العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ

لكي لايحمل أوباما بما لا طاقة له به

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا تزال ردود الفعل المؤيدة والشاجبة لما قاله أوباما في خطابه الطويل الذي ألقاه في البرلمان الغاني تتفاعل، وقبل الخوض فيما أثاره ذلك الخطاب من جدل، بوسعنا القول إن أهميته تنبع من نقطتين أساسيتين:

1. الأولى أنها تاتي، وكما قال أوباما، في أعقاب قمتين، الأولى جمعته والرئيس الروسي، والثانية كانت قمة الثمانية الكبار. وبالتالي، فكأنما هو يؤكد للعالم كله، قبل الغانيين أو الأفارقة، أن إفريقيا، ممثلة في غانا، مهمة في خارطة الدبلوماسية العالمية، وبأنها ليست مزرعة للاحتكارات العالمية، كما تعامل معها الكثير من الرؤساء الأميركان السابقين، وكان أسوأهم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن.

2. الثانية حسن اختياره لأن تكون غانا أول محطة في جولته الإفريقية، فغانا تاريخيا أول دول إفريقيا السمراء نيلا للاستقلال، حيث تحررت من الاستعمار البريطاني في العام 1957 بعد مسيرة نضال طويلة قادها كوامي نكروما، الذي أصبح أول رئيس وزراء لها في العام 1952، بعد فوز حزب المؤتمر الشعبي في الانتخابات البلدية التي أجريت في العام 1950. وأول الدول الإفريقية تحولا نحو الديمقراطية. فبعد تقلبات سياسية أوجدتها الانقلابات العسكرية، تمكن الشعب الغاني في العام 1992 من وضع دستور جديد يكفل تعددية حزبية في ظل نظام ديمقراطي، الأمر الذي أتاح أمام الأحزاب السياسية فرصة استعادة نشاطها السياسي الذي صودر منها منذ العام 1981.

بعدها ننتقل إلى الخطاب، وما جاء فيه مما أثار الجدل. صحيح أن أوباما أقام خطابه على أربع ركائز طالب الأفارقة قراءة كل منها قراءة عصرية وهي «الديمقراطية، والفرصة، والصحة، والحل السلمي للنزاعات»، لكن الأهم من كل ذلك كانت تلك النزعة التي دعت إفريقيا كي تمارس دورا نشطا في العلاقات الدولية، من خلال مدخل رئيسي حيث أكد أوباما على أن «الدليل الصحيح على النجاح ليس ما إذا كنا مجرد مصدر مساعدة دائمة تعين الشعب على المعيشة بشق الأنفس، بل في ما إذا كنا شركاء في بناء القدرة على التغيير التحولي. هذه المسئولية المشتركة هي التي يجب أن تكون أساس شراكتنا... في القرن الحادي والعشرين، المؤسسات القديرة المعول عليها والشفافة هي أساس النجاح - أي برلمانات قوية وقوات شرطة شريفة، وقضاة وصحفيون مستقلون، وقطاع خاص ينبض بالنشاط ومجتمع مدني. هذه هي الأمور التي تجعل الحياة ديمقراطية، لأن هذا هو ما له حساب في حياة الناس اليومية».

إذا أوباما، وباختصار شديد، يدعو الأفارقة إلى مشاركة دول العالم الأخرى في صياغة مجتمع القرن الواحد والعشرين، من خلال ترسيخ أسس ومقومات المجتمع المدني، بكل ما يتطلبه ذلك المجتمع من قيم ترتكز أساسا على الشفافية. فمستقبل إفريقيا، كما يقول أوباما «بيد الأفارقة، الذين لديهم السلطة لمحاسبة زعمائهم وبناء مؤسسات تخدم الشعب».

بالقدر ذاته، يحث الأفارقة، على مغادرة منصات الاستجداء من الدول الغربية، والتحول من طوابير «الشحاذة» المنتظرة أمام أبواب المنظمات والدول المانحة، والإنتقال إلى عضوية الفرق التي تصنع مستقبل العالم بما فيه إفريقيا. كل ذلك ينسجم مع دعوات الغيير التي كانت محور برنامج أوباما الانتخابي.

من هذه النظرة الشمولية الواعدة، والداعية إلى التغيير، والتي حظت بالتفاعل الإيجابي من قبل الأفارقة، يصل أوباما إلى قضية «دارفور»، حيث جاء في ذلك الخطاب بأن ما يجري في دارفور هي «إبادة مستمرة، وفي الصومال إرهابيون وأن الأمر هنا لا يتصل فقط بمشاكل إفريقية، إنها تحديات أمام المجتمع الدولي وتتطلب ردا دوليا».

جاء الرد على هذه الفقرة من خطاب أوباما سلبيا ومشوبا بالامتعاض، على لسان المتحدث باسم الخارجية السودانية علي الصادق حيث اعتبرها «خطوة إلى الوراء، واصفا هذا الأمر بأنه لا يساعد وليس بناء... طالبا من الرئيس باراك أوباما أن يستشير موفده الخاص للسودان في هذا الصدد».

إذا، مرة أخرى نجد موقفا عربيا، شاذا عن الموقف الإيجابي الإفريقي من خطاب أوباما، ويتجاهل كل ما جاء في ذلك الخطاب من إيجابيات لم يجرؤ على أن يخطو أي من الرؤساء الأميركان خلال الخمسين سنة الماضية، ويحاول أن يركز على نقطة هامشية وردت عرضا، وبشكل مقتضب، في ذلك الخطاب.

لقد مد أوباما يده نحو العرب والمسلمين في حديثه الذي ألقاه في القاهرة، وهاهو اليوم يكرر الحديث ذاته، وعلى نحو أشمل بمخاطبة القارة الإفريقية، ومن بينها الدول العربية، مستخدما في ذلك كل الحيز المتاح لرئيس أميركي مثله تقيد حركته العديد من المؤسسات والاحتكارات التي سوف تتضرر مصالحها فيما لو نجح أوباما في الوصول إلى التغيير الذي يريده سواء على المستوى الأميركي الداخلي، أو على صعيد العلاقات الأميركية الخارجية.

لقد فوت العرب الكثير من الفرص التاريخية من أمامهم عندما رفضوا بعض المشروعات التي أفرزتها ظروف دولية معينة، وهاهم اليوم يقفون أمام رئيس أميركي من طراز مختلف، يحاول أن يناور في نطاق الهامش المتاح له من أجل تحقيق سياسة أميركية، أكثر إنصافا، ولا نقول منصفة، من القضايا العربية، بما فيها قضية دارفور التي لم تتجاوز دعوات أوباما أكثر من «تضافر الجهود العالمية من أجل الوصول إلى حل عادل لها».

المطلوب إذا أن يبادر العرب، وفي مقدمتهم دولة السودان إلى تقديم حلول عمليةعادلة ويقبلها المجتمع الدولي، بعيدا عن أي تعصب ديني أو مذهبي أو حتى عرقي.

وإذا ما فشل العرب في ذلك فهم لا يقومون بأكثر من تحميل لأوباما بما لا طاقة له به، وسيكونوا هم، وليس أوباما، الخاسر الأكبر.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً