العدد 39 - الإثنين 14 أكتوبر 2002م الموافق 07 شعبان 1423هـ

هل يأتي دور رأس الرمان بعد المقشع؟

ذكريات منطقة أصابها الإهمال

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

شهرة رأس الرمان بوصفها أهم منطقة في المنامة، ربما تكمن في موقعها الاستراتيجي الذي يربط المنامة بالمحرق، أو لكونها تاريخيا تتمتع حسب الاعتقاد بنظارة حدائق الرمان الغناء الممتدة على طول الشاطئ، من فرضة المنامة حتى رأس الرمان، أو بساطة أهلها وبساطة معيشتهم إذ لا يتعدى قوتهم اليومي الخبز أو الرز والتمر وطبعا السمك. وهذا للأسف الشديد قلت كميته حاليا لفقدان صيادي المنطقة حق المرور البحري.

أهالي رأس الرمان لا يكسبون كثيرا من قطع الفشوت أو الفروش، وهو نوع من الحجر الصخري ينمو في البحر ويستخدم في أعمال البناء. أهالي رأس الرمان وأنا منهم يحملون ذكريات جميلة منذ أيام صباهم، ولا يمكنهم أن ينسوا تلك الأيام الحلوة ومناظر البيئة الطبيعية الفريدة من نوعها التي لم تتأثر بعوامل التلوث البيئي. كما أننا لا ننسى شواطئ رأس الرمان الساحرة، والدردور، وهي عبارة عن فتحة بين ضفتي جسر الشيخ حمد من الأسفل لمرور السفن الصغيرة.

ومن ذكريات طفولتنا في رأس الرمان أننا بعد أن ننهي اليوم الدراسي في مدرسة الشرقية (مبنى نادي رأس الرمان حاليا) ننطلق بحرية وعفوية للشاطئ المقابل للمدرسة، هروبا من القيود المنزلية لاصطياد السمك. وأتذكر أننا كنا نستخدم اختراعا بحرينيا مميزا لاصطياد السمك، عن طريق جلب آنية معدنية نغطيها بشرشف أبيض من القماش، وبعد ذلك نضيف عليها مادة من عجين الطحين السائل، ونفتح خرما وسط الآنية حتى لا يخرج سمك الميد أو المنجوس اللذيذ منها. ولشدة ولعنا بالصيد نشرع في الحال في شواء السمك على الشاطئ وهو طازج على قطعة من البيب المعدني، المستخدم لتخزين السمنة أو التمر قديما.

ربما تكون ذكريات الطفولة الجميلة لا تنسى، ولكن ماذا حل بمنطقة رأس الرمان الآن من دمار لا ينسى أيضا، المنطقة الوديعة الهادئة والمشهورة ببساطة أهلها ومرتاديها في المناسبات الدينية كمناسبة محرم أو المناسبات الوطنية كمناسبة استعراض قوات الشرطة في رأس السنة، إذ يتجمع الجمهور البحريني لمشاهدة حاكم البحرين في تلك الحقبة من الزمن، وهو يستعرض قوات الشرطة أمام مقر المستشار البريطاني تشارلز بلجريف الواقع في المنطقة. كان لمنطقة رأس الرمان حقا دور وطني تشهد له مختلف طوائف وأعراق البحرين، فقد كانت بيوت رأس الرمان في العام 1954 مركزا لاجتماعات الهيئة الوطنية، واتخذت قرارات مصيرية مهمة في تلك البيوت العامرة آنذاك، وكانت مركزا لاحتجاجات أهل البحرين على اعتداءات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العام 1956 على مصر، ومناصرة لثورة الجزائر في الستينات، وملتقى للقوى الوطنية البحرينية في أي عمل وطني حاليا.

كما أن رأس الرمان من ناحية أخرى كانت مركز إشعاع حضاري وثقافي وديني بقيادة أشهر علماء الدين في البحرين من آل الوداعي الكرام. ولا يخفى على أحد دور الطواش الكبير الحاج عبدالرسول محمد العبدالرسول في تماسك أهالي رأس الرمان ووحدة طوائف البحرين، ولا ينسى أهالي رأس الرمان أيضا دور عوائل رأس الرمان من آل العرادي والصباح والنوخذة والرأس رماني وآل رمضان وآل حبيل وآل ماجد وآل ضيف وآل البوسطة وغيرهم في خدمة المجتمع البحريني والحكومة البحرينية، وتطوير وتنمية البحرين وأهلها. مع ذلك فإن منطقة رأس الرمان التي تشكل واجهة لكل زائر للبحرين، ورصيدا وطنيا بحرينيا لا يمكن لأي بحريني أن ينكره أو يستغني عنه، تعاني من اختناق بيني فظيع، ومهملة تنمويا، ومنساة ماليا، ومهمشة حكوميا، ولم يطولها التطور والنمو منذ سنين على رغم تطوير الطرق والشوارع والمباني في المناطق المحيطة بها، ولا تشملها المشاريع الحكومية أو الاستثمارات الأهلية والأجنبية، وفوق هذا وذاك فإن سكانها يعانون من مأساة اجتماعية مستفحلة، فلا يجدون السكن الملائم لأفراد كل عائلة.

أعرف عائلة من خمسة أفراد يسكنون جميعهم في غرفة واحدة لا تهوية فيها، ولا تدخلها الشمس، مع توصيلات كهربائية رديئة وقديمة جدا ما يشكل خطرا عليهم. من ناحية أخرى فإن بعض سكان رأس الرمان الذين يفتخرون بكرامتهم وعزمتهم وكرامة منطقتهم، مع ذلك اضطروا إلى مدّ يدهم طلبا للعون والمساعدة لمواصلة حياتهم العادية.

هذه المنطقة المهمة من العاصمة أصبحت بلا منازع، محاصرة بأحدث تكنولوجيا العصر الحديث. ناهيك عن أن المباني الفاخرة والإشعاعات الكهربائية والضوضاء والتلوث المنبعث من عوادم السيارات، يزيد من اختناق المنطقة كأنها وسط كماشة لا مفر منها. فمن جهة الشرق منطقة الحورة وشارع المعارض بصخبه المعهود، ومن جهة الشمال ناطحات سحاب المنطقة الدبلوماسية التي تم تصميمها على أحدث طراز سواء في هياكل المباني أو الشوارع الواسعة، بينما تشكو رأس الرمان من ضيق شوارعها التي لا رصيف لها وتتكاثر فيها المياه، ومن الغرب المصارف وما أدراك ما المصارف، ومن الجنوب الحواري القديمة في المنامة التي لم تطلها أيدي التعمير أيضا.

ليس هذا فحسب، بل إن شبابها يعاني من الفقر والبطالة والفراغ القاتل لمواهب الشباب وقدراتهم العقلية والبدنية، كما أن شباب المنطقة ليسوا متفائلين بالمستقبل عندما يصلون إلى حد التفكير في بناء أسرة والحصول على العمل المناسب أو المسكن المناسب الذي يليق بكرامة الإنسان. ويذكر أن 80 في المئة من شباب رأس الرمان المتزوجين حديثا، لم يحصلوا على سكن من وزارة الإسكان على رغم مرور أعوام طويلة على تقديم طلباتهم لسكن يأويهم مع عائلاتهم. من ناحية أخرى فإن أهالي المنطقة يتذمرون من عدم قدرتهم على بناء أهم جامع للصلاة في البحرين وهو جامع رأس الرمان الكبير، الذي تعمه الجموع الغفيرة من شتى بقاع البحرين للصلاة فيه، ناهيك عن أنه موقع مميز في البحرين وفي مواجهة ضيوف البحرين القادمين من المطار.

الأمر الأدهى من ذلك أن أهالي المنطقة ليس لديهم مركز شبابي لائق لممارسة هواياتهم. لا يخفى على أحد أن منطقة رأس الرمان لديها أكبر رصيد من الرياضيين والفنانين التشكيليين والنحاتين والكتاب والشعراء والأطباء والمحامين وغيرهم من أصحاب المهن. أهالي رأس الرمان ساهموا بجهدهم في التنمية البحرينية وأضافوا الكثير إلى التطور الحضاري لهذه المملكة، مع ذلك لا يوجد مركز ثقافي متطور غير «مركز شباب رأس الرمان» وهو عبارة عن مدرسة قديمة لا تصلح حتى لإقامة ندوات أو حفلات أو لقاءات ثقافية أو إقامة معارض فنية، ويضطر فنانو المنطقة إلى البحث عن صالات عرض بديلة في البحرين كصالة جمعية المهندسين وغيرها. كما أن مشروع رأس الرمان الكبير وهو إنشاء مكتبة متكاملة لأهالي المنطقة يعاني من صعوبات مالية لعدم تمكن أهالي المنطقة من جمع الأموال اللازمة لافتتاح المكتبة المعهودة. ليس هذا فحسب، بل إن مشروع رأس الرمان لتكريم رواد المنطقة لن يرى النور ما لم تكتمل المشاريع الثقافية الأخرى، على رغم أن المملكة كرّمت الفنان أحمد السني والرياضي عباس الحايكي، لكن هناك الكثيرون في الطابور من رواد المنطقة مازالوا ينتظرون التكريم.

في الختام، بعد إيراد تلك الحقائق الدامغة، هل تحظى منطقة رأس الرمان باهتمام المسئولين في المملكة؟ هل نحلم بزيارة مماثلة لزيارة سمو ولي العهد الأمين إلى منطقة المقشع، للاطلاع على طبيعة الأشياء ومكوناتها في رأس الرمان، ولتلمس مشكلات المنطقة عن قرب، والاختلاط بالأهالي مباشرة للإفصاح عن مشكلاتهم؟ أهالي رأس الرمان كلهم عشم أن تلقى المنطقة ذلك الاهتمام من الرسميين والقيادة الرشيدة

العدد 39 - الإثنين 14 أكتوبر 2002م الموافق 07 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً