العدد 137 - الإثنين 20 يناير 2003م الموافق 17 ذي القعدة 1423هـ

ضرورة تطوير الخطاب السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الخطاب السياسي في البحرين خلال التسعينات كان راقيا ومحل إعجاب المراقبين بمختلف اتجاهاتهم. فقد استطاعت المعارضة البحرينية توحيد صفوفها على أساس إجماع وطني يؤمن بالحياة الدستورية وطالبت بوقف انتهاكات حقوق الإنسان وحركت الأوضاع باتجاه الاعتدال في الأهداف والأساليب. وعلى رغم بعض الحوادث التي اتسمت بالعنف خلال التسعينات، فإن الطبيعة السلمية كانت هي الغالبة، وكانت هي الاستراتيجية التي استطاعت ان تدفع باتجاه تحريك الاصلاحات السياسية. الخطاب السياسي كان عميقا من جانب ومبسطا من جانب آخر. فقد استوعبت النخبة معطيات الحراك السياسي المحلي والإقليمي والدولي ووجهت جهودها بما خدم الغرض الأساسي من التحرك.

ثم حدثت نقلة كبرى في الوضع السياسي البحريني، واختلطت الاوراق، فما كان ممنوعا في المرحلة الماضية أصبح أغنية يتغنى بها الرسميون والصحافيون المقربون من السلطة، وما كان يدخل المرء السجن بسببه أصبح أمرا اعتياديا يردد في كل مكان من دون اعتقال. بل ان البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تسمح بجمعيات أهلية بمختلف أنواعها واقتربنا من تشكيل الأحزاب السياسية. وفعلا فإن ما لدينا من جمعيات سياسية ما هي إلا أحزاب سياسية في كل شيء إلا الاسم.

الحكومة البحرينية التي كانت تتحرج وتتخوف من اسم (اللورد أيفبري) استقبلته وسمحت له بمقابلة من يشاء، والحكومة التي كانت تسلط قوات أمنها بصورة قمعية لم تعد كذلك. وحتى مع الدعوات الأخيرة التي سمعناها من البعض محاولين التحريض للعودة الى الماضي لم تنجح لأن الوضع يختلف والعودة الى الماضي (لا سمح الله) ستكون مدمرة بصورة غير قابلة للإصلاح. ولذلك فإن خطوة جلالة الملك في إبعاد الحوادث العبثية في رأس السنة عن العمل السياسي المنظم كانت حكيمة، واعتذار المؤسسة العامة للشباب والرياضة عما قامت به أخيرا بمنع انعقاد اجتماع جمعية الوفاق يعتبر بادرة فريدة من نوعها لم تحدث من قبل، وهو أمر تشكر عليه.

غير ان هذا التغير في الخطاب على المستوى الرسمي لم يقابله تطوير للخطاب السياسي للمعارضة التي عاد أكثرها وتشكلت في جمعيات سياسية. فمازالت اللغة هي ذاتها التي كانت لدينا في التسعينات. وهذا لا يعني ان علينا ان نتخلى عن المبادئ الأساسية والأهداف المشروعة، ولكن الاستمرار في تكرار بعض الخطابات من دون الالتفات الى ما حدث ويحدث من تغييرات يفقد الرأي المعارض قدرته على تطوير التجربة الاصلاحية بصورة أكثر ايجابية.

ان الوضع البحريني الحالي بحاجة ملحة الى خطاب جديد يعتمد على معطيات هذه المرحلة ويستفيد من المرحلة الماضية لكي يؤسس لمستقبل أفضل. فحسنا فعل بعض رموز جمعية الوفاق عندما اشاروا الى ان لغتهم في ما قبل الانتخابات النيابية انتهت مع مرحلة الحياة النيابية، والوفاق لديها الآن فرصة وهي تعقد مؤتمرها العام. وبإمكان الخطاب ان يتحرك بصورة أكثر «تعاطيا» مع المرحلة الحالية. ويمكن استخدام ما حدث أخيرا من محاولات لمنع انعقاد المؤتمر، ثم اعتذار المؤسسة العامة للشباب والرياضة منطلقاايجابيا. وبدلا من صبِّ الزيت على النار، يمكن التوجه الى التقريب بين الرأي المعارض والرأي الرسمي. و «اعتذار المؤسسة»، وهو الأول من نوعه، يلزم أن تقابله روح أخوية ووطنية تتعامل إيجابيا. فلكي نستطيع الخروج من حال عدم الثقة والجر المستمر باتجاهات متعاكسة، يمكن التوجه الى سدِّ الثغرات.

ان جماهير الوفاق هي التي عانت كثيرا اثناء المرحلة الماضية، وهناك الآن فرصة، مهما كانت صغيرة، لبناء جسور ثقة مع جميع الأطراف. ولذلك فإن رموز «الوفاق» بإمكانهم تقليل «الحماس» الذي يخيف الأطراف الأخرى، والتي يتربص بعضها لإثارة الجهات الرسمية على المعارضة. فما حدث في رأس السنة من أعمال عبثية كان قاب قوسين أو أدنى من استخدامه ضد رموز معارضة شاركت بصورة فاعلة في التسعينات في قيادة الحركة السياسية والجماهيرية.

إن الحشد الجماهيري - بمجرد اجتماعه في مكان واحد - سيدفع المتحدثين الى تصعيد الخطاب السياسي. والتصعيد سيفيد فقط في «تهييج» الحشد الهائل بهتافات قوية، ولكن ما ينبغي التفكير فيه هو «ما بعد الحشد»، و«ما بعد الهتاف»... فالسياسة هي تحقيق الأهداف بأكثر الوسائل العملية. فالحشد الهائل وتوقع الخطب الحماسية هما اللذان دفعا البعض الى المماطلة في السماح للمؤتمر بالانعقاد. فليكن جواب «الوفاق» وفاقا سياسيا لا يخيف الآخرين

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 137 - الإثنين 20 يناير 2003م الموافق 17 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً