العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ

«إسرائيل» مستمرة في إنشاء دولتها اليهودية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

تدخل الحرب العالميّة على الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة، هي مرحلة شطب الهوية، وطمس كل المعالم العربية والإسلامية، التي من شأنها تذكير أهل الأرض بتراثهم وحقوقهم وأرضهم السليبة.

ومع إعلان وزارة النقل الصهيونية عن عزمها محو الأسماء العربية للبلدات الفلسطينية، واعتماد الاسم العبري فقط، تكون الرسالة الإسرائيلية الأكثر بلاغة قد وصلت إلى الدول العربية المتهالكة لعقد صفقة نهائية مع العدوّ، للخلاص من وزر القضية الفلسطينية الذي أثقل كاهل هؤلاء المتعَبين، وتكون الرسالة قد وصلت إلى الوسطاء الدوليين لكي يعلنوا عن النية في طرح جديد خلاصته: أن يُعلن مجلس الأمن الدولي قيام دولة فلسطين، على الورق، بعد فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والعدوّ خلال فترة زمنية محدودة، كما طرحه ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي...

فالواقع يتحدث عن أن كيان العدو بات يتصرّف وكأنه قد حصل على تفويض دولي يصل إلى مستوى الإجماع، بأن فلسطين هي وطن قومي لليهود، وأن على العرب أن يتصرّفوا منذ الآن في مسألة اللاجئين وكأنها محسومة، ليستوعبوا كل الأعداد في بلادهم، خصوصا وأن الإدارة الأميركية التي تدعو العدوّ لتجميد الاستيطان علنا، أطلقت يده سرّا لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، تماشيا مع المطالب الصهيونية.

إن المشهد الفلسطيني يزداد قتامة في ظل الحرص العربي الرسمي على الإسراع في إغلاق ملف القضية، عبر الهرولة في فتح ملف التطبيع مع العدو على مصراعيه، وخصوصا أن كيان العدوّ بدأ يزايد على العرب في أن بإمكانه أن يزحف إلى عواصمهم من خلال السلطة الدينية الرسمية إذا هم تباطؤوا في خطوات التطبيع السياسي حياله.

إن المسئولية تبدو كبيرة وخطيرة أمام الطليعة العربية والإسلامية الواعية، والمنفتحة على قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين ـ كلّ فلسطين ـ، لأن الواقع بات يستدعي العمل على خطين: الأول هو الالتفاف الإعلامي والثقافي والشعبي على أيّ تمهيد للتطبيع مع العدوّ، لأن هذا التطبيع يمثل عدوانا على الأمة كلها، التي تقرّ مذاهبها كافة واتجاهاتها المختلفة برفض الغصب وعدم الإقرار بشرعية الاحتلال. أما الخط الثاني فيتمثل في رفد حركات المقاومة والممانعة ومنظمات التحرر، لإعادة الروح للقضية من خلال إطلاق الجهاد ضدّ العدوّ، بعدما كادت الخطة الدولية توحي للكثيرين بأنه لا جدوى من المقاومة، وأن جلّ ما يطمح العرب لتحقيقه أو الحصول عليه من العدوّ، إنما يأتي استجداء عن طريق المفاوضات.

ونبقى في الواقع العربي والإسلامي؛ لنلاحظ أنّ الأيادي الاستكبارية من جهة، ومن يخدمون الاستكبار العالمي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جهة ثانية، يواصلون العبث بهذا الوضع، من خلال إبقاء عناصر التوتر والانقسام، وحتى إشعال نيران الحرب والتفجيرات، كما هي المسألة في الصومال والسودان، وهناك الذين تجنّدهم القوى المستكبرة لخدمة أهدافها وخوض الحرب بالوكالة عنها تحت عنوان الحرب على الإرهاب، كما هي المسألة في باكستان وأفغانستان وغيرهما من الساحات التي تورطت فيها أميركا مع حلف الناتو أكثر، ولم يتغيّر أسلوب الإدارة الأميركية الجديدة عن الإدارة السالفة إلا على مستوى الخطاب الذي لم يشفع لأميركا التي بقيت تبحث عن أحلامها الإمبراطورية في الجبال الأفغانية والوديان الباكستانية.

أما العراق، فقد بدأت عناصر جديدة تدخل على خط الوضع فيه، من خلال إثارة المسألة العرقية في كركوك، أو من خلال الاستهداف للمسيحيين فيه، مما يوحي بأن ثمة من يعمل لحساب المحتل، ومن يفكر في تحريك الأمور لعودته إلى المدن العراقية من النافذة الأمنية بعدما خرج من البوابة السياسية، وعلى العراقيين بكل فئاتهم وأعراقهم التنبه لذلك، وقطع الطريق على الاحتلال وعلى الجهات التكفيرية العاملة لحسابه بطريقة وبأخرى.

أمّا في لبنان، فنطل على الذكرى السنوية الثالثة للحرب الإسرائيلية على لبنان، هذه الذكرى التي توقف عندها العدوّ بالدراسة والتأمل، قبل أن يتحدث اللبنانيون والعرب حولها، والتي قال وزير حربه بأن كيانه بات جاهزا لمزيد من الحروب، في الوقت الذي يتحدث بعض أطفال السياسة في لبنان عن ضرورة الإسراع في إلقاء السلاح وتسليم الأمر لما يسمى «المجتمع الدولي»، مع أن هذا السلاح أثبت أهميته وقدرته على كسر شوكة العدو ووحشيته، وإسقاط أهدافه في الحرب المجنونة على لبنان في تموز من العام 2006.

إن العدو يتحدث عن «مزيد من الحروب»، وفي الواقع العربي وحتى اللبناني من يتحدث عن «مزيد من الحلول»، وكأن المسألة هي أن نلحق بـ «إسرائيل» إلى حيث تريد، وأن نقدّم لها وللولايات المتحدة الأميركية فروض الطاعة حتى لا تتساقط علينا تهم الإرهاب أو صواريخ العدوان، وحتى لا تأتينا العواصف من كل حدب وصوب.

لقد أثبت لبنان من خلال تجربة حرب يوليو/ تموز، والتي اعترف العدو أنه كان قد خطط لها مسبقا، أنه استطاع إسقاط أهداف العدو وإفشال خططه في ظروف لم تكن مثالية على الإطلاق، وبالتالي فهو يستطيع هزيمته إذا قرّر أن يعيد الكرّة، وأن يُلحق به الأذى الكبير على المستويين الميداني والاستراتيجي... ونحن في الوقت الذي نريد للجميع أن يعملوا لإبعاد شبح الحرب عن لبنان، نؤكد على أهمية إعداد العدّة داخليا لمنع العدوّ من اللجوء إلى هذا الخيار، لأننا نعتقد أن العدوّ لن يلجأ إليه إلا عندما يلمح وهنا في الساحة اللبنانية الداخلية، وعندما يرصد استرخاء في ساحة الجهوزية الأمنية والعسكرية التي تتحرك فيها المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني.

إننا عندما نستمع إلى الكلمات التي قد يُمنن فيها مسئول ما شعبه حيال مسألة الإعمار، قد نشعر بالاستغراب، لأن المسألة تتصل بأقل الواجبات التي لا بد للمسئول أن يأخذها على عاتقه، فضلا عن أن الموضوع يستدعي الكثير من التدقيق في بلد جُمّدت فيه الأجهزة الرقابية، ومُنعت من القيام بعملها لمحاسبة المقصّرين والعابثين بالمال العام، ولكن لبنان ـ على كل حال ـ يحتاج إلى ورشة إعمار سياسية بعد إهدار كل هذه الشهور والسنوات في متاهات الخلافات والمصادمات الكلامية والميدانية، وبعد حرق كل تلك المراحل التي استنزفها السجال المحلي حول قضايا هامشية أُريد لها أن تتقدّم على القضية الأساس التي تتصل ببناء الوطن، وإقامة الدولة، وإطلاق عجلة الإصلاح، أو حول مسألة خطيرة تتصل بأطماع العدوّ بأرضنا، وهو الذي لا ينفك يتحدث عن أنه استنفد تدريباته ومناوراته التي أكدت جاهزيته لشنّ حروب جديدة ضد لبنان

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2508 - السبت 18 يوليو 2009م الموافق 25 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً