ولدت يتيم الأب في أسرة لا تملك قوت يومها أتساءل عن مصيري في هذه الحياة، ألتمس الدعاء، وأسأل الله أن يهبني الخير والعطاء.
كان هدفي حينئذ هو اتمام الدراسة، وكانت طموحاتي تصب في قالب العزة والكرامة الانسانية، ومن هنا بدأت في بناء شخصيتي التي لم تعرف اليأس والندم على وفق ما أحب. ثم التحقت بمدرسة الثانوية العامة بعد حصولي على شهادة اتمام الدراسة الاعدادية العامة (المعادلة) بتقدير امتياز، وفي بادئ الأمر كنت أواجه صعوبة في فهم مواد الدراسة وقد يكون ذلك نتيجة للنقلة النوعية التي طرأت علي، ولكن بعد مضي عام من الدراسة بالتخصص الأدبي أخذت في التميز شيئا فشيئا، وقد شجعني على تفوقي هذا بعض المدرسين الأفاضل الذين أدين لهم بالولاء. إلى أن تخرجت بمعدل كنت راضيا عنه بعض الشيء.
أحسست أن الدنيا قد تبسمت لي بعد قراءة خبر حصولي على بعثة من وزارة التربية والتعليم إلى الكويت الشقيقة لدراسة الحقوق في جامعة الكويت، هذا ما كانت أتوق إليه وأنا صغير متشوقا إلى دراسة الحقوق، انتظر موعد المغادرة بعد اكمالي اجراءات السفر كافة وفي يوم مشئوم قبل موعد المغادرة بيوم الموافق يوم الأربعاء استدعيت إلى وزارة التربية والتعليم من قبل أحد الموظفين الذي أخبرني بأن جامعة الكويت لم تقبلني في كلية الحقوق، وقد تركت المجال مفتوحا أمامي لاختيار التخصص البديل من بين ثلاثة تخصصات (علم اجتماع، وجغرافيا، وخدمة اجتماعية)، فقد كانت الساعة الواحدة ظهرا علما بأن انتهاء الوزارة الساعة الثانية ظهرا. فلم يكن هنالك وقت للنقاش، وكان لا بد أن اتخذ القرار في غضون ساعة واحدة فقط أحدد فيها مستقبلي.
وبعد تفكير اخترت دراسة الخدمة الاجتماعية من بين التخصصات المحدودة، ووقعت العقد الجديد مع الوزارة وعدت إلى المنزل ينتابني شعور غريب، آملا من الله أن يوفقتي في التلاؤم مع التخصص الجديد.
في اليوم التالي سافرتُ إلى الكويت لبناء مستقبلي، وأخبرت من القبول والتسجيل بأنه لم يتم تسجيلي في الخدمة الاجتماعية بعد، وعرض علي دراسة الشريعة أو اللغة العربية لكي يتم التعجيل في عملية التسجيل من دون أية مشكلات، عندها لم أعد أقوَ على الصبر في مثل هذه لظروف، وبعد تفكير عميق قررت العودة إلى البحرين، للدراسة في جامعة البحرين بعد أن فقدت الأمل في التلاؤم مع مثل هذه الاجواء.
بعد أن أوصدت وزارة التربية والتعليم جميع الأبواب في وجهي، واجهتني مشكلة إلغاء القبول في جامعة البحرين نتيجة عدم تثبيتي إياه وقدومي متأخرا، وبالتالي كان اهتمامي منصبا على موضوع القبول قبل مناشدة الوزارة، وبعد قبولي في تخصص الجغرافيا التطبيقية، أخذت بمراجعة الوزارة مرارا وتكرارا ولكن من دون جدوى، وبعد مضي عام عدت ثانية لمراجعة وزارة التربية والتعليم ولكن هذه المرة وعدني رئيس البعثات بصرف مساعدة مالية مقدارها 400 دينار سنويا ابتداء من هذا العام 2002/2003، فطلبت منه اثباتا على ذلك فسلمني رسالة مصدقة من قبل الوزارة.
ولما حان موعد المساعدة المالية وكنت في شغف لتسلمها وخصوصا أن الجامعة تطالبني بدفع الرسوم بعد أن ناشدتها التأجيل إلى حين الموعد، كما اني ادين لأحد أقاربي بمئة وعشرين دينارا استدنتها لدفع الرسوم في أحد فصول السنة الماضية ولابد أن اسددها فور تسلمي المساعدة المالية، لقد بنيت آمالي على هذه المساعدة فهي بمثابة الأمل الوحيد الذي من خلاله استطيع اكمال دراستي الجامعية وبناء مستقبلي، بعد أن عجزت اسرتي عن توفير رسوم الدراسة.
تأخرت المساعدة عن موعدها وبعد عناء كبير وتعب في مراجعة الوزارة، أخبرني احد المسئولين في قسم البعثات بعد تقليب الأوراق بأن اسمي لم يكن موجودا ضمن قائمة الطلاب المقرر صرف المساعدة لهم، وهذا يعني أن الوزارة لم تصرف المساعدة التي وعدت بها، وحاولت معرف السبب وراء هذا التراجع المفاجئ ولكن من دون جدوى.
يونس حسن الهدار
العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ