العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ

الطريق إلى الهلاك ROAD TO PERDITION

كانت أمسية رائعة، تلك التي شاهدنا فيها فيلم (الطريق إلى الهلاك ROAD TO PERDITION)، حيث المتعة والإبهار السينمائي الذي قدمه إلينا المخرج المتميز سام مينديز في ثاني أفلامه، بعد فيلمه الذائع الصيت (الجمال الأميركيBEUTY AMERICAN ) ، الذي كان نجم جوائز الأوسكار للعام 2000. وهو بالتالي سيكون مؤهلا لأن يدخل منافسات الأوسكار في مارس/آذار المقبل بفيلمه الجديد هذا.

في فيلمه الجديد (الطريق إلى الهلاك)، يواصل سام مينديز بحثه في خبايا النفس البشرية والعلاقات العائلية، ويقدم ملحمة عن علاقة الآباء بالأبناء، في ظل عالم من العنف والدماء والصراعات، ومن خلال خلفية المجتمع الأميركي في ثلاثينات القرن العشرين والركود الاقتصادي في تلك الفترة من الزمن، متناولا ذلك الصراع بين أبوين كليهما يحب الآخر، ولكن عندما يتعلق الأمر بمشاعر الأبوة ينشأ صراع حتى الموت بينهما.

وقبل أن نتطرق لحكاية الفيلم، لابد لنا من الإشارة إلى تلك العوالم الخفية والدوافع النفسية التي تقف وراء مجمل الشخصيات الإجرامية التي أبرزتها السينما في أفلام كثيرة، في محاولة منها لتكريس حقيقة أن الإنسان لم يخلق مجرما، وإنما هناك ملابسات اجتماعية واقتصادية هي التي تسير حياة هذه الشخصيات وتدفعها إلى أن تسلك طرقا غير قانونية كي تعيش.

وإذا كانت هذه الدوافع قد غابت في فيلمنا هذا، فإن الجانب الإنساني قد تألق بصورة ملفتة للنظر، من خلال علاقات متشابكة بين شخصيات الفيلم، تتضح بشكل جلي بين الآباء وأبنائهم والعكس.

يحكي الفيلم عن مايكل سوليفان (توم هانكس)، القاتل المأجور الذي يعمل لصالح جون روني (بول نيومان) زعيم إحدى عصابات المافيا في فترة الكساد الاقتصادي في شيكاغو. تربط هاتين الشخصيتين علاقة حميمة، قدمها إلينا الفيلم بشكل موجز وذكي منذ البداية، من خلال مشهد قصير عندما عزفا سويا على البيانو، لحنا مشتركا يجسد ذلك الانسجام على صعيد الروح والأفكار. إلا أن تلك العلاقة الجميلة تتعرض للانهيار، بعد أن يقوم كونر ابن روني بقتل زوجة سوليفان وابنه الأصغر، ليبدأ العداء بعد قرار الرحيل الذي اتخذه سوليفان مع ابنه مايكل، وفي تفكيره تنفيذ أمرين، الأول المحافظة على حياة ابنه المتبقي وإبعاده عن أجواء القتل، وثانيهما الانتقام من قاتل عائلته.

كذلك بالنسبة إلى روني، الذي نجده في محنة صعبة بين أمرين، الأول فقده لأفضل رجاله الذي يعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة، والثاني خوفه على ابنه من انتقام سوليفان. ليتحول ذلك الرجل القوي الذي يسيطر على كل شيء، إلى إنسان ضعيف أمام تلك المشكلات التي يسببها الأبناء، لدرجة أنه يقدر لسوليفان تمسكه بفكرة الانتقام، لكنه لا يصمد أما غريزة الأبوة، حيث يؤجر أحدا لقتل غريمه سوليفان. وبالتالي تسير حوادث الفيلم نحو النهاية الحتمية، إذ يتخلص سوليفان من قتلة عائلته، ومن ثم يقتل على يد القاتل الأجير. وفي ذلك إشارة إلى أن الشر لابد أن يولد الشر. لتبقى الفكرة الأساسية التي اعتمدها الفيلم، ألا وهي فكرة توريث العنف والإجرام، التي يرفضها الفيلم في مشهد ختامي، عندما لا يستطيع الطفل الصغير أن يصوب المسدس نحو قاتل والده... لينهيه سوليفان ويجنب ابنه الدخول إلى هذا العالم الملطخ بالدماء، مصرا على أن يحافظ على ابنه الوحيد نظيفا، وإبعاده عن طريق كان قد اختاره هو لحياته بسبب مهنته والذي اكتوى بناره.

يقدم الفيلم وجبة فنية دسمة من العلاقات الإنسانية، بغض النظر عن تلك الأجواء الإجرامية السائدة، ويغوص في قلب العنف الكامن داخل الإنسان، في محاولته حماية أبنائه من ذلك العنف، ليجد نفسه في ازدواجية مذهلة بين الشر والخير والحب والكراهية. وينتهي الفيلم، على المشهد نفسه الذي بدأ به، بطفل يعطي ظهره للكاميرا ووجهه للحياة الممتدة أمامه، يحكي عن نفسه وحياته وكأنه يرسم لنا لوحة للمجهول الذي ينتظره.

في (الطريق إلى الهلاك)، نحن أمام فيلم جميل وقوي، يأخذنا إلى عصر خاص جدا، جسده صناع الفيلم بكل تفاصيله، لدرجة تصنيع النسيج والأقمشة المناسبة لتلك الفترة، باعتبار أن أقمشة تلك الفترة ثقيلة وتعطي تأثيرا مختلفا لوضع الملابس على الجسم، وللطريقة التي تتحرك بها الملابس مع جسد الممثل. هذا إضافة إلى اعتماد المخرج على العوامل الطبيعية، من سقوط الأمطار على الزجاج الأمامي للسيارة والضباب، والتصوير ليلا، إضافة إلى الموسيقى المتناغمة مع الحدث الدرامي، كل هذا لكي يعطينا صورة واقعية للمشهد المصور بعناية فائقة، ما أضفى على الفيلم المزيد من الجمال والإثارة والمتعة البصرية، وجسد ملامح الشخصيات بشكل واقعي جعلت المتفرج يتواصل مع شخصيات الفيلم ويسبر أغوار النفس البشرية للشخصيات.

اجتمع في هذا الفيلم ثلاثة من أصحاب جوائز الأوسكار، ليقدموا مباراة في الأداء التمثيلي الأخاذ، لا يمكن أن يباريهم فيها أحد، وعلى رأسهم المتميز توم هانكس صاحب الأوسكارين (فيلادلفيا، فورست غامب)، والمخضرم بول نيومان، إضافة إلى المخرج سام منديز.

بذل توم هانكس جهدا واضحا لتجسيد الشخصية المحورية، وأضفى عليها صدقا هائلا، وهو القادر على توصيل تفاصيل مهمة للشخصية حتى في لحظات الصمت برقة ومن دون مبالغة، لذلك استحق تعاطف المتفرج مع الشخصية من دون منازع. كذلك بول نيومان، الذي تجاوز السبعين، في دور رائع، سيؤهله لأن يكون من ضمن المرشحين إلى أوسكار أفضل ممثل مساعد في مارس المقبل.

ثم يأتي دور مايكل الصغير، الذي أداه الممثل الموهوب تايلر هوشلين، والذي اختاره المخرج من بين ألفي ممثل، ليكتمل الثلاثي الجميل.

بطاقة الفيلم

تاريخ العرض الأول: 12يوليو/تموز 2002. النوع: دراما/ مغامرات. التقدير: ز . زمن العرض: 119 دقيقة. بطولة: توم هانكس، جودي لو، بول نيومان، جينيفر جيسون لي، ستانلي توشي. تأليف: ديفيد سيلف. إنتاج: ديفيد براون، ريتشارد دي زانوك، دين زانوك. توزيع: فوكس للقرن العشرين. إخراج: سام منديس

العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً