العدد 2165 - السبت 09 أغسطس 2008م الموافق 06 شعبان 1429هـ

متحف في غزة لعرض تاريخ المنطقة الثقافي

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

قد يبدو الأمر مثل هروب رجل ثري من البؤس المحيط به، ولكن عندما فتح جودت خضري أول متحف آثار في غزة، شكل ذلك عملا فلسطينيا وطنيا يظهر كيف كان هذا الشريط الساحلي المعزول الذي يزداد فقرا يوما بعد يوم ويحكمه إسلاميو حماس تقاطع طرق مزدهرا متعدد الثقافات.

يقع المعرض في قاعة مذهلة بنيت جزئيا من حجارة تم إنقاذها من بيوت قديمة ومن ألواح خشبية تم الاستغناء عنها من سكة حديد قديمة ومصابيح برونزية وأعمدة رخامية اكتشفها صيادو السمك الغزيون وعمال البناء.

وعلى رغم أن المعروض قد يعتبر أمرا اعتياديا يمكن رؤيته في أي مكان آخر تقريبا، حيث يضم رؤوس رماح وسهاما ومراسي رومانية ومزهريات من العصر البرونزي وأعمدة بيزنطية، فإن الحياة في غزة قاتمة هذه الأيام لدرجة أن المتحف، الذي يلقي نظرات خاطفة على تاريخ ينظر إلى الخارج، يبدو متألقا بصورة مبهرة إلى حد ما. ويقول خضري وهو يجلس في الحديقة الغناء المليئة بالقطع الأثرية في منزله بمدينة غزة على بعد أميال قليلة من المتحف «إن الفكرة هي إظهار جذورنا العميقة من عدة ثقافات في غزة». ويضيف «من الأهمية بمكان أن يدرك الناس أنه كانت عندنا حضارة جيدة في الماضي، تتمتع (إسرائيل) بالشرعية من تاريخها. الأمر نفسه ينطبق علينا كذلك».

يعود تاريخ أقدم موقع لمدينة غزة إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، عندما أصبح القطاع أهم طرق القوافل التي تربط شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي عبر البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.

لا يقدم التاريخ الشرعية فحسب وإنما إطارا للتعامل مع الحاضر. وتقع غزة تحت حصار إسرائيلي وعالمي يهدف إلى امتصاص قوة حماس، التي ينظر إليها بشكل واسع في الغرب على أنها مجموعة إرهابية، ولكن ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها غزة هذا النوع من الضغط.

ويشير خضري إلى أن «غزة عانت أكثر من معظم المدن الأخرى. كان هناك حصار الإسكندر الكبير والفرس والبريطانيين. في نهاية المطاف سوف يصبح هذا الحصار مجرد هامش في أسفل الصفحة».

وتضم مجموعة الخضري آلاف القطع، إلا أن بعض القطع الأبرز منها لن تعرض الآن، بما فيها تمثال عاري الصدر لأفروديت وهي تلبس ثوبا شفافا، إضافة إلى صور وأشكال من آلهة قديمة ومصابيح زيتية عليها منارات يهودية.

عند سؤاله عن عدم عرض هذه القطع، يشير خضري إلى حكم حماس والتقوى المحافظة للسكان، ويقول ببساطة «أريد لمشروعي أن ينجح». إلا أنه تمكن من إحضار وزير من حكومة محمود عباس (أبومازن) لمشاهدة المعرض مؤخرا، وأشار إلى صليبين على أعمدة بيزنطية ليتأكد أن الوزير لا يملك أية اعتراضات. أكثر ما يحزنه هو الفجوة بين العقلية الضيقة لحماس اليوم والانفتاح على العالم في الماضي.

عمل خضري، صاحب شركة الإنشاءات البارز البالغ 48 سنة، والمؤمن بالتعايش والثقافة العالمية على جمع القطع الأثرية طوال 22 سنة، منذ أول مرة شاهد فيها قطعة نقدية إسلامية زجاجية، فوقع بحب ارتباطها بحقبة خَلَت. منذ ذلك الوقت طلب من جميع عمال البناء الذين يعملون لديه الاحتفاظ بما يكشفون عنه في أعمالهم الحفرية حتى يبحث فيها عن كنوز أثرية. ويعرف الصيادون المحليون أن أي شيء قديم يلفظه البحر على الشاطئ سيحصل على ثمن جيد من خضري.

في العام 2005 أقنع الخضري الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالسماح له بإعداد متحف وطني للآثار بمعونة سويسرية. وقد تم اختيار الموقع وإعداد العرض في متحف جنيف للفنون والتاريخ، وقد اجتذب المعرض مجموعات كبيرة من الناس.

وفي يونيو/ حزيران العام 2007 وبعد شهور قليلة من فوز حماس البرلماني، خاض رجال حماس وحركة فتح التابعة لعباس معارك شوارع انتهت بطرد فتح وعباس من غزة.

مع توقف المشروع وإغلاق حدود غزة قرر خضري القيام بالمشروع وحده، فقام ببناء مطعم ومقهى (مع ساحة لبناء فندق)، وقام بإضافة المتحف على قطعة الأرض نفسها. وقد أطلق اسم «المتحف» على كامل المجتمع على الساحل قرب مخيم الشاطئ لللاجئين شمال مدينة غزة، قائلا «لا يسمع الناس هنا هذه الكلمة. أريد أن أدخلها إلى قائمة الكلمات».

من المحتمل أن يجتذب المتحف أعدادا كبيرة من الزوار بسبب عدم وجود شيء يفعله الإنسان هناك، حيث إن المصانع مغلقة والاقتصاد يعاني من الكساد.

وقد حصل أن أصدر متحف «إسرائيل» في القدس لتوه كتيبا عن حفريات غزة التي قام بها فريق إسرائيلي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وقد تمت الحفريات بقيادة سيدة «إسرائيل» الأولى في علم الآثار، ترود دوثان في دير البلح تحت حراسة الجيش وكشفت عن حلى ذهبية وأوانٍ من الرخام، والأهم من ذلك كله توابيت وقبور، موجودة جميعها اليوم في متحف «إسرائيل». قام وزير الدفاع وقتها موشيه دايان الذي كان يعشق علم الآثار، الذي تحدى القوانين كافة، بنهب بعض هذه الآثار ببساطة، وتوجد مجموعته في متحف «إسرائيل» الآن كذلك.

عند إخبارها عن المتحف، قالت دوثان إنها طالما رغبت بأن يكون هناك متحف في غزة ليضم ما كشفت عنه. وقال خضري إنه زار متحف «إسرائيل»، ويأمل أن تجد مجموعة غزة في يوم من الأيام طريقها عودة إلى غزة، «بعد أن تكون عندنا حكومة مؤهلة والقدرة على حماية تراث غزة». أما فيما يتعلق بدوثان فقال: «لقد أحسنت صنيعا تجاهنا، لأن هذه الكنوز كانت ستضيع أو يتم تدميرها اليوم».

ويقول مدير متحف «إسرائيل» جيمس سنايدر إنه إذا كانت هناك دولة مسالمة في غزة ومتحف هنا «فأنا لا أرى سببا يمنع التوصل إلى ترتيب لقرض طويل الأجل».

مثل هذا الحديث اللطيف بين الإسرائيليين والغزيين هو أمر نادر هذه الأيام. ويقول جيمس سنايدر إنه بسبب الإغلاق الحالي الإسرائيلي لغزة، الذي يمنع الجميع باستثناء الحالات الإنسانية الطارئة من مغادرة القطاع، «هناك أمر مشوّه يمنع الغزيين اليوم من مشاهدة تراثهم في متحف خاص بهم».

* مساعد محرر الشئون الخارجية في «نيويورك تايمز»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2165 - السبت 09 أغسطس 2008م الموافق 06 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً