العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ

هل اجتهد ديوان الخدمة المدنية فأخطأ؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثار التعميم الذي اصدره ديوان الخدمة المدنية بشأن الجزاءات والمخالفات كثيرا من اللغط في اوساط المجتمع قد تكون له انعكاساته السلبية على استقرار العمالة في القطاع العام التي عرفت دوما بأنضباطها. وهناك مؤشرات على اتساع رقعة هذه الانعكاسات لتصبح نافذة لتدخلات منظمات عمالية وحقوقية دولية. وهذا ما لا يتمناه أي مواطن حريص على سمعة وطنه،

فما الذي دفع المسئولين عن ديوان الخدمة للاندفاع في اصدار هكذا تعميم؟ هل هي ردة فعل غاضبة على سلوك معين؟ ام هي سعي للتعبير عن طاعة وولاء ولكن بطريقة غير محسوبة؟ وأي كان السبب فلدى القائمين على الديوان قانون مستمد من دستور شرعي من المفترض ان يهتدوا به في ادارة جهاز حيوي مركزي تمس قراراته جميع مؤسسات الدولة ومنتسبيها.

ولكون كاتب هذا المقال من المشاركين في صياغة قانون الخدمة المدنية، وفي ادخال مواد اضافية تتعلق بالجزاءات، وقبلها كان مسئولا عن ادارة الديوان وكتابة أنظمته التي استمد منها القانون آلياته فإن هذه المشاركة هي مساهمة لايضاح الحقيقة اللازمة لمعالجة قضايانا بعقلانية، وهو ما نحتاجه على الدوام.

بداية لابد من التوضيح ان موظف القطاع الحكومي هو مواطن عليه من الواجبات ما يوازي ماله من حقوق، ومصلحة واستقرار وطنه هي جزء من مسئوليته الوظيفية والوطنية، فأي اخلال بهذا الواجب يعرضه للمساءلة القانونية.

لقد حدد قانون الخدمه المدنية مسئولية الموظف العام وأكد حمايته من أي اجراء تعسفي، إلا ان هذا الهدف اصبح منتهيا بإيعاز ديوان الخدمة إلى كافة الجهات الحكوميه لاتخاذ الاجراءات القانونية الصارمة بحق الموظفين (العموميين) في حالة مخالفتهم القوانين واللوائح او صدور أية إجراءات قضائية ضدهم. وهنا يبدو الارباك واضحا في التضارب والدعوة للتداخل بين الأجراءات القضائية التي يقررها القضاء وأية عقوبات صارمه اخرى يحددها ديوان الخدمة خارج اطار القانون فالعقوبة الصارمة بحق الموظف المخالف تحددها الآلية التي نص عليها القانون.

ولا يوجد سبب يستدعي قيام ديوان الخدمة بتحديد طبيعتها إلا اذا تقمص لنفسه سلطة القضاء لكون الاجراءات القضائية التي قد تتخذ في حق الموظف هي في نظر مسؤليه غير كافية. وللوقوف على حقيقة الأمر بموضوعية من الحكمة استحضار مواد القانون ذات العلاقة، فماذا تقول؟

تنص المادة (60) على عدم جواز توقيع الجزاء على الموظف الا بعد التحقيق معه كتابة وسماع اقواله وتحقيق دفاعه... وتتولى التحقيق مع الموظف لجنة تحقيق تشكلها السلطة المختصة، وتضع اللائحة التنفيذية آلية وضوابط تشكيل اللجنة.

فهل يحق للديوان ان يوجه بانزال العقاب الصارم خارج هذه الآلية القانونية؟ واذا ما تم ذلك الا يعتبر اجراء تعسفيا يحرمه القانون؟ ولو تريث المسئولون في ديوان الخدمة قليلا واحتموا بالقانون لتمكنوا من تحقيق غاياتهم بوسائل قانونية مشروعة. فالقانون لم يوضع لحماية المخالف ولا لتجريم البريء.

ورغم ان الماده المذكورة قد كلفت ديوان الخدمة بوضع اللائحة التنفيذية لتوضيح آلية وضوابط تشكيل اللجان، التي من المفترض عرضها على السلطة التشريعية للتأكد من تناسقها مع القانون، الا ان ديوان الخدمة تأخر في اصدارها لفترة تجاوزت المدة التي حددها القانون، ولم يتم عرضها على المجلسين، فلم نسمع عن تشكيل لجان تأديبية والتي من المفترض ان يشير اليها التعميم للتأكيد على تقيد الديوان بمرجعيته القانونية، فتفرده بهذه المسئوليه يفقد تعميمه صبغته القانونية.

نصت الماده (65) من القانون على التدرج في تطبيق الجزاءات التأديبية لتبدأ بالتنبيه الشفوي، والكتابي، والتوقيف عن العمل حتى الفصل من الخدمة. ولم ينص القانون على انزال العقوبة الصارمه دونما اعتبار لتكامل جميع الاجراءات التأديبية.

كما نصت المادة (66) على اختصاص السلطة المختصة بإحالة الموظف إلى التحقيق وتوقيع الجزاءات التأديبية، وحتى عندما توصي لجنة التحقيق بفرض عقوبة الفصل بحق الموظف فيجب احالته إلى مجلس تأديبي. وكلفت المادة ديوان الخدمة بوضع اللائحة التنفيذية التي توضح الأجراءات التي يتبعها مجلس التأديب.

فأين تعميم الديوان من هذه الاجراءات؟ وأين موقعها وموقع مجلس التأديب من الأجراءات الصارمه التي وجه ديوان الخدمة الجهات الحكومية باتخاذها في حق الموظف؟

لقد تقمص ديوان الخدمة صلاحيات ليست من اختصاصه، فتقدير حجم المخالفة والجزاء هي من اختصاص المحكمة المختصة التي يحق للموظف الاحتكام اليها حتى بعد اكتمال كل الاجراءات التأديبية التي نص عليها القانون في المواد المذكورة سلفا. ومن جهة اخرى فإن اصدار الديوان تعميم على هيئة قانون متعارض مع قانون الخدمة المدنية هو سابقة خطيرة في مسيرة الاصلاح لما يشكله ذلك من خرق لمبدأ الفصل بين السلطات. وهذا يفسر لنا اجماع مختلف الجمعيات الحقوقية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني على رفضه.

وبعيدا عن تعارض تعميم ديوان الخدمة مع المواثيق والقوانين الدولية التي وقعتها مملكة البحرين كالمادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحريات المدنية والسياسية، فإن التعميم الذي لم يوفق الديوان في اصداره بصورة تعالج اهتمامات مجلس الوزراء قد جاء مخالفا لتوجيهات القيادة السياسية وعلى رأسها جلالة الملك الذي اكد لدى استقباله اصحاب المواقع الالكترونية في شهر يوليو/ تموز الماضي على ان المسيرات الوطنية دليل على السلم الأهلي. ونظرا لصعوبة فرز المشاركين في المسيرات واختلاف التفسيرات حول جواز الترخيص من عدمه فإن انزال عقوبة الفصل من الخدمه خارج الآليات التي نص عليها القانون لا يمكن وصفه بغير التعسفي.

ان تعميم ديوان الخدمة دليل على نقص في الخبرة، وعلى مزايدة فشلت في قراءة التوجهات السياسية. ورغم ثقتنا في حب القائمين على ديوان الخدمة لوطنهم الا ان الحب المفرط ضار كما نقيضه.

ان ديوان الخدمة وهو يسعى للهندرة، أي اعادة تنظيم ذاته، فإنه مطالب بتحقيق التوازن بين حماس الشباب وخبرة الكبار ليعوض نقصه الواضح في الخبرة المتراكمة التي عصفت بها يد التسييس ليخرج من دائرته المغلقة إلى رحاب الوطن الواسع، فالخدمة التي تتوسط اسمه الثلاثي لم تكتب اعتباطا

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2202 - الإثنين 15 سبتمبر 2008م الموافق 14 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً