العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ

البذرة الأولى لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني

إضراب سواق الأجرة والشاحنات في العام 1954

الإضراب الذي قام به سواق سيارات الأجرة والشاحنات في العام 1954 كان من أهم الأنشطة التي ظهرت فيها النخبة البحرينية التي قادت حركة الهيئة التنفيذية العليا (التي سُميت لاحقا بهيئة الاتحاد الوطني). فقد أضرب أصحاب سيارات الأجرة والشاحنات بعد فرض التأمين عليهم بطريقة أدت للإضرار بالسواق ما حدا بهم لإعلان إضراب أوقفوا خلاله تنقلات كثيرة آنذاك كانت تعتمد عليهم. وبعد مرور فترة طويلة ها هي شوارع المنامة تشهد اليوم منذ ايام قللية عتصامات ومطالب لاصحاب سيارات الاجرة على غرار فترة الخمسينات وان اختلفت الظروف الحالية وعلى إثر ذلك الاضراب تدخل المرحوم عبدالرحمن الباكر مع عدد من أصحابه وطرح حلا تعاونيا نتج عنه تأسيسه صندوق التعويضات التعاوني الذي اعتبر تجربة ناجحة فريدة من نوعها على مستوى منطقة الخليج.

مال الله الأنصاري أحد الذين قادوا الإضراب آنذاك. التقته «الوسط» وتحدثت معه عن تجربة اضراب السيارات (الخاصة والأجرة والباصات) والتي وصفها الأنصاري (صاحب عدة سيارات للإيجار آنذاك) بأنها البداية الحقيقية والبذرة الأولى لبروز صندوق التعويضات التعاوني ومن ثم نشوء هيئة الاتحاد الوطني.

يقول الأنصاري وهو يسرد شريط ذكرياته عندما دعا وشارك في هذا الاضراب: إن الحديث آنذاك كان يدور حول نقطة تأمين السيارات وأهميته لأصحاب السيارات، إذ وضع المستشار البريطاني تشارلز بلجريف قانونا لتأمين السيارات جميعها لدى جهة أجنبية، ما أثار استهجان أصحاب السيارات وحدا بالبعض لضرورة التأمين لدى جهة محلية عوضا عن الجهات الأجنبية.

قام مال الله الأنصاري بكتابة رسالة إلى بلجريف باسم سائقي السيارات، وذلك للدعوة إلى إضراب شامل للسيارات وتحديد موعد الإضراب.

أعاد صوغ الرسالة المعنية الصحافي علي سيار وقام بطبعها محمد بن دينه على طابعة البوليس خانه من المحرق وهي مكونة من ثلاث نسخ، ذهبت الأولى إلى حاكم البلاد صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والثانية إلى المستشار بلجريف والثالثة إلى قمندار الشرطة (رئيس الشرطة) الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة.

ويقول الأنصاري إن عددنا كان كبيرا وكان عدد السيارات والباصات يصل إلى أكثر من خمسين سيارة، وعندما قررنا الاضراب كان المكان هو بر مدينة عيسى حاليا. واستمر الاضراب ثلاثة أيام.

ويتذكر مال الله الأنصاري وهو يقلب ألبوم الصور القديمة وهو مازال يحتفظ بالكثير منها في مجلس منزله في منطقة عراد بالمحرق، أنه بعد الإضراب تم الاتفاق مع المستشار البريطاني تشارلز بلجريف على وضع ضمان مالي برأس مال قدره 50 ألف روبية من المصرف كرأس مال لشركة تأمين بحرينية.

وأضاف أنه تم جمع المبلغ من أصحاب السيارات في كل من المنامة والمحرق والرفاع بحيث دفع كل واحد 100 روبية واستطعنا جمع 42 ألف روبية والباقي 8 آلاف روبية قام بدفعها الوجيه خليل المؤيد لإنشاء شركة وطنية للتأمين. وتم بموجبه تأسيس صندوق التعويضات التعاوني.

مساندة الباكر

كما أوضح الأنصاري ان الباكر ورفاقه دعموا الحركة المنادية بالتأمين المحلي وذلك قبل تأسيس هيئة الاتحاد الوطني. وقد تم تزويدهم بالقوانين الخاصة بشركات التأمين مثل شركة «كات» اللبنانية للاستفادة منها. وعندما تم إشهار صندوق التعويضات ترأسه في البداية الباكر ومن ثم حل محله عبدالعزيز الشملان. ومنها تبلورت وتطورت الحركة الوطنية في البحرين.

ويواصل الأنصاري ذكرياته واصفا تلك الفترة بأنها امتداد لحركة جمال عبدالناصر القومية (المد القومي) وهو ما كان تأثيره جليا على البحرينيين، ومنها تواصلت المظاهرات والاضرابات التي قال إنه لا يتذكر عددها، بينما أكد ان مدينة المحرق وأزقتها كانت من أكثر المناطق في البلاد التي كانت تغلق شوارعها بسبب المظاهرات. ويقول: «عندما زار وزير الخارجية البريطاني سلفن لويد البحرين قامت المظاهرات والإضرابات في المحرق والتي عرقلت مسيرة الوزير إلى المنامة ما أعقبه إنزال الجيش البريطاني في شوارع المحرق وحلّ الهيئة ونفي رؤسائها، وبدأوا باعتقال المتظاهرين ووضعهم في معسكر رميثة في جنوب البلاد لعدة أشهر. وقد تم اعتقال ما يقارب مئة شخص وصدرت أحكام مختلفة ضدهم فتم اطلاق سراح البعض، ونفي البعض الآخر إلى خارج البلاد وسجن آخرون، وكنت أنا واحدا من هؤلاء المسجونين في سجن جدا لمدة عامين.

تلك ذكريات لاتزال عالقة في ذاكرة الانصاري الذي يأمل يوما ان يعاد ما حققه اضراب سيارات الاجرة والشاحنات في الخمسينات ببروز صندوق التعويضات التعاوني الذي لولاه لما صينت وحفظت حقوق سواق سيارات الاجرة لسنوات طويلة آملا ان يعاد صندوق التعويضات في عهد الانفتاح بعد ان اعلن عن وفاته في التسيعنات. هذا الصرح الوطني الذي ظل على الدوام شاهدا على نبض الشارع البحريني وتاريخ مطالبه الوطنية.

مال الله صالح الأنصاري

العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً