العدد 2528 - الجمعة 07 أغسطس 2009م الموافق 15 شعبان 1430هـ

أذكر النكبة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

زرت هذا الأسبوع مبنى الكنيست للمرة الثالثة في حياتي. كانت المرة الأولى أثناء حرب الاستقلال عندما لم يكن الموقع بعد تحت سيطرة «إسرائيل».

المبنى اليوم مجمّع ضخم. وإذا تم تنفيذ سياسة نتنياهو بالذهاب إلى الحرب ضد الأميركيين فلن يتمكن حتى الجيش الأميركي من احتلال مبنى الكنيست، الذي يظهر كحصن منيع لأمّة قوية: أسلاك شائكة وجدران ضخمة وضباط شرطة ونقاط تفتيش. قلعة بشعة محاطة بمبانٍ أكثر بشاعة.

لم أرَ قلعة أكثر تحصينا في أية عاصمة أخرى. لذا وحتى لو وقعت الحرب المخطط لها فسوف يصمد مبنى الكنيست. هذا ما نسميه ديمقراطية مأمونة.

يعيد المسئولون في المبنى المحصن الذي نسميه كنيست «إسرائيل» كتابة التاريخ، وكذلك المستقبل، الذي كنا نتطلع إليه في يوم من الأيام عندما كانت التلة مازالت خالية.

يبدو من خلال النكبة وخطة وزير التعليم بإزالة ذلك التعبير من المناهج المدرسية بأن المستقبل سيكون محو كل ما هو موجود.

أذكر النكبة

شهِدْتُها إلى حدود أبعد بكثير مما شهدها وزير التربية الذي سمع بها فقط على ما يبدو. كانت حملة عسكرية قاسية لا ترحم لجنود شباب سفكوا دماءهم وهم يحاربون عددا مصمما هُزِم في نهاية المطاف. إلا أن ذلك العدو الذي هزم لم يكن عنصرا مجهولا في معادلة حسابية وإنما شعبا مازال موجودا. حارب آباؤه وأجداده جيدا، وإلا لما كنا عانينا من خسائر كبيرة إلى هذه الدرجة.

أصِبْتُ بجروح في تلك المعركة. ولكنني أعتقد أنه يتوجب على وزير التعليم أن يثقف شبابنا ليكونوا أبطالا من خلال إعلامهم بأنه كان في تلك الحرب خاسرون كذلك، وأن لهم قصة أيضا. لم تعد الأرض ملكا لهم، ولكن لهم تاريخ، ولا يستطيع أي وزير تعليم محو الشعب المهزوم من ذاكرة التاريخ القوية. حارب مقاتلو النكبة ببطولة، ولكننا حاربنا بصورة أفضل.


الشعر العربي

يبرز النصر من حقيقة أن دولة «إسرائيل» موجودة اليوم وليس من خلال محو قصة الطرف الذي خسر من رواية تأسيس الدولة.

حاول الألمان تدريس التاريخ الألماني دون ذكر المحرقة. ولكن ذلك لم ينجح، فالمحرقة عنصر قوي في ألمانيا اليوم، لأنها كانت حدثا قويا. وينطبق ذلك على جميع القوانين التي تُسَنّ بسرعة من قبل وزراء يرغبون بتغيير التاريخ.

لم يخترع وزير تعليمنا هذه الفكرة.

عمل ستالين على كتابة تاريخ جديد لروسيا، إلا أن الماضي عاد ليسيطر عليه.

يشكّل السرد الذي يتحول إلى أسطورة تاريخا أكثر مما يستطيع أي وزير تعليم إيجاده، حتى لو تعلم الأطفال العرب هنا أناشيد «بياليك» وأجبروا على رفع العلم الإسرائيلي فوق منازلهم كل صباح وإنشاد نشيدنا الوطني كل مساء، فهم سيقرأون الشعر العربي في الخفاء، تحت جنح الظلام، لأن الشعر العربي هو جوهر وجودهم، ولا نستطيع نحن عمل أي شيء حيال ذلك.

فكرت وأنا داخل قلعة الكنيست المحصّنة أنه قد يكون مازال بالإمكان، قبل موتي أن أحوّل هذه الدولة إلى دولة يهودية، وليس دولة تسكنها جماهير ذات حماسة مفرطة اسمهم اليهود، وإنما يهود مثلما كنا؛ دولة نحترم فيها هؤلاء الذين حاربوا ضدنا وهُزِموا. وعندما يحصل ذلك سنرى إنشاء دولة عربية إلى جانبنا، وستصبح مدينة أورشليم، المعروفة أيضا بالقدس، عاصمة للدولتين، اليهودية والعربية. ويومها يأتي السلام إلى «إسرائيل».

آمين.

*روائي وصحافي إسرائيلي مشهور، حصل على عدة جوائز وتُرجمت أعماله إلى 25 لغة، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2528 - الجمعة 07 أغسطس 2009م الموافق 15 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً