العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

بين «الدستوريين» والسياسيين بون شاسع

تبدو فكرة مقاطعة الانتخابات النيابية التي أعلنت الحكومة تنظيمها في 24 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مبنية على أساس دستوري وحقوقي متين. أما على الجانب السياسي - إن جاز الفصل بين الجانبين - فتبدو القدرة على المناورة واسعة، باتساع وتشابك العلاقات وموازين القوى.

وتتساءل القوى السياسية - التي تتفق على أن دستور 2002 جاء مخالفا لمرجعيتي ميثاق العمل الوطني ودستور 1973 - أيُّ الجانبين: السياسي أم الحقوقي، هو الذي يحكم الموقف من الانتخابات؟

الذين ينادون بالموقف الدستوري، يرون أن صدور الدستور «بإرادة ملكية»، وخارج الآلية التي تثبتها المادة (104) من دستور 1973، أي من دون أن يقره نواب الشعب المنتخبون، فضلا عن خروج نصوصه عن صيغة «ميثاق العمل الوطني»، وانتقاصه من الحقوق التشريعية للمجلس المنتخب، كفيل بأن يحدد الموقف من الانتخابات، دونما حاجة إلى الغوص في متاهات موازين القوى في الداخل، وانعكاسات الخارج عليها.

ويعتبر هؤلاء الدستور الصادر في 14 فبراير/شباط من العام 2002 جديدا، لا معدلا، وهو دستور «منحة»، لا دستورا تعاقديا. وأن المشاركة في الانتخابات النيابية ستضفي شرعية لاحقة عليه، كونه لم يحصل على شرعية سابقة، كما هو حال دستور العام 1973.

أما أصحاب الموقف السياسي، وهم عمليا أصحاب القرار في المعارضة، وينظرون للقانونيين كتقنيين، فلا يختلفون في أي من النقاط التي يذكرها «الدستوريون»، لكنهم يضيفون أبعادا أخرى للموقف. ويتساءلون أسئلة متحركة مع الزمن، لذلك تراهم مرة مع المشاركة، ومرة أخرى مع المقاطعة، وأحيانا كثيرة لا يمتلكون أي موقف واضح.

وتدور أسئلة السياسيين حول محور رئيس مفاده: أين تكمن المصلحة، في المشاركة أم في المقاطعة؟ وتتفرع من هذا السؤال أسئلة أخرى: هل التغيير من داخل البرلمان ممكن؟ وما حدود هذا الإمكان؟ وهل المقاطعة تعني انتكاسة للمشروع الإصلاحي أم انها تقوية له؟ وما احتمالات عودة العنف؟ وما البرامج التي سيتم التركيز عليها حال المشاركة؟ وما الآليات التي سيتم انتهاجها عند اتخاذ قرار بالمقاطعة؟ وما تأثير القرار على وضع القوى السياسية؟ ما هي أوضاع المشهد الإقليمي والدولي وايحاءاته؟... الخ.

في العمق، يبدو موقف الدستوريين والسياسيين مختلفا، وإن بدا متوافقا بعد 3 سبتمبر/أيلول، يوم إعلان المقاطعة.

فـ «الدستوريون» حسموا موقفهم منذ 14 فبراير الماضي، بألا جدوى، ولا معنى من التعاطي مع لعبة سياسية ستكبل الأجيال القادمة، وستقلل من فرص المشاركة الشعبية في القرار على المدى الطويل، ذلك أن دستور 2002 «يقفل» مساحات التغيير. وقبل ذلك وبعده فإن آلية ومضمون صدور الدستور، تغلب، بل تفرض، مقاطعة الانتخابات.

أما السياسيون، فناوروا على مدى شهور، ولو كان هنالك متسع من الوقت لناوروا أكثر، وهم لم يتعبوا بعد، ومستعدون لدخول معارك سياسية وجولات حوار، حتى لو قيل انها من دون جدوى. ولا يستبعد (على المستوى النظري على الأقل) إعلان أي صيغة خلال الأيام المقبلة أو خلال الأعوام المقبلة، تجعلهم ربما يبتعدون عما يسميه الدستوريون موقفا مبدئيا، وحقوقيا. أقلها المشاركة في الانتخابات التي تلي الانتخابات الحالية.

السياسيون براجماتيون دائما، وقد يقودهم ذلك إلى الخطأ مرات، وإلى الصواب مرات.

إن الذي جعل السياسيين يقاطعون انتخابات أكتوبر، ليس التغيير الدستوري، وإنما اعتقادهم أن المشاركة لن تضمن الحد الأدنى من الحقوق التي طالبوا بها طوال عقود، وعمودها الفقري برلمان منتخب بصلاحيات تشريعية ورقابية «كاملة».

ذلك لا يعني أن الجانب الدستوري كان مغيبا، بل العكس، إذ ظل الدستور أساسا للتعاطي والتجاذب السياسي، وأظهرت المعارضة مرونة كبيرة افتقدتها الحكومة. لكن المقصود من كل ما سبق أنه ينبغي الا يتوهم «الدستوريون»، مرة، أن السياسيين «مبدئيون»

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً