العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ

تصريحات إبراهيم شريف: شهادة وفاة أم ميلاد للمعارضة؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

«الجمعيات السياسية المعارضة في حالة ضعف عام سببه عدّة أمور. تجربة دخول الانتخابات دون برنامج مشترك وقائمة وطنية موحّدة أدّت إلى حدوث خسائر كبيرة وتقويض جزء مهم من رأسمال العمل السياسي المشترك الذي تم بناؤه خلال فترة المقاطعة. كما أنّ الانقسام الذي حصل داخل الجمعيات المقاطعة لانتخابات 2002 بين مُشارك ومقاطع أدّى إلى اعتزال عدد كبير من النشطاء السياسيين والدستوريين العمل السياسي اليومي. أثبتت التجربة قلّة الكوادر المتخصصة والمتفرّغة للعمل السياسي، فالملفات المطروحة كثيرة، والعاملون فيها قليلون.

نحن اليوم بحاجة لكوادر أكثر مما كان لدينا كي نستطيع إعطاء كلّ ملف وموضوع حقه، وهذا بحاجة لتفريغ عدد من الكوادر المتخصصة وهو ما لا تتوافر الإمكانيات له».

هكذا كان الوضع العام لقوى المعارضة السياسية في البحرين بحسب ما لخصه وأوجزه الأخ إبراهيم شريف أثناء لقائه مع «الوسط»، وهو أبو شريف أحد قادتها الرئيسيين ورئيس الجمعية السياسية الأولى تاريخيا في البحرين؛ أي تنظيم «وعد» وصاحبة سجل ورصيد تراكمي لا يُستهان به من النضال السياسي الوطني، فهل كانت يا ترى شهادة وفاة للمعارضة البحرينية أو شهادة ميلاد لها؟!

وهل من الممكن استيعابها نقديا من جديد وتجاوز هذه المرحلة من التراخي القاتل التي أعتبرها الأخطر على قوى المعارضة البحرينية وخصوصا «وعد»، بل أنّ هذا التراخي الذي تتفشى في أعطافه آلاف صنوف الشقاء والإحباط والخيبة هو أشد كارثية وسوءا على المعارضة وجمهورها من عهد أمن الدولة في اعتقادي؟!

وإنْ كنت اتفق مع شريف في ما طرحه بشأن الأكلاف الهائلة والمضنية لـ «تجربة دخول الانتخابات من دون برنامج مشترك، وقائمة وطنية موحّدة أدّت إلى حدوث خسائر كبيرة وتقويض جزء مهم من رأسمال العمل السياسي المشترك الذي تم بناؤه خلال فترة المقاطعة» وهو ما سبق أن أشرنا إليه في عدّة مقالات، فتلك الخطيئة الرئيسية القاصمة التي تسببت بتشرذم قوى المعارضة وإحباط الشارع وزيادة تراكم الملفات العالقة في رئة الشعب المضطهد إنما تتحمل مسئوليتها الأكبر الشقيقة الأكبر للمعارضة «الوفاق» والممثلة الوحيدة لها في البرلمان التي ما ارتأت ترك فاصل براغماتي ونقدي بين مرجعيتها الدينية ومنهجيتها السياسية لكونها تحمل «أجندة دينية محددة»، وهو ما يعني على الوزن ذاته أنّها لم تترك حاجزا بين حلمها وسعيها لاحتكار زعامة وتمثيل الطائفة وبين العمل السياسي الوطني، وهو ما يعد التفكير والطرح للجمع ما بينهما محض هراء فارغ، فهل سيلتقيان؟!

وكيف ستتصرف «وعد» وشقيقاتها في المرحلة المقبلة في حال واصلت «الوفاق» تكرار تلك الخطيئة السياسية المجلجلة وأصرّت على رفض «البرنامج المشترك» و»القائمة الوطنية» وأعادت تشييد مجد «الكتلة الأكبر» الوهمي الذي نجح جاسم السعيدي في جرجرته والاستهزاء به أيما استهزاء على فواصل الإثارة ولوقت أكبر مما هو متاح له؟!

وإنْ كانت حالة الضعف العامّة تلك راجعة إلى الخطيئة الرئيسية آنفة الذكر بالإضافة إلى ما ذكره شريف بشأن النقص والقلّة في الكوادر المتفرغة والمتخصصة وهو عارض طارئ ومحتمل وعائق موضوعي نضيف إليه تراجع عزيز أبل كأحد أبرز الكوادر المتخصصة التي عملت بجدٍ ونشاط في العديد من المراحل وآخرها «المقاطعة» وانسحاب أبل الهادئ والغامض من ساحة المعارضة بعد دخوله البرلمان، وغياب المناضل الرمز عبدالرحمن النعيمي الأب الروحي لـ «وعد» بسبب غيبوبة مفاجئة - شفاه الله منها - ما زاد من إرباك المعارضة الوطنية ولخبط الأجندة والقضايا والملفات التي لطالما امتاز النعيمي بدوره الرئيسي في تحديدها ووضعها، وهنالك في النهاية وفي ما يتعلق بـ «وعد» توجد ضرورة حتمية لمحاسبة ومساءلة المنهج الإداري لإبراهيم شريف، وما أدى إليه في النهاية إلى بلبلة طبيعية وتشوش تراكمي واضح في تحديد الأولويات وترتيب القضايا إلى حد التشابك والتيه في عبث متوالٍ لا خلاص منه، كما أدّى بالجمعية إلى أنْ تكون وقاعتها أثناء الأزمات المصطنعة والمثارة أكبر مناحة سياسية في البحرين قابلة للتأجير السياسي والتجيير الطائفي ونذكر منها الأحداث الأخيرة، بل أنّ ذلك شهد تراجعا ملحوظا ولافتا لأم القضايا الجذرية وهي قضية «الإصلاحات الدستورية» وعنوان القضايا المرحلية كالقضايا الإسكانية، والعمل النقابي وغيرها لتتربع قضية «الدوائر الانتخابية» على العرش لأوّل مرة كأنما حلم المعارضة «الوعدية» وغيرها هو نيل مقعد انتخابي من معاطف بركات «الوفاق» بعد طول توسّل على أمل ربما يتكرر في سيناريو استخلاف لمقعد أبل النيابي في المرحلة المقبلة وتكراره مرة أخرى بوجه جديد لم يفلح مسبقا في دائرته المغلقة!

ومثلما شهدنا تراجعا عن حضور «وعد» في الشارع المحرّقي والمناطق ذات الغالبية السنية المأسورة التي ربما لم تشهد من فعالياتها وتحركاتها إلاّ بـ «القرقاعون» و»المسحر» وحوارات مجلسية في مقابل ما شهده شارع «الوفاق» و»حق» من جرعات مفرطة من التسييس ومن التغذية بالأرقام بملعقة شريف وهي في النهاية مقايضة خاسرة رغم كون شريف قد اعتبر المحرّق ذاتها محطة الحسم سابقا خلال إحدى لقاءاته الجماهيرية!

أمّا بالنسبة إلى غياب ونقص الكوادر المتخصصة وحتى الكوادر الإدارية والميدانية في العمل السياسي فحدّث ولا حرج خصوصا مع استشراء ظاهرة «الون مان شو» في أوساط المعارضة البحرينية وخصوصا في جمعية «وعد» بعدما ظلت سمة غالبة على مؤسسات الحكومة والقطاع الخاص كما ذكرنا ذلك سابقا، كما أن تركز مثل هذه الظاهرة في أوساط التنظيمات السياسية العارضة ولاسيما «البيت الوعدي» لا يكتنه فقط معاني الإخفاق المؤسسي والحرمان والنقص الفادح في تلك الكوادر العصبية والحساسة بل ويمتد إلى انحصار تلك التنظيمات وذلك البيت العامر في إسار الشللية والفئوية الذاتية، فليس غريبا أنْ ترى رجلا فاضلا وقد تمت توليته مسئولية إدارة مقر الجمعية وهو عضو في «اللجنة المركزية» وعضو في «المكتب السياسي» وفي اللجان الفرعية وهو «المسئول الإعلامي»، فلا أظن أن «غراندايزر» نفسه قادر على أداء تلك المهام القياسية! فلا يستطيع الفصل بين جميع التداخلات السلطوية والاشرافية تلك إلا نصف إله والعياذ بالله!

وعن مستقبل العلاقة مع «الوفاق» فقد لفت نظري ما أدلى به شريف في قوله: «في علاقتنا مع الوفاق فإننا نترك مسافة نقدية، ولكن العمل الوطني المشترك يستدعي عدم تكبير الصراعات. فمثلا عندما طرح الشيخ عيسى قاسم شعار «الموت للعلمانية» تصدّينا لرأيه في كتابات صحافية ولكن ظلت العلاقة ودية مع الوفاق. البعض يريد أنْ يخوض جميع معاركه اليوم، ونحن نرى بأنّ المعارك يجب أنْ تخاض في وقتها»، ولعلّ إبراهيم شريف يدري في النهاية أكثر من غيره من قادة المعارضة بأنّ رفع الشيخ عيسى قاسم لشعار «الموت للعلمانية»، وهو الاسفين الذي ضرب التعاون بين «الوفاق» و«وعد»، لم يأت في حد ذاته عبثا مروحا أو نكوصا وحنينا فكريا إلى أيام «الكتلة الإسلامية» بل فهم أنه قد مثل حينها استعداد الأب الروحي والمرجع الديني والسياسي لـ «الوفاق» لبسط المزيد من النفوذ الكاريزمي عبر التودد للتيارات الشيعية التقليدية التي لطالما ظلت أقرب إلى حضن الدولة من حضن «الوفاق» في سبيل تحقيق حلم الزعامة الكلية والأوحدية للطائفة، وكلّ ذلك إنما يأتي في النهاية على حساب العمل الوطني السياسي!

متى ستأتي معركة «البرنامج المشترك» و»القائمة الوطنية الموحّدة» يا شريف؟! ومتى سيكف البعض عن التضحية بهما لصالح مصالح وأجندة الطائفة بعدما ذهب عصر «أبنائي» و»الشعب البحريني» و»اشتياق يعقوب إلى يوسف» ونحن على فراقهم لمحزونون؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً