العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ

الطريق إلى طهران: مذاق كله مر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما قاله نائب الرئيس الأميركي بشأن ضربة (صهيونية مُجازة) لإيران كلامٌ أكثر من خطير. فهو يبدو حنين إمبريالي لإدارة جمهورية راحلة فَجَرت ونزّت في البلاد والعباد حتى شحمة الأذن.

وهو ما يعني بقاء المنهج والتصرّف وإن راوَح ما بين الإقدام والإحجَام. وأيضا رسوخ أكبر وأكثر في الاستراتيجيات وتبدّل أصغر وأقل في السياسات. وبالتالي فإن التعويل أكثر من اللازم على التغيير أمر غير سليم.

توقيت التصريح جاء في الساعة الخطأ. داخليا النظام الإيراني يتخطّى بقوّة تلابيب أزمة. والمهزومان في الانتخابات (موسوي وكرّوبي) خفّ جؤارهم إلى ما دون أن يُسمع، وهما يُراكمان سُبّة العَون الغربي لهما، إلى الحدّ الذي جعل المعارضة الإيرانية في ورطة الفصل في الخيارات وكأنها تنتف الوبر عن قشرة البيض.

خارجيا فقد بدأ الإيرانيون في إيذاء البريطانيين في الساحة الأفغانية بُغية تبهيت قوّتها هناك ردا على موقفهم من أزمة الانتخابات الإيرانية، وهو ما جعل حكومة براون تواجه شكوك الشارع البريطاني والمعارضة في حزب المحافظين صدرا بصدر.

لن يُفلِح الأميركيون ولا الأوربيون في تسويق ما قالوه بحقّ العراق قبل غزوه باتجاه إيران. وقد حاول حاكم فرنسا الساركوزيّة أن يُردّد مقولة بائسة لجورج بوش قالها قبل غزو العراق، وهي أن «الشعب العراقي يستحقّ قيادة أفضل»! لكنه أخفق.

فإذا كان (بعض) المعارضين العراقيين قد تعثّث صوب البيت الأبيض مُشجّعا كولونيالية أميركية، ومُتذرّعا بحريّة منقوصة أو ديمقراطية ضائعة في بلادهم ليدفعوهم صوب غزو العراق، فماذا سيقول (بعض) المعارضين الإيرانيين للأميركيين بشأن ديمقراطيتهم إذا؟

هل سيقولون لهم بأننا بدّلنا خمسة رؤساء في بحر ثلاثين سنة، وجئنا بثمانية برلمانات، وأربعة مجالس للخبراء؟ أم هل سيقولون لهم إننا نملك أكثر من ألف صحيفة ومجلّة وأكثر من أربعين حزبا وتيارا، واتهمنا رئيسنا بالكذب علنا في التلفزيون خلال مناظرات المُرشّحين في الانتخابات؟! هذا في أحوال المعارضين.

داخل الحكم، الإيرانيون يُدركون أن الإدارة الأميركية الجديدة هي بالتأكيد ليست كتلك المنصرفة، لكنها ليست حَسَنة. فخمسة من القرارات ضدهم أصدرتها (أو جدّدت العمل بها) خلال الشهور الأولى من هذا العام.

هي لا تُريد صِداما مع إيران لكلفته العالية لكنها أيضا لا تريد أن ترى الأخيرة تملك مقعدا في النادي النووي. وخصوصا أنها في منطقة تحكمها توزانات حسّاسة جدا. وبالتالي فهي تراوح ما بين هذا وذاك.

وحين تختار واشنطن مسار التفاوض مع إيران فهي تُدرك أن هذا المسار سيُضغط عليه (إيرانيا) من خلال نفوذها في الإقليم، وستردّ هي بأقل من السياسات الصلبة المُؤجّلة، أي نحو العقوبات والعمليات الاستخباراتية.

لكن مشكلة واشنطن هي في عدم قدرتها على لجم النفوذ الإيراني. فهو ليس أقل تعقيدا من الخيار العسكري. فحين تنسحب من العراق فإن التمدّد الإيراني جاهز للتموضع هناك.

وحين تُريد واشنطن ترويض الجماعات الفلسطينية الجهادية الحليفة لإيران فهي مُضطرّة لدفع تل أبيب لتقديم تنازلات جوهرية في بنية الصراع العربي الصهيوني، بدءا بالمستوطنات والقدس وانتهاء بموضوع اللاجئين.

وحين تُريد اختراق التحالف الإيراني السوري فهي مُضطّرة أيضا للضغط نحو إعادة الجولان المحتل وتسوية قضايا المياه التي تعتبر مصيرية للكيان الصهيوني، وأيضا تقديم عروض اقتصادية سخيّة لدمشق ليس أقلّها إدخالها إلى منظمة التجارة العالمية.

وحين تُريد تقليل منسوب العلاقات الإيرانية الروسية فعليها أن تُقدّم لموسكو ما لا يستفزّ أمنها في القوقاز، وما يشفي غليلها في المياه الدافئة، وإطلاق يدها في أوروبا، وهو ما يعني ضمور أميركي عالمي لصالح تعددية قطبية صاعدة. إذا والحال كذلك فإن كلّ طريق غربي مع طهران سيكون مذاقه مُرْ.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً