العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ

مرحلة بحرينية جديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة الانتخابات البرلمانية في 24 اكتوبر/ تشرين الاول الجاري؟

من الصعب تقدير موقف في ضوء النتائج النسبية التي حققها كل فريق. فالأطراف المقاطعة تشكل نسبة كبيرة كذلك القوى المشاركة. فالانقسام الحاصل ليس بين كتلة كبيرة واخرى صغيرة. فالنسبة متعادلة تقريبا، والمقاطعون اقوياء في محافظات ودوائر وضعفاء في مناطق اخرى. والمشاركون ايضا يتمتعون بنسبة كبيرة في مناطق وصغيرة في اخرى. وعموما يمكن القول ان البرلمان الثاني بعد انقطاع دام قرابة ثلاثة عقود لن يعكس موازين القوى الحقيقية في الشارع إلا ان نجاحه سيعيد ثقة مفقودة عند بعض الفئات المتخوفة من التجربة وربما شجعها على خوض المغامرة في الدورة المقبلة. اما اذا فشل البرلمان المنتخب في إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية وكان نجاحه اقل من المتوقع فإن تلك الثقة ستبقى ناقصة وتعطي ذريعة للفئات المترددة لتكرار خطأ المقاطعة في الفترة المقبلة.

نجاح التجربة اهم بكثير من نسبة المشاركين او المقاطعين في الدورة الحالية. فالمعركة الحالية بعد اخذ ورد اختزلت إلى معركة معنوية تقوم على فكرة مختصرة وهي اثبات الوجود وتوجيه رسالة معنوية. وغير ذلك سيدخل في سجل تاريخ مضى لا يمكن تداركه الآن بعد ان وصلت الامور إلى حد المقاطعة. إلا ان مقاطعة الانتخابات لا تعني، وبالضرورة، القطع السياسي مع الحياة العامة. فبعد الانتخابات سيلجأ كل طرف إلى اثبات صحة رأيه. الفائزون سيحاولون اثبات جدارتهم واهليتهم للفوز وسيعملون على اقتراح سلسلة تعديلات لمواد الدستور لتتناسب نسبيا مع حاجات المجتمع ودرجة تطوره. المقاطعون سيحاولون اثبات صحة مقاطعتهم بالتأكيد على هامشية البرلمان وضعفه وعدم قدرة السلطة التشريعية على ممارسة دورها المستقل.

إلا ان الحياة السياسية العامة لا بد لها من الاستمرار في سياق تسامحي حتى تستكمل التجربة دورها وتحقق اهدافها ومهماتها، وهي حتى تنجح في هذا الامر تحتاج إلى مزيد من الوقت، والمزيد من التفهم والتفاهم، والمزيد من وضوح الرؤية. فالسياسة دائما نسبية وهي لا نقوم على الحق في جانب والباطل في جانب آخر. فهذه الامور الحقوقية لا علاقة لها بالسياسة إلا في حدود النسبية. فالمطلق ليس سياسة. السياسة مصالح مشتركة تتحكم فيها توازنات المصالح التي عادة تتوزع على اكثر من فريق ويتبادلها اكثر من فريق وتتوزع مسئوليتها جهات مختلفة ليست بالضرورة متفقة على رأي واحد ولا تفكر بالطريقة نفسها ولا تجتهد في الامور على سوية حقوقية متوازنة في حقوقها المطلقة.

فالحقوق ايضا، وفي المعيار السياسي الزمني، هي نسبية على رغم انها في نصوصها القانونية مطلقة. الا ان النصوص قد تكون مطلقة (وتتبدل زمنيا) ولكنها في الواقع ليست مطلقة. فهي دائما جزئية ونسبية.

لا يقتصر هذا الامر على البحرين بل ينطبق على كل المؤسسات والدول. فكل النصوص الدولية وغيرها من دساتير وطنية هي عامة في فقراتها ولكنها في التطبيق تختلف. حتى المعاهدات والمواثيق والاتفاقات والعقود التي توقعها الدول على مستوى الامم المتحدة والهيئات الدولية تخضع الى حكم الزمن وظروف كل فريق وحاجاته. فكل طرف يفسرها وفق الطريقة التي تناسب مصالحه ويحاول اخضاعها لموازين القوى وقدراته على التنفيذ. فالقوي يؤخر بعض المواد ويقدم بعضها. والضعيف يقدم اخرى ويؤخر بعض المواد. وكل الامور تحصل وفق شروح تجتهد في اخضاع النصوص العامة الى تفسيرات تتوافق مع لحظة زمنية نسبية، فالمسألة اذاَ تتجاوز النص وهي في النهاية لها صلة بالسياسة وعمق التجربة ومعرفة خصوصية المرحلة وظروفها الدولية والاقليمية والحرص المشترك على ضمان أمن الدولة والمواطن.

تستعد البحرين إلى الدخول في تجربة قديمة - جديدة يتوقع لها ان تترك بصماتها السياسية على الحياة العامة في السنوات المقبلة. وبسبب المقاطعة فإن التجربة ستكون عرضة للتشويش بداية إلا ان الحركة الديمقراطية لابد لها من الاستمرار لتثبيت نجاح التجربة وانجاز ما تبقى من المشروع الاصلاحي. فالدستور في النهاية هو الاهم والديمقراطية هي الشاهد عليه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً