العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

بحريني عمره 18 عاما يفتتح قائمة ضحايا حوادث المرور في 2003

كيف نوقف سيل الدماء المهدورة على الإسفلت؟

لقي بحريني (18 عاما) مصرعه صباح أمس الأول المصادف اليوم الأول من السنة الجديدة على الشارع المؤدي لقرية كرانة بعد اصطدامه بعمود الإنارة على جانب الطريق نتيجة تهور وسرعة وعدم السيطرة على السيارة مسجلا أول حادث وحالة وفاة وكأول رقم وضحية على شوارع المملكة، جاء هذا الحادث بعد سلسلة حوادث مميتة امتدت على مدار شهر كامل وتركزت في الأسبوع الأخير من العام 2002 إذ وصل عدد الذين لقوا مصرعهم خلال هذا الأسبوع على شوارع البحرين أكثر من 8 تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 25 عاما.

على رغم كل سبل التوعية التي تلجأ إليها المملكة للحد من الحوادث المرورية إلا ان الأرقام تشير إلى انها في تزايد وهو ما ينذر بالخطر، إذ تحصد أرواح شبابنا بشكل خاص وهو ما يستدعي وقفة.

في هذا الموضوع القديم المتجدد الذي لن نمل من طرحه للمناقشة أيمانا بدور الصحافة والإعلام بشكل عام في وجوب تعزيز التوعية، نحاول أن نطرح الأمر على مائدة النقاش بهدوء من خلال طرح بعض إشكالات الطريق واستعراض الدراسات العلمية والتي تؤكد نتائجها إن المشكلة في شكلها النهائي إنما تتلخص في سلوك الإنسان، وان كل العوامل الأخرى سواء من طرق أو سيارات أو حتى سبل منح رخص القيادة كلها بريئة من الدماء المهدورة على الإسفلت.

مثلث عوامل الحادث المروري

إننا نشهد بين الحين والآخر وفاة أشخاص على الطرقات، كما أن الروح ليست رخيصة إلى حد أن يفقدها المرء على الطريق، غير أن اللامبالاة والتهور يقفان كأهم الأسباب التي تصل بالمرء إلى المستشفى أو إلى المقبرة وإذا ما أردنا النظر إلى الأمر من جميع جوانبه نرى ان للحادث المروري عوامل مشتركة نسميها مثلث العوامل وهي الطريق والمركبة والسائق، وبالنظر إلى البحرين وطرقاتها يتبين لنا ان شوارع هذه البلد من أفضل الشوارع والطرقات في العالم، فهي سويت طبقا لأفضل الشروط الدولية والعالمية، ولا أظن ان لمثل هذه الطرقات تأثيرا في زيادة عدد الحوادث، على العكس فإن مستوى أمانها قد يحد منها إذا انتقلنا إلى العنصر الثاني من مثلث العوامل وهو المركبة، نجد انه في كل عام يتم فحص المركبات التي تسير على شوارعها فحصا دقيقا يضمن للسائق مركبة صالحة سليمة ولتسجيل السيارات شروط معلومة ومواصفات عالية يجب على جميع السيارات ان تتطابق معها بحيث لا تعود تشكل أي تهديد للتسبب بوقوع حادث ما إلا ما أصابه التلف بعد الفحص وهذا ما يجب متابعته من السائق لضمان سلامته بالدرجة الأولى وسلامة الآخرين، وإذا ما انتقلنا إلى العنصر الثالث وهو السائق نرى ان المتسبب الرئيسي في وقوع أي حادث ونادرا ما تكون الأسباب غير متعلقة به، ولا يسمى السائق سائقا إلا إذا حصل على رخصة قيادة ومعلوم لدى الجميع كيفية الحصول على رخصة القيادة وصعوبة إجراءاتها لضمان التأكد من قدرة السائق وجدارته، مع وجود بعض المحاولات لرفع سن الحاصلين على رخصة القيادة من 18 عاما إلى سن 21.

وبهذا نكون قد ضيقنا الدائرة شيئا فشيئا للوقوف على أسباب الحوادث ولم يبق إلا التهور والسرعة وهما ينتجان عن الغرور، الأمر الذي يجعل السائق يقود من دون مبالاة أو مراعاة لآداب الطريق وبالتالي يخسر المرء صحته وسلامته ويسيئ للآخرين ويضرهم فاستهتار السائق بشروط السلامة يجعله في كثير من الأحيان يخسر حياته.

الخطط التي لابد منها لمواجهة الحوادث

أما الخطط التي لابد من عملها لتخفيف الحوادث المرورية فهي كثيرة نذكر منها الرادارات والدوريات المتنقلة والمراقبة للطرقات عبر شبكة المراقبة الالكترونية.

ولقد اثبت الرادار فاعلية كبيرة في تخفيف السرعة وكان للرادع المالي صدى خصوصا في تكرار المخالفات وبالتجربة رأينا ان كثيرا من الذين تهوروا وحجزوا وعوقبوا بدفع مبالغ مالية أو بالتقديم للقضاء كانت عاملا أساسيا لتخفيف مثل هذه الحوادث.

فخطة الرادارات الثابتة أثبتت فعاليتها بالإضافة الى الرادارات المتحركة فأصبح السائق المتهور يتوقع وجود رادار في أي مكان ما يجعله يخفف السرعة كلما تذكر الرادار المتحرك، وهذه وسيلة ظهرت بشكل ملفت للانتباه في فترات معينة وتختفي في فترات أخرى.

أما الدوريات فهي ناشطة ولكن في فترات معينة وليس في كل المناطق وهذا من شأنه ان يجعل كل متهور ان يتمادى في استغلال الشارع الاستغلال السيئ، فلو كانت موجودة بشكل دائم لاستطاعت إيقاف ومخالفة كل متهور يقود بطيش واستخفاف ويحق لرجل الشرطة إيقاف إي مخالف باسم القانون.

وإذا ما تكلمنا عن بعض الأسباب التي تساعد في وقوع الحادث «كالمخفي» (الرايبون) وقيادة السيارات من أشخاص غير حائزين على رخص قيادة أو قيادة السيارة في حال شرب مادة كحولية فهذا كله لا يشكل سوى نسبة محدودة ولا يصح الحديث عنها باعتبارها ظاهرة كبيرة إلا ان «المخفي» له دور في وقوع الحوادث إذ ان المشكلة تكمن في مساحة الرؤيا ومسافة الرؤيا من قائد المركبة بالنظر الى المركبات التي أمامه فعندما تتحدد مسافة الرؤيا ومساحتها فبالتالي يتحدد رد الفعل لدى السائق وبالنسبة إلى سائق «المخفي» فإن رد الفعل يتأخر ما يتسبب في وقوع حادث وكثيرا ما أثار «المخفي» انتقادات منها التفرقة بين المواطن وسبب السماح لبعض المواطنين أو التغاضي عنهم عندما يضعون «المخفي» هذه المعاملة جعلت الكثيرين يتمردون على القانون ومنع وضع «المخفي» على سيارتهم. وسياساتها المتبعة في هذا الشأن هو كيفية مواجهة هذه المشكلة وقد بدأنا في إجراءات متنوعة لتحييد دور المخفي في الحوادث.

لجنتا المتابعة

على رغم تلك الإجراءات المتبعة من الإدارة العامة للمرور في دراسة متابعات الحادث وأسبابه فهناك لجنتان لجنة تابعة لإدارة المرور وأخرى تابعة لوزارة الإشغال والإسكان. هذه اللجان تضع أمامها الحوادث المرورية وتدرس أسبابها وسبل الحد منها وإيجاد أفضل السبل وأسهلها لحل المشكلات المرورية واتخاذ الإجراءات التي من شأنها العمل على التخلص من جميع السلبيات التي تساهم في وقوع حادث مروري ما، ومعاينة مواقع الحوادث الخطيرة لتأكد من أسبابها، ولقد لوحظ ان أكثر الحوادث الخطيرة التي يتعرض لها السائقون هي في الشوارع الخارجية والشوارع السريعة هذا من شأنه ان يتطلب وضع دوريات خاصة وبشكل متواصل على هذه الشوارع للحد من الكثير من الحوادث المرورية والمميتة.

دراسة عن وفيات الحوادث في مرحلة التنمية الأولى

وعن هذا الوضع تشير دراسة أعدها الدكتور محمد مراد عبدالله مدير مركز البحوث والدراسات بشرطة دبي الى انه في بداية مرحلة التنمية الأولى في فترة ما بعد اكتشاف النفط في منطقة الخليج احتلت قطر والامارات وسلطنة عمان والكويت والسعودية المراتب الخمس الأولى على مستوى العالم من حيث أعلى معدل وفيات حوادث السير بالنسبة إلى حجم السكان إذ بلغ مؤشر عدد وفيات حوادث السير لكل 100 ألف من السكان 49,47,32,29,27 لهذه الدول على التوالي وذلك العام 76 في حين ان البحرين لم تكن ضمن هذه الدول بل كانت تحت معدل الخطر مقارنة بالدول المتقدمة والتي يتراوح المعدل فيها ما بين 8 - 18 متوفى لكل 100 ألف من السكان.

ومن هنا يتضح لنا ان مع تجاوز المملكة حاجز 600 ألف نسمة إضافة الى التوسع العمراني الأفقي والرأسي وضيق مساحة الأرض ومعدل الكثافة العالية زادت المشكلات المرورية والتي تتمثل أساسا في ارتفاع معدلات الخسائر البشرية والمادية وازدياد حدة الاختناقات المرورية خصوصا في منطقة وسط المدينة.

الخلل في السائق وانعدام الهيبة المرورية

عندما تتكرر أي ظاهرة سلبية سواء في صورة حوادث أو في إي صورة أخرى فلابد من وجود خلل أو ما يعرف بالقصور ومثل هذه المسائل لابد من الحديث عنها بشفافية وقبل ان نتحدث عن الحوادث هناك ظاهرة منتشرة عندنا ألا وهي ظاهرة السياقة الإرهابية وخصوصا من أولئك الذين يرغبون في تجاوز السيارات ونجد هذه النوعية من السائقين غير مبالين بإحساس الآخرين والحل الوحيد أحيانا لمواجهتهم هو الاختفاء من أمامهم نتيجة تصرفاتهم المزعجة باستخدام جهاز التنبيه أو الإشارة الضوئية.

كما اننا بحاجة إلى هيبة مرورية وإعادة النظر في نظام منح رخصة السياقة، ونحن بحاجة إلى ضبطية قضائية أكثر فعالية، فلماذا لا نطبق بعض أنظمة السويد المرورية من وجهة نظري لان السائق متى ما شعر بأنه مراقب في الشارع فحتما ستنخفض نسبة التجاوزات والمخالفات... فالرادع المالي والعقوبة يلعبان دورا كبيرا في الالتزام بقوانين المرور.

السرعة ظاهرة متفشية

والسرعة ظاهرة متفشية لابد من دراسة أسبابها وتشديد العقوبة على المستهترين ونشر التوعية المرورية في الجماهير... فمسألة المرور أخلاقية بالدرجة الأولى وتربوية أيضا والمطلوب هو المزج بين التوعية والضبطية وعدم التسامح في المخالفات المرورية فليس دور القانون النصح والإرشاد بل ضبط المخالفين وأود هنا ان اقترح العمل على إعداد خطط رقابية في ساعات الذروة أو الأوقات العشوائية فهذه من شأنها ان تخلق هيبة مرورية في شوارع المملكة وتحد أيضا من نسبة الحوادث التي تقع خلال هذه الفترة.

وتنحصر الأسباب الرئيسية في السرعة وعدم التزام السائق بالسرعة المحددة في الشوارع على رغم وجود رادارات تصوير وأجهزة مراقبة ودوريات ولم تحد هذه العوامل التي وضعت لتخفيف الحوادث المرورية من المشكلة لأسباب أهمها عدم المبالاة التي نجدها لدى المتهورين وهم من فئة الشباب والمراهقين وهذا يعود لأسباب يجب دراستها من الناحية النفسية للشباب ربما يكون منها الفراغ أو المشكلات الأسرية أو الفشل في الحياة فترى الشاب يفرغ جام غضبه على الطريق ولا يهمه إذا ما تسبب في حادث أم لا، أساء للآخرين أم أحسن.

ومن هنا ان السرعة ومضاعفتها لن تختصر الزمن ولن توفر إلا بعض الثواني والدقائق التي قد يدفع السائق بدلا عنها سنينا وشهورا في المستشفيات بالإضافة الى المرض وإزهاق الأرواح والأموال وغيرها. وليعلم السائق ان في زيادة السرعة في حال التوتر لديه ما يجعل رد فعله غير سليم الشيء الذي يجعل من السهولة بمكان اصطدامه أو تهوره وفقدان السيطرة على حركة المركبة بالإضافة الى ان المركبة كلما زادت سرعتها خف وزنها... والنصيحة التي أوجهها لجميع السائقين الالتزام بالسرعة المحددة وفحص المركبة بين الفترة والأخرى والالتزام بقوانين السير فبذلك يضمنون سلامتهم وسلامة الآخرين فالصحة نعمة من الله يجب المحافظة عليها، وعلى الآباء والأهالي متابعة أولادهم الذين يقودون بتهور ومراقبتهم وتعنيفهم إذا ما تطلب الأمر فذلك خير من خسرانهم وفقدانهم

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً