العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ

مدلولات تعثر جولة الدوحة

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

يشكل تعثر جولة الدوحة لتحرير التجارة الدولية خسارة لدول مجلس التعاون الخليجي. وكانت المفاوضات متعددة الأطراف قد انطلقت في العاصمة القطرية (الدوحة) في نهاية العام 2001 لغرض تعزيز عملية تحرير التجارة والانفتاح الاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. وقد بدأت الجولة بعد أسابيع فقط من أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة. وفسر المراقبون انطلاق الجولة دليلا ماديا على وجود إرادة عالمية لتعزيز التجارة على رغم مأسوية الحدث.

تضم المنظمة 150 عضوا بينها جميع دول مجلس التعاون الخليجي من دون استثناء. وقد حاول وزراء 35 دولة إحراز تقدم عبر مفاوضات على مدة 10 أيام في شهر يوليو/تموز الماضي مستفيدين من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش. يعرف عن إدارة بوش (وهي إدارة جمهورية يمينية محافظة) ميلها للتجارة الحرة. بيد أنه قد يحدث تراجع في الموقف الأميركي في حال سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الأبيض فضلا عن الكونغرس في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. يسيطر أعضاء الحزب الديمقراطي في الوقت الحاضر على الكونغرس بزعامة نانسي بلوسي.

فشل حل الخلافات

تتمثل نقاط الخلاف الجوهرية بين التكتلات الرئيسية في مفاوضات الدوحة في قضيتين تحديدا الدعم الأميركي للقطاع الزراعي والضرائب الجمركية التي تفرضها بعض الدول النامية على الواردات الزراعية. تقدم الولايات المتحدة شتى أنواع الدعم لمزارعيها تشمل ضمانات شراء من الحكومة الفيدرالية فضلا عن التسهيلات الائتمانية المقدمة من بنك الصادرات والواردات الأميركي للدول الراغبة في شراء المنتجات الزراعية الأميركية. يمثل الدعم الأميركي خسارة للدول النامية إذ يحرمها من فرص تطوير القطاع الزراعي في بلدانها نظرا لوجود البديل الأميركي والذي بدوره يعتمد على أحدث وسائل التقنية وشروط الصحة فضلا عن التسهيلات الائتمانية الممنوحة للدول الراغبة في الاستيراد من أميركا. وتقدر قيمة الدعم الذي قدمته الحكومة الفيدرالية إلى مزارعيها بنحو 150 مليار دولار في الفترة ما بين 1995 و 2005.

بدورها تطالب الولايات المتحدة بالحد من الضرائب المفروضة على الواردات الزراعية (ما يعني فتح الأسواق) أمام منتجاتها أو ما تسميه بحق الوصول للأسواق الأخرى وخصوصا للاقتصادات الصاعدة مثل الهند والبرازيل. تفرض بعض الدول النامية الكبيرة ضرائب على الواردات الزراعية تصل لنحو 65 في المئة بحجة حماية منتجاتها الزراعية المحلية من المنافسة الأجنبية المدعومة فضلا عن ضمان إيرادات للخزانة العامة. عموما لم تنجح محاولة شهر يوليو/ تموز في إيجاد مخرج للأزمة بسبب وجو خلافات جوهرية بين المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة من جهة ومعسكر الاقتصادات النامية الكبيرة بقيادة الهند بشأن الحد من الدعم مقابل فتح الأسواق.

خيبة أمل

اشتهرت دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء السعودية لفترة زمنية) بعدم استثمارها أموالا ضخمة على القطاع الزراعي لأسباب موضوعية منها ندرة الأراضي الزراعية وشح المياه فضلا عن توافر البديل الرخيص نسبيا. لكن ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 75 في المئة منذ العام 2000 لأسباب مختلفة منها تداعيات ارتفاع أسعار النفط على تكاليف الإنتاج والشحن. وتكمن الأسباب الأخرى باتجاه مزارعين من أميركا اللاتينية للوقود الحيوي بدل إنتاج الحبوب الأمر الذي أضر بالمخزون وبالتالي الأسعار.

في المقابل، زاد القلق في الآونة الأخيرة فيما يخص ضمان توافر الكميات المطلوبة من المواد الغذائية ما دفع ببعض بدول مثل السعودية والإمارات بالتفكير للاستثمار في أراض زراعية في الخارج وخصوصا السودان ومصر وباكستان. على سبيل المثال، لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان وتدرس إمكانية شراء أكثر من 100 ألف فدان من الأراضي الزراعية في باكستان.

وكانت المملكة العربية السعودية قد بذلت جهودا مضنية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية (أصبحت عضوا في العام 2005) أملا منها في الحصول على مزايا اقتصادية من العضوية. وقد اتخذت السلطات السعودية سلسلة إجراءات لغرض الحصول على العضوية بما فيها تحرير العديد من القطاعات أمام المنافسة الأجنبية وخصوصا قطاع الخدمات المالية.

خطر الاتفاقيات الثنائية

يمثل شبه انهيار مفاوضات جولة الدوحة المتعددة الأطراف خسارة للدول النامية ومنها دول مجلس التعاون لأنها ستدفع باتجاه إبرام المزيد من الاتفاقيات الثنائية وليست الجماعية الأمر الذي يخدم مصالح الاقتصادات الكبيرة إذ بمقدورها فرض شروطها على الاقتصادات الصغيرة نسبيا. تحصل الاقتصادات الرئيسية في العالم مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بموجب الاتفاقيات الثنائية على فرص لفرض شروطها وذلك استنادا إلى قوة اقتصادها. يعد الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الأكبر في العالم على الإطلاق لكن تعتبر مجموعة الاتحاد الأوروبي والتي تضم 27 بلدا أكبر تكتل اقتصادي في العالم. فقد وافقت البحرين على الشروط الأميركية بخصوص الملكية الفكرية كشرط لدخول اتفاق التجارة المبرم بين الطرفين حيز التنفيذ في أغسطس/ آب من العام 2006. وقد عمدت السلطات البحرينية على تعديل واستصدار ثمانية قوانين تتعلق بأمور مثل حقوق المؤلف والعلامات التجارية نزولا عند رغبة واشنطن.

تحمل المسئوليات الدولية

تبعث قضية تعثر مفاوضات جولة الدوحة برسالة سلبية فيما يخص حدوث تعاون أممي لحل بعض القضايا المستعصية مثل أزمة الغذاء. لا شك أنه أمر غير معقول عدم قدرة الدول المعنية بالأمر وضع خلافاتها على طرف وتحمل مسئولياتها الدولية بوضع نهاية سعيدة لجولة الدوحة. على الدول الغربية أن تعي بأن قواعد لعبة التجارة الدولية قد تغيرت منذ انطلاق الجولة بدليل بروز اقتصادات الصين والهند والبرازيل. في المقابل، المطلوب من الاقتصادات الصاعدة تحمل مسئولياتها وعدم اعتبار نفسها دولا نامية وبحاجة إلى حماية بعض القطاعات الاقتصادية وخصوصا الزراعة.

ختاما ليس من المستبعد أن يحدث تراجع نسبي لدور منظمة التجارة العالمية في حال فشل مفاوضات جولة الدوحة ما يعني إطلاق العنان للاتفاقيات الثنائية والإقليمية على حساب الاتفاقيات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً