العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ

أجراس الهجرة تدقّ في عقول الشباب!

المنامة - محرر الشئون الشبابية 

20 أكتوبر 2002

يكبرون على هذه الأرض، وتتعلق قلوبهم بأحلام المستقبل، وتنبت لهم أجنحة التحليق نحو فضاءاتهم، ولكن لبعضهم فضاء آخر منفصل عن عالمه الذي يعيش ضمن إطاره، فضاء يضم حضارة أخرى، ووجوها أخرى، وعقولا أخرى، تختلف تماما عما تعود عليه. تدق أجراس الهجرة في عقول شباب كثيرين، تتعدد بهم الطرائق ، لكن الغاية واحدة «الهجرة».في دراسة للدكتور ناجي فرداني نشرت في مركز المشكاة للبحث (مصر - يوليو/تموز 2000) تحت عنوان «هجرة الكفاءات من الوطن العربي في منظور استراتيجية لتطوير التعليم العالي» ذكر فيها أن من أسباب هجرة الكفاءات هي «أن الكفاءات أفراد متميزون يسعون إلى تحقيق ذاتهم فكريا ومهنيا، وإلى ضمان ظروف عمل ومعيشة مريحة تكفل لهم حرية التفكير وإمكانية الإبداع. ولما كان هذا السعي يحبط في أغلب الأحيان في البلدان المتخلفة، فإن هذه الكفاءات تجد لها مكانا، إن استطاعت، في بلدان الغرب المصنعة».

وهذا ما أكدته مجموعة من الشباب الذين قابلناهم. قالت ريم (23): «لا أجد نفسي في هذا المكان، أحب بلادي ولا أسمح لأحد بأن يشكك في محبتي وولائي لها، لكن المشكلة ليست في الأرض، بل في ما يجري عليها. أجد صعوبة في تحقيق طموحاتي التي يراها البعض اختراقا لنواميس مجتمع قديم التفكير متحجر النظرة، وأعلم أنني موهوبة ومبدعة في أمور كثيرة، فأنا متفوقة في دراستي والحمد لله، وأتقن العزف على الجيتار والبيانو، ولي طموحات كبيرة ونوافذ إبداع أحاول فتحها ولكن معطيات هذا المجتمع لا تسمح لي سوى بإبقائها مغلقة». ومن جانب آخر علّقت هيفاء (20) على الموضوع بقولها: «نعيش داخل مجتمع لا يمكنه أن يفكر بموضوعية، والرجل العربي والشرقيون مشهورون بالحكم على الأمور تبع أهوائهم وعواطفهم. وأنا بصراحة لا أعرف كيف أتعامل مع هذا المجتمع، الذي يعيش فيه الكل ليراقب الكل. لا أتمتع بحريتي الشخصية، وأعاني كثرة ما ينتقد فلان وينصح علاّن، أريد أن أعيش بشكل آخر».

ليسوا وحدهم ...

قد يعتقد البعض أن هؤلاء الشباب الراغب بقوة في الهجرة إلى بلدان الغرب وخصوصا أميركا، هم من أولئك الذين يعيشون في ثقافة الهامبرجر والجينز والكوكا كولا، أعني أولئك الذين يتجهون ويمارسون «الأمركة» وهذا مصطلح جديد ظهر به المفكرون العرب والذي جاء مترجما لما تسعى إليه العولمة من إذابة الهوية المميزة لكل ثقافة وصهرها جميعها في ثقافة عالمية تصطبغ بالصبغة الأميركية. وقد يتخيلهم البعض مرتدين آخر صرعات الموضة، ويسيرون بقصات شعر غريبة ويتكلمون الإنجليزية ولا يمتون إلى العرب بصلة سوى دمائهم التي تجري في عروقهم، ولكن صدقوني وجدت بينهم شبابا وشابات يرتدون الزي الخليجي وينحدرون من عائلات عربية أصيلة مازالت متمسكة بعاداتها وتقاليدها على رغم مجاراتها التطور التكنولوجي والحضاري. فقد قالت (ن، أ، ذ/20): «أرغب في أن أكمل حياتي في بريطانيا أو أميركا، فهناك يقدر الإنسان ويمنح فرصة للتعبير عن نفسه وأفكاره ويجد مناخا خصبا للإبداع، وأنا أجد في نفسي رغبة حقيقية في أن أعيش هناك، ولكنني سأنهي دراستي المبدئية هنا (البكالوريوس) ومن ثم أكمل هناك، وأتمنى أن أجد شريك حياة يشاركني الفكرة لنكمل حياتنا هناك» وعندما سألناها عن كيفية إكمال مشوار الحياة وتربية الأبناء في مجتمع آخر غير الذي نشأت فيه قالت: «طبعا لا يمكن أن تغفل جانب التفاعل مع المجتمع الآخر بكل معطياته وإيجابياته وسلبياته، ولكن سأحرص على أن أربي أبنائي على الأسس الإسلامية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، لأبني قاعدة تربوية ونفسية تتمتع بروح العروبة والإسلام».

أرض الأحلام وأرض الواقع

ولكن واقع الحياة لا يؤيد النظرة المثالية التي تتمتع بها (ن، أ، ذ)، والتجارب الإنسانية في هذا المجال تؤكد أن غالبية المهاجرين يعودون إلى أوطانهم مهما طالت غربتهم، ولكنهم يتركون في المهجر حياتهم، أبناءهم وعلاقاتهم الاجتماعية التي عكفوا طوال سنوات هجرتهم على بنائها. وقصة «بو حمد» أكبر دليل على ذلك، فهو رجل جاوز الخمسين بقليل، هاجر إلى أميركا في شبابه مأخوذا بأميركا وبكل ما في أميركا، عاش هناك وتزوج وأنجب ابنا وبنتين، ولم يأت إلى الوطن إلا مرات قليلة، ولكنه لم يستطع أن يواصل، فبعد أكثر من 20 عاما هناك، أحس بان هؤلاء الناس ليسوا أهله، وبان هذا العالم بمفاهيمه وأفكاره لا يمت له بصلة، لذلك قرر قبل 10 سنوات أن يعود إلى الوطن ليتزوج من أهله، ويستقر في الوطن، يقول «بو حمد» عن تجربته تلك: «كنت شابا مأخوذا بحماسة الشباب وظننت انه يمكنني أن أعيش في أجواء بعيدة كل البعد عما تربيت عليه عشرين عاما كاملة من عمري. صحيح أنني تعلمت واستطعت أن أكون لنفسي مهنة جيدة أثبت نفسي من خلالها، لكنني خسرت أبنائي الذين لم يتحملوا العيش هنا لشهرين فقط، وعادوا إلى أمهم رافضين الحياة التي أحياها هنا. ولا يمكن لأحد أن يحدد لأبنائه طريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم وخصوصا في مجتمع مفتوح كالمجتمع الغربي، فقد يفعلون كما فعلت، أربيهم على العادات والتقاليد العربية والإسلامية الأصيلة ، لكنني لن أبقيهم داخل صندوق أعزلهم فيه عن المجتمع الذي يعيشون فيه، والذي يؤثر فيهم شئنا ذلك أم أبينا، وهذا ما حصل لأبنائي الذين يعتبرون أنفسهم أميركيين - وهم كذلك فعلا - لا بحرينيين مسلمين».

إضاءة أخيرة

ونقلا عن وكالات الأنباء (ديسمبر/كانون الأول 2001) بلغ عدد المهاجرين الأجانب الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة منذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر /ايلول 2001 بتهمة الاشتباه في صلتهم بالإرهاب 563 شخصا يمثلون 46 دولة من منطقتي الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا. ونشرت مجلة «العصر» الإلكترونية أن «واقع المسلمين في أميركا بعد حوادث 11 سبتمبر: 57 تعرضوا للتمييز و 48 تغيرت حياتهم للأسوأ!». وواقع المسلمين هذا يتكرر في كل الدول الغربية، فهل يضع شبابنا هذه الأمور في الحسبان؟ أم أن للهجرة شكلا مثاليا وصورة وردية لم تطلها يد اللعبة السياسية والتغيرات الفكرية ونظرة تلك المجتمعات إلى الإسلام والمسلمين؟ سؤال أتمنى أن يكون محل اهتمام وتفكير من قبل أولئك الذين تدق أجراس الهجرة في عقولهم

العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً