العدد 154 - الخميس 06 فبراير 2003م الموافق 04 ذي الحجة 1423هـ

الطلاق العاطفي وأزمة تخشّب العلاقة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الزواج ليس مطبخا، ومخطئ من يعتقد ان الحياة الزوجية هي في نهاية المطاف مائدة تستطاب له فيها الالوان فيتربع امامها كهارون الرشيد.

كما ان الزواج ليس مصنعا لتفريخ الاطفال أو فندقا للنوم يستريح فيه المسافر ثم يدفع مالا ليرحل ويعود إليه كلما حنَّ إلى سفر أو ترحال، كما انه ليس حلبة مصارعة يبدأ عزفها على صوت تلك الصحون المتكسرة ساعة تفجر الغضب واشتداد الاختلاف.

الزواج قبل كل شيء شريعة تتحرك، وانسانية تحمل معنى الرحمة، ومسئولية مقدسة متبادلة بين الزوج وزوجته تغلفها نغمات حب صادقة لا تعرف (الخيانة) أو (الضرب) أو (التجريح).

لن نتكلم عن قيس وليلى أو روميو وجوليت وذلك الهيام الرومانسي فهم لم ينتهوا إلى زواج، حالهم حال الكثير الكثير من القصص الخيالية والواقعية القائمة على ثقافة «الحب من اول نظرة» التي تبدأ بنظرة ثم بسلام إلى ان تنتهي إلى زواج فاشل ينتهي بشهادة شاهدين وعقد «مأذون» ومعارك في المحكمة.

ان هناك طلاقين: طلاق شرعي فعلي وطلاق عاطفي معنوي. وكلامنا اليوم يتحرك في الثاني وهو اخطر من الاول.

فالطلاق العاطفي... هو شعور احد الطرفين بالعزلة العاطفية وبرود الحب تجاه الطرف الآخر. وهذه مشكلة حقيقية ولكن بالوعي وبالحلول المعرفية يستطيع الانسان تجاوزها واستيعابها. وهي لها اسباب كثيرة بيد أننا سنحاول ان نركز على بعض الاسباب التي تؤدي إلى تكرسها وتفاقمها إذ تبدأ نقطة سوداء وثقبا في قلب الحب يزداد اتساعه كلما اهمل. لذلك على الطرفين ان يمتلكا شجاعة المكاشفة والكشف عما يعتلج في القلب بحوار موضوعي هادئ صبيحة يوم من ايام الاسبوع يتفق عليه الزوجان، وهو يزداد بتخلي احد الطرفين عن مسئوليته الكاملة في حمل اعباء الاسرة. واليوم نتكلم عن مسئولية الزوج.

بعض الازواج يرى الاسرة ويرى المسئولية في توفير طعام أو مسكن أو مال وتنتهي عند ذلك. هذا خطأ كبير ولعله من المواضع القاتلة لكثير من الاسر. فهذه الحاجات التي تم ذكرها مهمة ولكنها بلا عاطفة محركة تنعدم قيمتها.

بعض الزوجات تقول: «انه لا يقصر في شيء، يوفر لنا المال، يجلب لنا الطعام لكنه ينسى في كل ذلك ان يوفر لنا نفسه ويمنحنا شيئا من وقته وعاطفته على رغم الاستراحات المتقطعة بين كل اعماله... القضية ليست مالا فقط ولا طعاما فقط ولكنها ايضا مشاعر متبادلة، المرأة تحتاج إلى من تتكلم معه، إلى من تبثه همومها... الابناء يحتاجون إلى ابٍ يستمع إليهم، يجالسهم، يصادقهم حتى يشعروا بدفء الأبوة».

امرأة اخرى تشتكي: «انه يوفر الطعام والاكل فقط. فأنا من يذهب بالاولاد إلى الطبيب، انا اذهب إلى اليوم المفتوح لمدرسة الاطفال، انا اقوم بتدريسهم، بمتابعة حياتهم الاسرية وعلاقاتهم في المدرسة وفي المجتمع، حتى شراء حاجات المنزل اذهب انا والخادمة لشرائها... والقضية ليست انه ليس عنده وقت، فهو اضافة إلى اعماله وانشغاله في عمله - وأقدر له انشغاله - يقضي بقية الاوقات إما في رحلات مع الاصدقاء أو منشغلا بزوجته الجديدة (الكمبيوتر) أو ساهرا في المقهى مع الاصدقاء... نحن لا نطالبه بالكثير... نطلب ان يخصص لنا يوما واحدا أو نصف يومٍ ضمن اجندته، يمنحنا شيئا من عاطفته»... الزوجان الناجحان هما من يقدران مسئولية بعضهما بعضا ولكن هما ايضا يجب ان ينصفا بعضهما حتى لا يقعا ضحية «الطلاق العاطفي».

فالرسول «ص» كان يتصابى للحسن والحسين وفي المسئولية يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته». هناك استثناءات لكل ما يجري ولكن لو قمنا بنقد انفسنا بلا مكابرة لاكتشفنا الكثير من اخطائنا التي نجمّلها بمساحيق التبرير ومكياج الهروب واللف والدوران.

ولكي نبعد الزواج عن التخشّب نحتاج دائما إلى تجديد العلاقة وبث الحياة في عروقها، فعندما نكسر الروتين بسفر سياحي - ولو متواضع - نستطيع أن نبدد سأم الاعمال الشاقة طيلة الاسبوع برحلة جميلة إلى متنزه أو إلى مطعم أو زيارة صديق مع العائلة فنستبدل بذلك رائحة بصل الطعام بأريج زهرة في بستان يتلاقى معه صدق الشعور ورهافة الاحساس مع ابناء يجددون نشاطهم بعد جهد الدراسة والواجبات طيلة الاسبوع.

بعض الازواج يلهث وراء «العمل التطوعي» في القرية أو المدينة فينسى اسرته حتى يدب الفشل في حياة الاسرة فينعكس على دراسة الاطفال وعلى عمر هذه الاسرة... فالتوازن هو المطلوب.

وكثير من الآباء غائبون عن الاسرة، من سفر إلى سفر، ومن رحلة إلى رحلة ومن مؤتمر إلى مؤتمر في حين بإمكانهم ان يترجموا حياتهم بطريقة تصب في صالح الاسرة والعمل وحتى العمل التطوعي.

الزواج فن وذوق، وادارة وتربية وتعليم... والخ. اذن هو كل شيء لهذا يجب ان نعرف ادبياته وفن قيادته فقد يكون الخطأ البسيط السبب في انهيار المبنى. ويجب ان نمعن النظر في النسبة التي اذهلت علماء التربية وعلماء النفس في الخليج عندما فاجأتهم نسب الطلاق في الخليج التي بلغت 46 في المئة في كل من الامارات والكويت و35 و34 في المئة في البحرين و38 في المئة في قطر من حالات الزواج. انها ارقام مذهلة لحالات الطلاق، الكثير منها نستطيع تداركه لو اتحنا للحلول العلمية ان تأخذ طريقها. هذا هو الطلاق المادي ولكن ماذا عن الطلاق العاطفي الذي عادة ما يقود إلى طلاق مادي؟.

لهذا يجب ان نقرأ العلاقة بطريقة صحيحة. هذه الاحصاءات تدق ناقوس الخطر وهي مؤشر خطير. تلك حقيقة يجب الاعتراف بها والبحث عن الحلول لها: كثير من العلاقات الزوجية تعاني من الطلاق العاطفي، تجد الزوجين يعيشان مع بعضهما بعضا ولسنين طوال لكنهما يعيشان فقرا أو طلاقا عاطفيا يمكن علاجه وأول العلاج ان يستمع كلا الطرفين إلى ما في قلب الآخر - بلا غضب - وبروح رياضية قد يكتشفان في نهاية المطاف ان الحل في يديهما ولكنهما يجهلانه

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 154 - الخميس 06 فبراير 2003م الموافق 04 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً