قال خطيب جامع سار الكبير الشيخ جمعة توفيق في خطبة الجمعة أمس «عند تلاطم أمواج الحياة، وكثرة انشغال العبد بالدنيا بين العمل والكسب والانهماك قد ينسى الكثير من الأمور التي تهمه فيها مصلحته فتراه يعمل بجد واجتهاد ولكنه يخسر ولا يربح، ويندم ولا يفرح؛ والسبب أنه بعمله في الدنيا نسي آخرته، ولذلك جاءت الكثير من الآيات لتذكرنا المصير والهدف والمعاد».
وضرب توفيق مثلا بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (18) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون (20)» (سورة الحشر)، وأضاف أنها «آيات قليلة تحمل في طياتها الكثير من الأعمال والحكم، وهي تذكر كل واحد منا بما ينتظره والواجب الذي عليه».
وأكد توفيق أن المسلم يحتاج بين وقت وآخر إلى تذكير بالآخرة، وما أكثر المذكرات والمنبهات في هذا الزمان، فوسائل الإعلام والتقدم التكنولوجي تورد أخبار الوفيات، ولو تدبر حاله لما وجد نفسه مختلفا عن الآخرين. وتساءل: «ما الذي يميزك عنهم وقد قال الله لصفوة خلقه وأشرفهم وأكرمهم «إنك ميت وإنهم ميتون. ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون» (الزمر: 30) هذا سيد الخلق (ص) يذكره ربه بالموت، ومن جعل الموت نصب عينيه لم يغفل ساعة».
وقال توفيق: «حذر سبحانه من نسيان هذه الحقيقة، ومن نسي الموت والمعاد والوقوف بين يدي الله تعالى ضاع عمره في الدنيا من دون نتيجة، بل كيف يعمل وهو لا يفكر في آخرته فقال سبحانه تعالى: «ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم» (الحشر: 19) أي: لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: «أولئك هم الفاسقون» أي: الخارجون عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم، ويصدق هذا القول ما جاء عن رسول الهدى (ص) حينما شخَّص الداء وبين العلة وهو الانهماك في الدنيا، فاسمعوا هذا الحديث وتنبهوا له، عن أنس بن مالك (رض) قال: قال رسول الله (ص): «من كانت الآخرة همَّهُ جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همَّهُ جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له».
وأضاف توفيق إنه حديث عظيم من نبي عظيم (ص)، فقد جعل هذا الدنيا همه فعمل لها فجد واجتهد ولكن في جمع الدنيا فيأتيه المرض والكبر فيقعده عن عمل الصالحات وتختم أعماله وحياته بالموت فماذا يصنع وكيف يحتال على الموت وليس له إلا طلب المهلة «حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون» (المؤمنون: 99) وما نذكر به هو ما أمر الله نبيه أن يقوله للناس «وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال. وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال. وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» (إبراهيم: 44 و45) نعم هذا من عمل للدنيا ونسي حظه من الآخرة.
وأشار إلى أن النبي (ص) بين أن من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، فما طمع بما في الدنيا لأنه يزول، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، صاغرة لأنه جعل الآخرة همه.
وأوضح أنه لكي يعالج القرآن انهماك الناس بالدنيا ذكر بعض الأسباب ونبه إليها، فقال في كتابه الحكيم «يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئكَ هم الخاسرون» (المنافقون: 9) وقال «يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم. إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم» (التغابن: 13 و14)، فالأزواج والأولاد والأموال فتنة للعبد فيختبركم ويمتحنكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه؟
ونوه إلى أن «بعض الناس يعمل لأولاده وأهله وماله ويضيع آخرته، وكم ذكرنا قول الخليفة عمر بن عبدالعزيز حين وفاته لأولاده: إن الله خيرني بين أن أغنيكم وأدخل النار أو أفقركم وأدخل الجنة فاخترت إفقاركم ودخول الجنة». مبينا أنه ليس معنى ذلك أن الإنسان لا يعمل لدنياه وأولاده، بل في عمله لأهله وولد مأجور وثوابه عظيم ولكن لا تشغله هذه الأمور عن تحصيل الآخرة كما قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون».
وختم قائلا إن «من يستعن بالله بصدق يعينه الله تعالى، والعمل للآخرة ليس بالسهل، فالنفس التي بين أيدينا لا تريد التعب والجهد، بل تدعو إلى الراحة والخمول، ولذلك كان السلف الصالح من الصحابة التابعين يجبرونها على العمل. فالعبد يعمل للآخرة ويحذر كل الحذر من الدنيا اللاهية، وليتعظ المسلم بمن حوله من ذهاب الأقارب والأحباب».
العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ
سامر
لو تجعلون هذا أنشودة أو درس