باريس، بمشاركة ممثلي مؤسسات التمويل الدولية، والجهات المانحة الفاعلة في قطاع الزراعة من شرق ووسط أوروبا ووسط آسيا.

وتأتي هذه الخطوة من دول أورربا الشرقية في سياق خططها الرامية لمواجهة الأزمة العالمية الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء. هذا ما أكده مدير «التجارة الزراعية» في البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، جيل ميتيتال، مشيرا إلى أن «البنك الأوروبي يمارس دورا مهما في مساعدة المنطقة على استغلال القدرات المتاحة استغلالا تاما».

ولا تقتصر حالة التفاؤل هذه على الدول الأوروبية، فقد توقعت دراسات أميركية مختصة، أن يشهد موسم القمح الأميركي هذا العام محصولا قياسيا، بعدما عمد عدد كبير من المزارعين إلى تخصيص أراضيهم لزراعتها.

ووفقا لتلك الدراسة فقد تضافرت «مجموعة من العوامل هذا العام لتسجيل موسم لم يسبق له مثيل بتاريخ البلاد من حيث الحجم والأسعار». والأمر الذي ينبغي التوقف عنده هنا هو أن النسبة الأكبر من الإنتاج المحلي سوف يستخدم للاستهلاك الداخلي، على حساب الكميات التي كانت مخصصة للتصدير.

تلك كانت مباركات «الفاو» لما يجري في أوروبا، والتي تتوقع وفرة غذائية في دول أوروبا، وخاصة الشرقية منها، نظرا إلى زيادة محصول القمح في البلدان الأوروبية من رابطة الدول المستقلة في العام 2008، حيث سيزيد على «أكثر من 73 مليون طن، أي بزيادة قدرها 13 في المئة مقابل موسم الحصاد الجيد في العام 2007».

لكن، مقابل ذلك لا تكف «الفاو» أيضا عن إطلاق تحذيراتها بنذر مجاعات قريبة في الدول الفقيرة من جراء تراجع إنتاج الحبوب، الأمر الذي من شأنه أن «يؤدي خلال العام المقبل إلى خلق مصاعب بضمان إمدادات الأغذية».

وترجع تقارير «الفاو» هذا التراجع في إنتاج المواد الغذائية إلى ظروف طبيعية، مثل شح سقوط الأمطار أو عدم انتظامها كما هو الحال في المناطق الساحلية في غرب القارة الإفريقية، بسبب عدم انتظام هطول الأمطار.

لكن ليست الطبيعة وحدها المسئولة عن هذا الوضع غير الطبيعي وغير المنصف، فجنون اللجوء إلى الوقود الحيوي والذي بدأ يجتاح الولايات المتحدة ودول أميركا الوسطى والجنوبية باعتباره وقودا حيويا وصديقا للبيئة أرخص من البنزين، أصبح من اهم العناصر المساهمة في أزمة الغذاء، على الصعيدين: الشح، والارتفاع في الأسعار.

ومن الطبيعي أن يقود هذه الاتجاه العالمي الرامي إلى اعتماد الوقود الحيوي بديلا عن مصادر الطاقة العادية في الدول الصناعية إلى فرض ضغوط متزايدة وجدية على الإمدادات العالمية من الحبوب، وفي مقدمتها القمح والذرة. هذا من جانب، لكن من جانب آخر، وهذا هو الأسوأ، فقد ادى ذلك الطلب على الوقود الحيوي أيضا إلى رفع أسعار المواد الغذائية، وخصوصا نبات الذرة، الذي يعد واحدا من أهم مصادر الوقود الحيوي، وخاصة وقود الإيثانول.

يلخص الحالة السيئة التي تعاني منها الدول الفقيرة تقرير زراعي مشترك صادر عن «الفاو» يقول صراحة «إن الدول الأكثر فقرا تظل الأكثر هشاشة، وخصوصا الدول الفقيرة المستوردة للمواد الغذائية، وبالتالي فإنها ستحتاج إلى مساعدات ومعونات إنسانية لمنع تعرضها لمجاعات وسوء تغذية، وإن ثمة ضرورة حقيقية لتعزيز النمو والتنمية في الدول الفقيرة ومساعدتها على تطوير قاعدة إمدادها من المواد الزراعية».

بإختصار، بينما ستعاني الدول الغنية من تخمة غذائية، مصدرها تنمية مواردها الذاتية، واستيراد ما تحتاجه منها من أسواق الدول الفقيرة، وسد حاجاتها من الطاقة من مصادر زراعية من تلك الدول الفقيرة، ستعاني هذه الأخيرة من نزيف تلبية حاجات تلك الدول الغنية من جهة، ومن سوء الأوضاع الطبيعية من جهة ثانية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً