العدد 2521 - الجمعة 31 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ

الأزمة الإيرانية في أسبوعها الثامن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت أزمة انتخابات الرئاسة في إيران أسبوعها الثامن، وهي لاتزال تتفاعل داخليا وتكشف يوميا عن أوراق (قوى) جديدة في المعادلة السياسية. فالأزمة حتى الآن مفتوحة على احتمالات والسلطة فشلت في احتواء عناصرها المتدحرجة على أصعدة مختلفة.

هناك إشارات جديدة دخلت على خطوط الأزمة ولم يعد بالإمكان حصر تبعاتها في حلقة ضيقة وهي الخلاف على قراءة نتيجة الانتخابات والاتهامات التي صدرت من قوى الاعتراض بشأن التزوير وتدوير الأصوات صعودا وهبوطا. المشكلة الآن تجاوزت هذا الإطار الضيق وبدأت تنتقل رويدا إلى مستويات متنوعة قد تكشف لاحقا عن «مفاجأة» غير منتظرة تتعلق بمدى جدية إخلاص وولاء رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد لمرشد الثورة. فهذا الرئيس الذي أسس زعامته المحلية على مجموعة تصريحات «قذافية» لا تقدم ولا تؤخر في المعادلة، ولكنها كانت كافية لتوتير المناخات الداخلية والفضاءات الدولية والإقليمية، اعتمد في خطابه «البخاري» التأسيسي على دعم المرشد بذريعة أنه يحب «الفقراء» و «المساكين» و«القرى النائية» و«المناطق الريفية».

الآن وقبل أن يقسم يمين الولاية الثانية أظهر أحمد نجاد علامات تمرد تكسر صورة «الخادم المطيع» وترسم ملامح شخصية مغايرة يرجح أن تتبلور معالمها بعد أن يأخذ المبادرة السياسية والغطاء الدستوري. علامات التمرد هي البداية وهي شكلت «جرس إنذار» أخذت بتنبيه الكثير من المعجبين بتواضع «رئيس الفقراء» إلى وجود أجندة تتخالف في تكوينها مع تلك القناعات الايديولوجية التي نجح في نسجها حول شخصه وتحولت إلى رمزيات «خرافية» لدى أنصاره وذاك التيار من المريدين.

جرس الإنذار بدأ يقرع منذ أن أقدم أحمدي نجاد على تنصيب صهره (مشائي) في موقع نائب الرئيس متحديا بذلك معسكر ما يسمى بالمحافظين التقليديين. ورفض رئيس الأمر الواقع أن يتخلى عنه لأسباب شخصية لم يكشف عنها مستفزا بها كل مشاعر الغضب.

قصة «مشائي» لاتزال في بداية فصولها وهي تكثف مجموعة ملاحظات يمكن البناء عليها لإعادة ترسيم شخصية أحمدي نجاد وكشف ذاك الغامض من ملامحها. فالتمسك بشخصية مشائي ليس مسألة فردية عائلية (مصاهرة) فقط وإنما مؤشر سياسي يعطي فكرة مسبقة عن تكوينات مرحلة مقبلة ترتكز على مراكز قوى ناشطة وصاعدة قد تزعزع أركان الجمهورية في حال نجحت في التحكم بمفاصل الدولة ومصادر الثروة.

التحدي الذي أظهره أحمدي نجاد المعطوف على المناورة والمكابرة وصولا إلى إعادة تعيين مشائي في مكتبه الرئاسي وثم معاقبة وزير الاستخبارات بإقالته وتهديد وزير الثقافة والإعلام بالإقالة بسبب نشرهما لرسالة المرشد وإذاعتها للضغط عليه نفسيا وإحراجه أمام الرأي العام، كلها دلالات لا تؤشر إلى ولاء «الخادم المطيع» وانصياعه الكلي للتوجيهات العليا.

علامات التمرد هذه تطرح أسئلة مبكرة بشأن دور رئيس الأمر الواقع في ولايته الثانية. والأجوبة لابد أن تتأسس على معطيات أخذت تتوافر جزئيا ويرجح أن تتساقط في الأسابيع المقبلة. هناك سؤال بديهي، من أين جاءت قوة أحمدي نجاد حتى يستخدمها للمناورة والتحدي وعدم تقبل نصائح المرشد إلا بعد ضغوط أحرجته أمام مريديه؟

السؤال عن قوة رئيس الأمر الواقع تتطلب إعادة قراءة لمصادر تلك القوة. البعض يعتبر أن قوة أحمدي نجاد مستمدة من رعاية المرشد له ودعمه المطلق لسياسته. وهذا البعض يرى أن «الرئيس» مسكين وبريء وهو لا يقرر شيئا وإنما ينفذ الأوامر والتوجيهات والإرشادات.


المحافظون الجدد

نظرية أن أحمدي نجاد مجرد «صورة» فكرة خاطئة. وأنصاره تعمدوا ترويجها وتسويقها في السنوات الأربع الماضية لاكتساب شرعيه تغطي «من فوق» التغييرات التي بدأت تتشكل «من تحت» في بنية النظام معتمدة على شريحة من «الطفيليات» استفادت من التوجهات الاقتصادية نحو عسكرة الإنتاج (اقتصاد حرب). أحمدي نجاد ليس ضعيفا وقوته لا يستمدها من شخصه (الخادم المطيع) وإنما من مصادر السلطة ومراكز القوى التي أسست شريحة اجتماعية (تيار المحافظين الجدد) أخذت تتحكم بالأجهزة العسكرية والمخابراتية القادرة على تطويع الشارع وكسر حدة اعتراضه كما حصل في الأسابيع السبعة الماضية.

هذه المتغيرات كانت بحاجة في مرحلتها الأولى (الولاية الأولى) إلى غطاء يعطيها الشرعية ويفتح أمامها مختلف الأبواب للتحكم بمفاصل الدولة ومصادر الثروة. وحين وصلت تلك المتغيرات (المحافظون الجدد) إلى مواقع قوية بدأت تظهر مع لحظة الشروع في الدخول إلى المرحلة الثانية (الولاية الثانية) علامات تمرد تشي بوجود قوى بديلة قادرة على الحماية في حال وصلت الأمور إلى طور الاصطدام.

هنا السؤال. هل تتطور التجاذبات السياسية إلى مرحلة المواجهة أم تستقر على توازن سلبي يرسي معادلة «لا غالب ولا مغلوب» بين أطراف الدولة وأجنحة النظام؟

الجواب يتطلب مراقبة جلسة التنصيب التي حدد موعدها يوم الأربعاء المقبل. الجلسة تاريخية فعلا لأن مجلس الشورى الإيراني يعطي صورة سياسية عن توازنات المرحلة الثانية من عهد أحمدي نجاد الذي يرجح أن يكون مختلفا في تكويناته عن تلك الصورة التي حرص أن يقدم نفسه من خلالها. هناك جزئيات يمكن رصدها من مشهد التنصيب: عدد الحضور (290 نائبا)، توزع الكتل (190 محافظا مقابل 100 إصلاحي)، التبدلات والتنقلات التي ستحصل من جبهة إلى أخرى، وأخيرا تموضع مراكز قوى جديدة داخل خريطة معسكر المحافظين وصولا إلى تعداد الأصوات ونسبة المقاطعين أو المعترضين.

كل هذه الجزئيات تعطي فكرة عن تلك المتغيرات التي طرأت على المشهد الإيراني من خلال رصد صورة جلسة التنصيب. فهل يأخذ أحمدي نجاد الثقة وبغالبية من الدورة الأولى أم سيحتاج الأمر إلى دورة ثانية وبغالبية نسبية بسيطة؟ الأصوات تعكس في النهاية توازن القوى وترسم ملامح محطة جديدة في تاريخ الثورة الإسلامية في إيران. فالثورة التي مضى عليها 30 سنة دخلت كما يبدو في طور «العسكرة» يقوده أحمدي نجاد معتمدا على قوة «تيار المحافظين الجدد». وقوة التيار الاقتصادية لا تستند كثيرا إلى المرجعيات أو معسكر «المحافظين التقليديين» وإنما على نمو مصالح طفيلية تأسست على قطاعات الإنتاج الحربي ومؤسسات البناء وما تمثله من طموحات ايديولوجية ورغبة في التحكم والتدخل في السياسة من دون اكتراث للشارع واحتجاجاته ودعوات المرشد والمراجع التقليدية للمصالحة والتسوية تحت سقف القانون.

علامات التمرد (التردد في إقفال أحد المعتقلات، تعذيب السجناء، رفض إعطاء رخص رسمية للتظاهر السلمي، إطلاق تصريحات سياسية من مسئولين عسكريين تتجاوز صلاحيات وزير الخارجية) التي أظهرها «الخادم المطيع» و«رئيس الفقراء» و«المساكين» و«القرى النائية» في الأسبوع الماضي شكلت في رمزيتها جرس إنذار أرسل إشارات تنبيه مبكرة ترسم معالم صورة مغايرة تعمد أنصار أحمدي نجاد على ترويجها وتسويقها في السنوات الأربع الماضية لكسب فرص التحكم وتعزيز المواقع.

دخلت الأزمة أسبوعها الثامن والثورة الآن أمام مفترق طرق يمكن أن يؤدي الانزلاق في مجهولاته إلى تشعيب الصورة وإعادة تشكيل ألوانها إذا لم تبادر القوى الواعية والخيرة في مجلس الشورى إلى الحد من مخاطرها على الجمهورية. جرس الإنذار قرع في الأسبوع الماضي وتبقى الاستجابة. فهل تهرع القوى الحريصة على الدولة والثورة وتتدافع نحو وضع خطة للإنقاذ المبكر أم تستسلم لرئيس الأمر الواقع وتترك الأمور لتيار المحافظين الجدد؟

جلسة الأربعاء توضح جزئيات كثيرة من الصورة. أما أن يكون جرس الإنذار أعطى فوائده المبكرة ونبه للمخاطر وأما أن يكون القرع جاء متأخرا وبذلك تكون «المفاجأة» حصلت. لننتظر.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2521 - الجمعة 31 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً