العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ

كماله يضيء تجربة المتغوي في «بأي ذنب قتلت» (1)

«ما أصعب الكلام على الكلام» كما اكتشف التوحيدي يوما، وما أصعبه الآن ولاسيما أن موضوع الكلام هو نص شعري مختلف زئبقي عصي على الترويض لجموحه. لذلك فإن هذا العمل المتواضع

هو دراسة متسرعة عجلى انطباعية لا ترقى إلى مستوى البحث الأكاديمي المتماسك. هو بحث في ديوان شعري يتكون من 32 قصيدة انتظمت في ثلاثة عناوين أخذت من القصائد نفسها للشاعرة البحرينية زهراء أحمد كاظم المتغوي ومن ضمن إصدارات مشروع متكأ الثقافة لتبني الإصدارات الإبداعية وتوزيع فراديس للنشر والتوزيع بمملكة البحرين الطبعة الأولى سنة 2008.

وقد استُهل بإهداء نصه «إلى فضيلة لأن الشمس لا تغفو ولا تنبت الخرافة إلا دهشة المستحيل».

والترسيمة التالية توضح بنيته:

إن التعامل مع ديوان «بأي ذنب قتلت؟» هو تعامل مع نص شعري يتطلب النظر في مختلف مكوناته ومداخله وأنسجة الصوتية والمعجمية والبلاغية والتركيبية والدلالية، أي من خلال الأسئلة الثلاثية: ماذا قالت؟ كيف قالت؟ لماذا قالت؟ ولأن النص منخرط في ما يوسم بشعر الحداثة فإن التعامل معه لا يقف عند ملفوظه بل يهتم بشكله وبنية الأسطر والعنوان أو ما يوسم بـ»عتبات النص».


عتبات النص

يعتبر من العناصر الأساسية في دراسة الشعر الحديث وهو «النص الأصغر» أو فكرته الرئيسية وزبدته وقد طفت على السطح.

عنوان الديوان «بأي ذنب قُتلتْ؟» هو في نفس الوقت عنوان لقصيدة من القصائد التي تضمنهاالديوان. فهو الحاوي وجزء من المحتوَي (القصيدة الثالثة في القسم الثاني المعنون بعناقيد ص 60). وهو يحيلنا على نص ديني إسلامي قرآني إذ يمثل الآية التاسعة من سورة التكوير. نص حاضر يخفي آخر غائبا من نفس السورة (وإذا الموؤدة سئلت) (التكوير: 8). هذا العنوان به ينفتح الديوان على أسلوب التناص من خلال استحضار الشاعرة لنص قرآني مقدس ضمن نصها الشعري. فهو نص مُضمَّن لكنه يصبح مضمنا لمختلف قصائد الديوان.

وقد صيغ استفهاما إنكاريا يعبر عن التعجب عبر معجم الإفناء والتغييب والقتل لكنه ليس قتلا عاديا، بل في تجلياته الأقسى وهي أن تدفن الأنثى وهي حية!! يعلن فعل الوأد الغائب الحاضر وهو يعبر عن امتزاج الموت والحياة في آن ذلك أن الموؤدة هي الأنثى التي تدفن حية. يصبح الغياب تغييبا مقصودا وجرما.

العنوان يفتح النص على ضمير «هي» الغائبة وقد دفنت وتسعى الشاعرة في مختلف قصائد الديوان إلى إحيائها رغم الوأد النص إلى تحويل الغياب إلى حضور بتكثيف حضور الأنثى: بدءا من الإهداء لأنثى هي «فضيلة» المهدى إليها الديوان وضمن القصائد من خلال شهرزاد في صراعها مع شهريار والأم والذات وحتى الوطن دلمون وقد أنث.

الإهداء:

من أنثى كاتبة/ شاعرة إلى أنثى «فضيلة» قد تكون علما أو رمزا لكل ما تنشده الشاعرة وكل ما يناقض واقع الزيف والرذيلة.


شكل القصائد/ اللوحات

تتمرد الشاعرة على بنية القصيدة العربية القديمة القائمة على البيت الشعري (الصدر/ العجز). لتنخرط في شعر الحداثة. فيصبح شكل الأسطر وعلامات التنقيط والفراغات والسواد والبياض جزءا من النص، ويسهم في صنع الدلالة.

تقوم الأسطر الشعرية على التشظي والاضطراب فإذا القصائد أخاديد من خلال تفاوت طول الأسطر الشعرية وعد انتظامها في كل القصائد تقريبا، باستثناء قصيدتين (شهرزاد والبعيد القريب). ولعل هذا الاضطراب مرتبط بنفسية الشاعرة؛ لأن الشعر تعبير عن الذات بالكلمة في بعد من أبعاده أو كما قال أبو القاسم الشابي «شعري نفاثة صدري».

إنّ شكل القصائد وعدم انتظام الأسطر، حوّل القصائد إلى لوحات رسمت بالكلمات فالشعر كما عرفه نزار قباني «رسم بالكلمات». وكما أعلن قبله الفيلسوف اليوناني سيمونيدس «الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت».


المستوى الإيقاعي

إن الشعر، كما عُرف حديثا، لكن الاهتمام به لا يقف عند الوزن العروضي من خلال البحور الشعرية والقافية واطرادها وإنما يتجاوزها ليرتبط بعناصر أخرى. فمولدات الإيقاع متعددة منها الأحرف وتكرارها، والبديع اللفظي والتوازي التركيبي، وكذلك احتشاد الصور.

تنتمي قصائد الديوان جميعها إلى ما يوسم بشعر التفعيلة، المنخرط في الحداثة، المتمرد على المأنوس في الذائقة الشعرية العربية، من خلال تجاوز البيت الشعري (صدر/ عجز). بل إنه يعتمد تكرار تفعيلة أو تفعيلتين من الأبحرالعروضية الخليلية (الرجز، المتقارب، الرمل، الوافر). دون أن تلتزم الشاعرة بعدد محدد من التفعيلات (مستفعلن أو فعولن أو مفاعلتن أو فاعلاتن). وهذا ما يكسب الإيقاع حيوية وجمالا وتمردا. وهو التمرد الذي أعلنته شاعرة/ أنثى سابقة يعود لها قصب السبق في هذه الريادة في الحداثة الشعرية، وهي نازك الملائكة من خلال قصيدتها «الكوليرا».

إنّ هذا التمرد والخروج على السمت كان تعبيرا عن انخراط في شعرالحداثة التي أملت على الشاعرة، ومن سار على نفس الدرب، امتلاك رؤية جديدة إلى العالم، مرتبطة بالثقافة المعاصرة.

ظاهرة الإيقاع لافتة في الشعر منذ نشأته ولا يشذ شعر الحداثة، وإن تمرد وخرج عن الطوق. فالشعر، كما يعرفه بعض النقاد، هو اتحاد مؤلفات صوتية بمؤلفات دلالية معنوية. ذلك أن الإيقاع عمود الشعر منذ وجد وكساؤه ووشاحه. نتبينه في الديوان من داخل النص من خلال رنين الحروف وتجانس الألفاظ وتوازي الجمل، بدرجة أولى وبدرجة ثانية من إطاره الخارجي من خلال تعدد القوافي وتنوعها وتفاوت حجم الأسطر.

وإلى جانب الإيقاع اللفظي (خارجيا وداخليا) نرصد إيقاعا نفسيا تولده حالة الشاعرة النفسية في مختلف ردهات النص، مما حدا بها إلى التحرر من قيود التفعيلة والقافية إلى ما يوسم بقصيدة النثر أحيانا كما في قصيدة (البعيد القريب).

اعتمدت الشاعرة على المقاطع القصيرة ومساحات الفراغ الكثيرة دون التزام بقافية أو إيقاع محدد. ولعل ذلك معبر عن الحالة الشعورية التي تعيشها.

ورغم التمرد الظاهر فإن الشاعرة ارتبطت بتفعيلات أبحر شعرية عريقة وهي:

ـ الرجز: (أحلام معطلة/ شهرزاد/ لا غباء بعد اليوم/ مستفعلن/ أصحاب الأيكة/ بأيّ ذنب قتلت؟/ عناقيد).

ـ الوافر: (الحب ونا الفاعلينا/ أغار عليك).

المتقارب: (وللشوق تتمة/ قافية صمت/ ماذا تغير؟/ هذيان/ البعيد القريب/ سدرة الغياب/ وفي هدأة البارحة/ نفثة ألم/ بقايا جرح/ وإن كنتِ أنثى!/ ربما نلتقي).

الرمل : ( ياسمين الذهول/ أشياء أخرى/ أنا لا أؤمن بالحب/ سقاية دلمون/ لملموني).

تنوعت الأبحر الشعرية وتفعيلاتها (مستقعلن/ فعولن/ مفاعلتن/ فاعلاتن) وتراوحت بين القوة واللين والغنائية والغنة والسرعة والبطء، بحسب الحالة الشعورية للشاعرة وما تعيشه من اضطراب وقلق.

إن هذا التنوع في استعمال الأبحر الشعرية لا يخفي استئثار المتقارب بالنصيب الأوفر من قصائد الديوان. وهو يمتاز بالقوة والسرعة. وإن لم توفق الشاعرة، أحيانا، في توظيفة في معان تعبر عن اللين والضعف والانكسار والاستسلام كما في قصيدة (نفثة ألم).

وقد رصدنا بعض ما نعتبره خللا إيقاعيا في الديوان، وإن كان لا يقلل من وعي الشاعرة وامتلاك ناصية الإيقاع:

ـ في قصيدة غار عليك، ص 22 «تزرع الإيقاع في قلبي»

ـ توظيف التاء المربوطة عوضا عن الهاء الساكنة (القبيلة/ الطهارة/ يا فضيلة/ أقبية) ص 60 و61

إنّ من مظاهر تمرد الشاعرة وانخراطها في شعر الحداثة، تنويعها للقافية وحرف الروي وحركته، كما في قصائد (أحلام معطلة، ماذا لو؟، شهرزاد..) إذ رواحت بين حرفين أو أكثر أو جمعت بين الكسر/ المد في حركة الروي (لا غباء بعد اليوم).

قصيدة أغار عليك: ري/ ني/

ياسمين الذهول: نا/ ري


قافية الصمت

«أنا لا أؤمن بالحب»: ( لْ - مع أحرف أخرى)

واعتمدت في قصائد أخرى على وحدة حرف الروي كما في قصيدة (أشياء أخرى) ( دْ )

(وللشوق تتمة) (رْ): تسافرْ/ الدفاترْ/ المخاطرْ)

وقد وظفت الشاعرة جملة من الحروف المعبرة عن حالتها النفسية مثل القوة والشدة كما في (النون/ الباء/ الدال/ القاف): الشدة والغنة من خلال (النون) والاضطراب كما في (الراء)، وهذه أهم أحرف الروي المستعملة في مختلف القصائد بحركاتها.

تأوهتْ،تضورتْ، هيت لكْ، ليت لي أن أسألكْ، ولو توعده الفلكْ، التيارْ، الأنهارْ، السمارْ، ذاكرتي، تعانقني، شقتي، دنيانا، خلايانا، تحنانا، سيدي، ثورتي، قرارتي، تسافرْ، مخاطرْ، عقدْ، عدْ، بددْ، مسدْ، الجمالْ، الظلالْ، حبالْ، تشعرينْ، تكتبينْ، القدرْ، المطرْ، انهمرْ، الطربْ، عنبْ، رطبْ، نارْ، النهارْ، الفرارْ، للبكاء، المساء، هباء، الضياء، ديوني، لملموني، جبيني، يدا، الموعدا، الحشا.

ونتبين من خلال الحروف والأصوات في أواخر الأسطر هيمنة الكسر والسكون، والمد وهي معبرة عن الحزن والانكسار والأنين والضعف.

ولعل الحرف الأكثر حضورا وتوظيفا هو (النون) في ارتباطه بالمد أو ساكنا وتكون تنوينا أو حرفا:

« غريبٌ أمر دنيانا..

وحبٌّ أرعن الدهشات

يسري في خلايانا..»

وقد ارتبط توظيفه بمعنى الحزن والحب وتسلطه، وضعف ضمير المتكلم الجمع( نحن) وهي النفسية التي جعلت من ابن زيدون يعبر به عن حاله في نونيته الشهيرة التي مطلعها:

أضحى التنائي بديلا من تدانينا

وناب عن طيب لقيانا تجافينا

إن هذا الإيقاع الخارجي المضطرب/ المتناسق مع نفسية الشاعرة، يعززه إيقاع داخلي يؤسسه

تكرار لكلمات أو تراكيب أو جناس أو تواز كما توضحه الأمثلة التالية:

وأنني هطلتُ في يديك ذات عيد

وأنني الفاتنة الحسناء

وأنني الشاعرة الملهمة الخنساء

وأنني

وأنني

وأنني....،

ما أقبج الهراء!

سئمت يا أكذوبتي

سئمت من فرط شراب زائف النبيذ

سئمت من لحن فؤاد مرهق النشيد

«ص 19»

ولستَ تنوء عن الروح

أو تقتفي خطوات الغياب

فأنتَ الدروبُ

وأنتَ الشمالُ

وأنتَ الجنوبُ

وأنت المعابر...

«ص 26»

وإني

وإني

وإني «ص 19»

ونور

ونور

ونور «ص 75»

لستُ أدري

ليت شعري

«ص 29»

ذكريات ليس تحصى

ودموع ليس تحصى

وهموم دون حصر

وشجون دون عد قصيدة أشياء أخرى «ص 32»

المستوى المعجمي:

تنوس القصيدة بين حقلين معجمين متناقضين يحيلان على التضاد والتقابل بين عالمين قوامهما ثنائيات (الحضور/ الغياب، الألم/ الأمل، الحياة/ الموت، السلب/ الإيجاب...)

المعجم السلبي:

( دمع، تطفئ، الحلك، ثكلى، زيف، جرح، جنون، يموت، الفناء، يكسرنا، البكاء، الذل، النوى، البعاد، الفراق، جراحات، الأليم، تأوهت، تضورت، يستهان، حزن، ليل، عتمة، غيم، الذابلات، موؤدة، الغلاء، معطلة...)

العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً