العدد 2517 - الإثنين 27 يوليو 2009م الموافق 04 شعبان 1430هـ

ذكريات اتصالات ليلية زائفة من البريكان

الرياض - أولف لاسنج / كبير مراسلي «رويترز» في السعودية 

27 يوليو 2009

يأتيك اتصاله الهاتفي في أي وقت سواء خلال ساعات التداول أو قرب منتصف الليل أو في عطلات نهاية الاسبوع... لكنها تحمل دائما رسالة واحدة «مرحبا أنا حازم. لدي سبق صحافي لك». بعد الاتصال الثالث أو نحو ذلك تمكنت من تعقب الكويتي الغامض الذي يتحدث الانجليزية بطلاقة ويتباهى بعمله.

توفي حازم خالد البريكان (37 عاما) نتيجة إصابة بطلق ناري واحد في الرأس فيما يبدو أنه انتحار، على حد قول الشرطة، وكان يواجه دعوى احتيال رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية عليه وعلى شركتين ماليتين خليجيتين أخريين.

ويوم الخميس قالت اللجنة، إن المدعى عليهم كسبوا بشكل غير مشروع ملايين الدولارات من تعاملات في أسهم شركتي «هارمان انترناشونال اندستريز» و «تكسترون» الأميركيتين. ونفت كل الشركات الاتهامات.

وشغل البريكان مناصب بارزة في أكبر شركة استثمار في البلاد وهي شركة مشاريع الكويت القابضة (كيبكو) وكان يحب التفاخر بوظيفته واستثماراته ومناقشة شائعات السوق مع الصحافيين.

وعقب اتصاله بي دون الكشف عن هويته، تمكنت من تعقبه من خلال الاتصال برقم الهاتف الذي يتصل منه وهو خط داخلي بشركة كيبكو لإدارة الأصول (كامكو) وتركت رسالة مع سكرتيرته وأسرعت إلى مكتبه في مدينة الكويت.

وحين فتحت السكرتيرة باب مكتبه معلنة وجودي ارتبك حازم قليلا، لكنه كان رابط الجأش ومهذبا. وقال «مرحبا أولف. تسعدني مقابلتك»، وأسرع بطلب الشاي.

ناقشنا السياسة الكويتية والعالمية، لكن حازم لم يرد الكشف عن أي مصادر للشائعات التي كان يحاول نشرها من خلال اتصالات هاتفية معي وغيري من الصحافيين. وكان جوابه الذي تكرر كثيرا «أسمعها من السوق. سأطلعك اولا دائما».

والتعامل مع أناس أمثال البريكان الذين يتحدثون علنا عن شائعات في السوق يمثل تحديا معتادا لصحافيي الشئون المالية في الكويت. وفي وجود 17 صحيفة تتنافس للحصول على الأخبار تمتلئ الصفحات المالية بأخبار غير منسوبة إلى مصادر، وقد تنشر الصحف الكبرى ما يصل إلى 15 خبرا عن صفقات استحواذ وأرباح وتوزيعات نقدية أحيانا ما تكون صحيحة وفي أحيان أخرى خاطئة، لكنها في معظم الأحوال تؤثر على حركة السوق.

وعلى رغم الثروة الضخمة في الكويت التي تمتلك عشر احتياطيات النفط العالمية، فإنها تفتقر لأي نوع من الرقابة المالية التي يمكن أن توقف اي تعاملات بناء على معلومات غير متاحة للجمهور.

والكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تخضع سوق المال فيها لرقابة شبه ذاتية حيث تعثرت لسنوات خطط اقامة هيئة مالية تراقب ثاني أكبر بورصة في العالم العربي.

ويصف بعض المواطنين سوق الكويت للأوراق المالية بأنها نادٍ للقمار وكثيرا ما ترغم السوق الشركات على الرد على تقارير غير منسوبة إلى مصادر من خلال وقف تداول أسهمها لحين اصدار بيانات.

لكن البورصة لم تتمكن ابدا من وقف القيل والقال عن أنباء الشركات في مدينة الكويت. وكان حازم دائم الاتصال بـ «رويترز» وأحيانا يتصل عدة مرات في الاسبوع ليفاخر بأحدث خططه وهو يناقش شائعات يريد أن تكتب «رويترز» عنها.

وقد يكون حازم مهذبا للغاية، لكنه أيضا صارم جدا بل يتحدث أحيانا بنبرة التحدي. قال لي ذات مرة: «ألم تقرأ الخبر في الصحف؟ إنك تفوِّت خبرا مهما». في تلك المناسبة أراد حازم أن تنقل «رويترز» تقريرا من دون مصدر نشر في صحيفة محلية عن عرض مفترض من بنك أميركي ينوي شراء بنك كويتي وهو خبر سبق أن أبلغنا به. ولم يبرم هذا الاتفاق قط.

وقبل خدعة «تكسترون» في أبريل/ نيسان، اتصل بي أكثر من مرة في وقت متأخر من الليل، ثم بعث رسائل نصية يبلغني أنه يريد التحدث إليَّ بشكل عاجل بعدما رفضت الرد على اتصالاته الهاتفية لإحساسي بأن المسألة مجرد شائعة أخرى من شائعات السوق. وأخيرا حين أجبت الهاتف قال لي: «هناك سبق صحافي كبير في الطريق». وأعطاني تفاصيل خبر تكسترون نفسها التي ظهرت بعد أيام قليلة في صحيفة محلية ليرتفع سهم تكسترون 47 في المئة. ولم يتم ابرام اتفاق قط في هذه الحالة أيضا.

وتكرر الشيء نفسه مع «قصة هارمان» بعد أن غادرت الكويت للسعودية. اتصل حازم بزملائي ليبلغهم بسبق صحافي عن صفقة استحواذ. وحين نشر في الصحف المحلية حثهم على نقل الخبر.

وقبل عام فقط كان حازم في أوج نجاحه المهني يتجاذب أطراف الحديث ويتناول طعام الغداء مع رئيس مجلس ادارة «سيتي غروب» السير وينفريد بيسكوف، الذي زار الكويت عقب شراء عشرة في المئة من «شركة الراية للاستثمار»، التي كان البريكان يتولي منصب رئيسها التنفيذي عند وفاته. كان حازم يصافح بيسكوف في حفل استقبال بنادٍ خاص في برج يوجد به مقر بنك برقان، وهو وحدة ايضا تابعة لـ «كيبكو».

لكن في هذا اليوم لم يكن حازم حريصا على التحدث لوسائل الإعلام التي طالما حاول استغلالها. ودعت «شركة الراية» الصحافيين إلى حضور مناسبة اعلامية ثم طلب منا ألا نتحدث إلى أي شخص بعدما انتظرنا أكثر من ساعة.

العدد 2517 - الإثنين 27 يوليو 2009م الموافق 04 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً