العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

كيف يفكر المتطرفون؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

مصطلح «التطرف» يحمل جملة من المعاني السلبية، فهو يحمل معنى «الغلو» و «الإفراط» و «عدم التوازن» وما يشبه ذلك من المعاني غير الجيدة.

ولأنه يحمل هذه المعاني فهو لا ينطبق على فئة دون سواها، فالذي يحمل مكرا فيه إفراط في فهم الدين فهو «متطرف» ومثله الذي يحمل فكرا فيه إفراط في كره الدين فهو «متطرف» أيضا، وهكذا.

المتطرف - بشكل عام - يحمل نفسية غير متوازنة، فيها اضطراب نفسي يجعله يظن أن كل عمل يقوم به فهو يحقق فيه مصلحة دينية أو قومية أو فكرية، ولو لم يكن هذا هو التفكير الذي يقوده لما عمل ما عمل.

بطبيعة الحال مفهوم كلمة «التطرف» اللغوي يعني توجه «المتطرف» نحو الحد الأقصى - هنا أو هناك - في اتخاذه المواقف أو التفكير أو التصرفات.

ومن هنا فإن «المتطرف» الذي يفجر نفسه وسط عشرات الأشخاص فيقتلهم وهم من أبناء وطنه ويدينون بدينه نفسه، وقد يحملون همومه وآلامه نفسهما، هذا الشخص الذي يفعل ذلك يظن أنه قام بعمل مجيد يدخله الجنة نتيجة تضحيته بنفسه في سبيل ما يؤمن به!

والمتطرف الذي يقوم بتفجير المنشآت الحيوية في وطنه، فيقتل العشرات، ويدمر الممتلكات التي يستفيد منها إخوانه ومواطنوه يظن أنه يقوم بعمل مشرف يخدم فيه دينه ومعتقده وأهل بلده، ولو عرف أنه إنما يقوم بعمل إجرامي شنيع لما أقدم على تلك الفعلة الشنعاء.

والمتطرف الذي يهاجم ثوابت الإسلام الذي يدين به هو ومواطنوه إنما يفعل ذلك ظنا منه أنه يقوم بعمل مجيد يخدم فيه توجهاته الفكرية ويخدم أيضا وطنه ومواطنيه، ولو عرف أنه إنما يقوم بعمل «متطرف» يهدم من خلاله قيم أمته لما فعل ذلك.

أعتقد أن هؤلاء المتطرفين على اختلاف توجهاتهم إنما يكونون قد حملوا فكر التطرف أولا قبل أن يعرفوا هل له مستند من عقل أو شرع أو قانون، وبعد ذلك يبدأون في البحث عن مسوغات شرعية أو عقلية لكي يقنعوا أنفسهم بأنهم يمارسون أعمالا مشروعة حتى وإن رفضها المجتمع.

إن الذين يكفرون الآخرين - ظلما وعدوانا - لا يفعلون ذلك حتى يقنعوا أنفسهم أو يقنعهم آخرون أن أولئك القوم يقومون بعمل كفري يجعلهم من أهل الكفر، ومن المؤكد أنهم يسوقون بعض الأدلة من القرآن الكريم أو السنة المطهرة ويفسرونها لمريديهم بحسب أهوائهم أو بحسب فهمهم لتلك النصوص.

وبعد الإيمان بفكرة التكفير يأتي الإيمان بفكرة الانتقام من هؤلاء الكفرة وهناك وسائل متعددة لمثل ذلك الانتقام!

المتطرفون - جميعا - يحملون فكرا حادا لا يقبل المناقشة، إما أن تكون معي وإلا فأنت ضدي «وهذه طريقة بوش»، وإذا كنت معي فأنت إنسان طيب تستحق الحياة والعيش الكريم، وإلا فالموت إن أمكن أو الإقصاء والحرب التي لا ترحم.

والمتطرف هو وحده على الحق، أما الآخرون فهم على الباطل ولا مناقشة في هذه المسألة!

وما نسمعه أو نقرأه عن المعارك الفكرية أو الممارسات العملية بين من يطلقون على أنفسهم «ليبراليون» ومن يطلقون على أنفسهم «إسلاميون» يثبت إلى أي حد تشتعل المعارك بين الطرفين وكذلك الإقصاء الحاد بينهما، فإذا تولى «ليبرالي» رئاسة دائرة معينة يكون همه الأول إبعاد من لا يؤمن بفكره، وهكذا يفعل أصحاب الاتجاه الآخر.

ولو حكّم هؤلاء وهؤلاء عقولهم ومصالح وطنهم لوجدوا أن هناك نقاط التقاء كثيرة يمكنهم الوقوف عندها والاستفادة منها بدلا من الحروب التي لا تخدم أيا منهما.

إن التطرف كله وعلى مدى التاريخ لم ينتج إلا القتل والدمار وخراب الديار والفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

إن الحروب العالمية التي قتل فيها عشرات الملايين كان وراءها تطرف سياسي وفكري لا قيمة له. وإن الدمار الذي وقع في العراق وفي أفغانستان كان وراءه تطرف ديني ومصلحي لكنه أدى إلى موت عشرات الآلاف وتشريد الملايين من الناس.

وان الحروب بين أصحاب المذاهب كان وراءه تطرف فكري ومصالح سياسية، ولو ترك أصحاب هذه المذاهب التطرف الممجوج لاستطاعوا تقريب المسافات بينهم ولاستفادوا هم وأوطانهم.

إن التطرف كله كان خرابا ودمارا، أما التسامح والاعتدال فهو الذي يوحد القلوب ويقوي الأوطان، فهل يتجه العقلاء إلى ما ينفعهم جميعا؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً