العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ

مراجعة اقتصاد مجلس التعاون

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا يحقُّ لنا في دول مجلس التعاون الخليجي أن نتفرّّج بكسل وردِّ فعل متثائب على العواصف المالية والاقتصادية التي تعصف بأميركا وتهدِّد بأن تجتاح العالم كلِّه.

الآن وعواصم الدنيا تطرح الأسئلة الكبرى بشأن الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الرأس مالي العولمي المتوحش الذي انبثق من أوساط الليبرالية الجديدة، رأس مالية حرية السوق الأنجلوسكسونية، والداعي إلى رفع الضوابط والقيود من على السوق، والذي تدعمه مكنة الإعلام والقوة العسكرية الأميركية الهائلة... الآن والأسئلة تطرح يحقٌّ للمواطن في دول مجلس التعاون أن يطرح على قياداته السياسية والاقتصادية الأسئلة التي تهمٌّ مستقبل بلاده. فالمطلوب أن نكسر هذا السكون وهذا الصَّمت الذي يخيِّم على أوساطنا السياسية والاقتصادية والذي يوحي بأننا مازلنا نعتقد أن خبز الغد سيكون من عجينة الأمس. فإذا كان الصّمت البليد يُكسر في أعتى القلاع المركزية للرأس مالية العولمية فأحرى به أن يُكسر أيضا في أضعف أكواخ الهوامش من مثل بلداننا.

الشهور المقبلة يجب أن تكون شهور مناقشات واسعة ومعمَّقة بشأن أسئلة ونقاط من مثل:

1 - سعة المدى لتدخُّل سلطات دولنا في ضبط الحياة الاقتصادية في بلداننا لمنع انزلاقها في أودية المخاطر الكبرى على يد المغامرين والطمَّاعين الأنانيِّين وأصحاب النفوذ السياسي. وهذا سيستدعي مراجعة القوانين والأنظمة الوطنية من جهة والمشتركة بين دول المجلس من جهة أخرى للتأكد من عدم تضاربها فيما بين الدول نفسها من أجل إبعادها عن حمَى الصّرعات والمنافسات التفاخرية فيما بين القيادات المختلفة.

إن هذه المراجعة يجب أن تذهب إلى الأعماق وأن تعني طلاقا مع رأس مالية السوق الحر الفوضوي ورجوعا إلى رأس مالية السوق الاجتماعية، رأس مالية دولة الرعاية الاجتماعية، مثل التي عرفتها دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

2 - مراجعة أنظمة حماية المواطنين الأفراد من شططهم الطفولي ومن شطط المؤسسات التي تتلاعب بحاجاتهم وغرائزهم وأحلامهم. إن أنظمة الاعتماد والقروض والمديونيات للأفراد من قبل البنوك والمؤسسات المالية المماثلة، وذلك من أجل شراء السيارات والبيوت الفاخرة أو الانخراط في مضاربات الأسهم أو دخول المغامرات العقارية المجنونة أو القيام برحلات سياحية غير ضرورية إلخ... إن تلك الأنظمة تحتاج إلى أن تقوم على ضوابط ومحدِّدات اقتصادية صارمة، وخصوصا بعد أن وصلت نسبة المديونين من مواطني دول المجلس إلى مستويات عالية جدّا ستحمل معها في المستقبل أخطار عدم القدرة على تسديد تلك الديون وبالتالي تعريض النظام المالي في تلك الدول لهزّات عنيفة.

3 - مراجعة التشريع وأدوات التطبيق لحماية أسواقنا من المال الفاسد. هناك قول متداول في الغرب للكاتب الاقتصادي وستانلي جفونز إن «المال الفاسد يطرد المال الحسن، بينما لا يستطيع المال الحسن طرد المال الفاسد السيئ»، من أهم أنواع الأموال الفاسدة أموال الغسل غير الشرعية التي يعتقد أصحابها أن أسواق الخليج هي مرافئ آمنة لاستثمارها مؤقتاَ. لكننا نحتاج إلى أن نتذكر أن الانهيارات المالية التي اجتاحت دول النمور في الجنوب الآسيوي منذ نحو عقدين من الزمن كان أحد أسبابها المضاربات الجنونية التي قام بها أصحاب غسل وتبييض الأموال الدَّولية آنذاك. وطبعا ينطبق الأمر على مخاطر الأموال الفاسدة المغامرة المحلية التي تفرٍّخها وتشجِّعها العلاقات الرعوية في الدول التي تفتقر إلى المحاسبة والشفافية الديمقراطية.

4 - إعادة النظر في توجيه الفوائض المالية النفطية الهائلة. فهل سنستمر في توجيه قسم كبير منها نحو بناء اقتصاد هشٍّ يعتمد أساسا على المضاربات في أسواق الأسهم والعقار وعلى تشجيع وترسيخ نمط معيشي استهلاكي يتصف بالنَّهم والعبثية أم إننا سنبدأ بمراجعة كل تلك التوجهات والبدء بالعملية الصَّعبة للاتجاه نحو بناء اقتصادي إنتاجي ومعرفي، بما سيعنيه ذلك من إعادة النظر في توجيه الاستثمارات الداخلية والخارجية وإصلاح مؤسسات التعليم والتدريب لإعداد قوى عاملة مطلوبة لمثل هكذا اقتصاد، وكذلك خلق جوٍّ إعلامي وثقافي يعيد الفرد العربي الخليجي إلى توازنه ويرسِّخ في حياته اليومية عادات العمل الشريف الإبداعي ويضعف في منظمته الأخلاقية قيم وعادات الاستزلام والوقوف في طوابير «الفداوية» الخاملة غير المنتجة.

وإذ نحن نحاول الإجابة على مثل هذه الأسئلة والملاحظات يجب أن نتذكر أن بعض دوائر الغرب تطرح الآن موضوع العودة بأسعار النفط إلى مستوياتها الدنيا السابقة.

وعلى الذين مازالوا في مرحلة التثاؤب الفكري أن يقرأوا الكتابات الأخيرة للصهيوني هنري كيسنجر ومريديه من مدرسة شيكاغو والتي تنادي بقصِّ أجنحة دول النفط العربية لتبقى كالدَّجاج الذي يقضي جلَّ أوقاته ورأسه منَّكّس وهو يفتِّش عن ديدان الأرض وقاذوراتها

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً