العدد 2522 - السبت 01 أغسطس 2009م الموافق 10 شعبان 1430هـ

مواطنة بلا حدود

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث عن فتح الأمكنة داخل البلد الواحد ليس مطلبا ثانويا، لأن المواطنة ترتبط بوجود الأمكنة، فإذا اختفى المكان، أو اختنق من كثرة الحدود والعوازل والفواصل، فإن المواطنة تصبح من دون معنى... وعليه، فإن المطالبة بإزالة الحدود داخل البلد الواحد، وفتح الأمكنة يعتبر من صميم تكوين الدولة. فالدولة تحتاج إلى مكان له حدود خارجية (وليست داخلية)، وهذا المكان يحتاج إلى ناس يعيشون فيه على أساس أنهم «مواطنون» متساوون في الحقوق والواجبات.

الخطورة في إقامة العوازل والحدود والفروقات داخل حدود الدولة هو خلق طبقات أو درجات من المواطنة، وهذه تنعكس على الحقوق المضمونة لهذه الدرجة دون الأخرى، كما تنعكس على القدرات المتمكنة منها هذه الفئة على حساب الأخرى. ونتيجة هذا التقسيم في أنواع المواطنة حدوث انقسام داخلي يتحول مع الزمن إلى خطر دائم للأمن والاستقرار. ولأن المواطنة تصبح على درجات، فإن من يمسك بالقرار قد يحتاج إلى تكثير نوع من المواطنة على حساب أخرى، وإذا لم تكن متوفرة داخل الحدود التي قسمت الوطن/ المكان، فإن التفكير يتجه لاستجلاب أناس من خارج البلاد لتلبية تلك الحاجة. ولكن هذا بحد ذاته يؤدي إلى الاحتقان في المشاعر، يترجم لاحقا في الخطابات والتصريحات والتلميحات، ومن ثم يتحول إلى إجراءات معمول بها على الأرض. مرة أخرى، فإن النتيجة هي تشجيع الاتجاهات المتطرفة والمتناقضة داخل الحدود المختلقة في الوطن الواحد.

خلق الحدود داخل الوطن الواحد تؤدي إلى اعتماد الماسكين بزمام الأمور مبدأ «المعاملة التمييزية» بين المواطنين الذين أصبحوا على درجات مختلفة. التعامل مع المواطنين على أساس أنهم من درجات وفئات مختلفة يخلق الأزمات المتتالية في البلد الواحد، وفي النهاية ستعجز الدولة عن تلبية احتياجات المواطنين... فهي إن أعطت مواطني الدرجة الثالثة -مثلا- بعضا من الحقوق، فإن مواطني الدرجة الثانية سيغارون وسيطالبون بضعف تلك الحقوق. وفي النهاية تضطر الدولة للخضوع لمطالب الدرجة الثانية، أو تتقوى عليهم بمواطنين من الدرجة الأولى. وفي حال انتصرت على الدرجات الدنيا من المواطنين فإنها تصبح مرهونة لضغوط شتى ومن كل جانب، ومع انعدام التوازن في الإجراءات، تبرز التناقضات التي تتحول إلى فضائح، وهذه تجر في النهاية إلى أزمات متجددة مع الزمن.

وعليه، فإن الاستراتيجية الوطنية الناجحة هي التي تخلق مكانا مفتوحا، بحيث تنمو «مواطنة بلا حدود» تتعادل فيه درجات المواطنة، ويتحقق فيه الاستقرار والازدهار. إن المواطنين الذين يشعرون بالمساواة أمام القانون لايحتاجون إلى المال من أجل إعلان ولائهم، لأن الولاء للوطن لايشترى ولايباع، إنه ترابط وجداني لأناس يتشاركون في العيش في مكان من دون حدود ومن دون فروقات ومن دون تمييز

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2522 - السبت 01 أغسطس 2009م الموافق 10 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:50 ص

      متى

      متى يادكتور سوف تتعامل معنا الحكومه بدون درجات متى يادكتور؟

    • زائر 6 | 3:58 ص

      الديرة كلها كنتونات غير معلنة عسكريا

      كلام في الصميم ولكن كما قال عز وجل (لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد) هؤلاء هدفهم تمزيق الممزق وتفتيت المفتت وطحن المطحون والله المعين عليهم.

    • زائر 5 | 3:40 ص

      عندما نصبح رجالاً

      هذا الهوان والذل الذي نعانيه بمرأى من عيوننا ولا تهتز لنا شعرة إنما يعني فيما يعنيه أننا لم نبلغ مبالغ الرجال، وإلا ما الذي يجعلنا نعيش حياة الظلم والمهانة ونقف لنندب حظنا رغم ضعف الجاني؟ لا يوجد سوى سبب واحد، هو إننا قد فقدنا رجولتنا للدفاع عن حقوقنا كما تفعل الشعوب الحرة.

    • زائر 4 | 3:10 ص

      مع احترامي

      مع احترامي هل المواطنة ستتحقق بهذه المقالات، المواطنة واجبات وحقوق، فلا يكفي أن تكون مواطنا بحكم العيش على الأرض فقط، المواطنة هو أن تشعر بأن هذه الأرض كلها وطنك، فلا تمنع من الوصول إلى أي جزء منه، ولا تقضي عمرك كله في المطالبة بحقوقك التي يجب أن تعطى بكل أريحية بدون الحاجة إلى الاستجداء والتعرض إلى الاذلال من قبل أي متنفذ وصاحب قرار. ولو كتبت يا د. منصور مئات المقالات فالطرف الآخر يفعل ماير يد ويقول لك قل واكتب ما تريد.

    • زائر 3 | 2:45 ص

      شكراً دكتور منصور

      بارك الله فيك ، مقالك اليوم و في يوم أمس أعتبره أفضل توصيف لأسباب أزماتنا ، تشخيصك دقيق جداً ، كالطبيب الحاذق الذي وضع إصبعه على مكمن الداء الحقيقي.

    • زائر 2 | 2:09 ص

      كلام جميل

      ولكن هل من يسمع؟

    • زائر 1 | 2:04 ص

      تمييز تمييز تمييز ثم تمييز

      هكذا عشنا في هذه الديرة في التوظيف والوظائف تمييز في الوزارات تمييز في الشركات والبنوك في المؤسسات الكبيرة والصغيرة تمييز
      في انهاء المعاملات تمييز في الرياضة والأندية تمييز في السكن والإسكان تمييز حتى في الديمقراطية تمييز وتوزيع الدوائر تمييز حتى وصل التمييز الى النخاع .
      متى يحل الوطن في النفوس ويتعيش ويتغلغل داخلها ويكون الإخلاص للوطن ويكون هم الوطن مقدما على كل الهموم إذا كان المواطن يمثل
      هم الوطن الأول وعزة وكرامة المواطن مقدمة على كل الأمور حينها يكون المواطن باذلا من اجل وطنه

اقرأ ايضاً